بقلم: مارتن نك
شهدت البشرية ثلاثة أنواع من الطائرات المنطادية، أو المناطيد. وهذه الأنواع، التي تختلف تبعاً لبنيتها، هي غير الصلبة أو المرنة، ونصف الصلبة والصلبة. لكن الأنواع الثلاثة تشترك بأربعة أجزاء أساسية. الأول منها هو البالون الذي يأخذ شكل السيجار. والبالون هو الذي يعطي المنطاد قوته الرافعة ويملأ بغاز أخف من الهواء. ثانياً هناك المقصورة، أو ما تسمى الجندول. والعربة هذه تعلق تحت المنطاد وتستخدم لحمل الركاب أو البضائع داخلها. كما تتضمن كل المناطيد محركات تدير مراوح الدفع، إضافة إلى الدفات العمودية والأفقية للتوجيه.
النوع الأول من المناطيد، غير الصلب، هو مجرد بالون غير صلب تعلق تحته مقصورة بحبال. أما العيب الذي يعاني منه هذا النوع فهو أنه حالما يحدث تسرب كاف للغاز منه، فإن البالون يتهاوى بكل بساطة. الفرق الرئيسي بين المنطاد غير الصلب والمنطاد نصف الصلب هو تضمين الأخير لإطار معدني، يمتد على كامل حجم البالون وبالتالي يجعله يحتفظ بشكله كما يوفر دعامة صلبة لتعليق المقصورة عليها. أما النوع الصلب فهو عبارة عن هيكل من قضبان من خلائط الألمنيوم الخفيفة تلبس بنسيج قماشي. وبدلاً من بالون واحد كبير، يتضمن المنطاد الصلب عدة بالونات أصغر حجماً، يمكن ملء أو إفراغ كل منها على حدة. كما أن البنية الصلبة تحتفظ بشكل المنطاد بغض النظر عما إذا كان مملوءاً بالغاز أو فارغاً منه.
تقليدياً، يستخدم الهيدروجين والهليوم باعتبارهما الغاز الأخف وزناً من الهواء. وبالطبع فإن الهيدروجين وهو الأخف بينهما يتميز بقوة رافعة أكبر. غير أن سوءه حين استخدامه في المناطيد هو أنه غاز شديد الاشتعال. وهذا ما يجعله خطراً، وقد كان بالفعل سبباً في الكثير من كوارث المناطيد القاتلة. أما الهليوم، ورغم كونه أثقل من الهيدروجين وبالتالي ذا قوة رافعة أقل، فهو مفضل لدى الصانعين لأسباب السلامة. بل إنه يلغي تماماً مخاطر النار لأنه غاز غير قابل للاشتعال.
البدايات
نجح الفرنسي هنري جيفارد عام 1852 بتنفيذ أول رحلة طيران بمنطاد. وكان منطاده الذي استخدمه في رحلته التاريخية هذه مزوداً بمحرك ضعيف باستطاعة 3 أحصنة فقط ويزن 160 كيلو غرام. وكانت هذه الاستطاعة كافية لجعل المروحة الدافعة الكبيرة المثبتة به تدور 110 دورات في الدقيقة. أما البالون الذي استخدم فكان عبارة عن كيس بطول 44 متراً ملأه بالهيدروجين. وانطلق جيفارد بالمنطاد من باريس هيبودورم بمعدل سرعة بلغ 10 كيلومترات في الساعة ولمسافة بلغت 30 كيلومتراً تقريباً في إنجاز حقيقي بمعايير عصره.
بعد ذلك باثنين وثلاثين سنة، عام 1872، نجح المهندس الألماني بول هيانلين في أن يكون أول من يزود منطاداً بمحرك احتراق داخلي. وعقب عقد تقريباً كان الفرنسيان ألبرت وغاستون تيساندييه أول من يركب محركاً كهربائياً على منطاد عام 1883. ولم يمض وقت طويل حتى شهدت البشرية بناء أول منطاد صلب في ألمانيا عام 1897 ببدن من صحائف الألمنيوم الرقيقة.
فرديناند زيبلين
حين الحديث عن تاريخ المناطيد، يبرز دوماً اسم فريد واحد: إنه الألماني فيرديناند كونت فون زيبلين. فقد كان زيبلين أكثر ملاحي المناطيد الذين كرسوا حياتهم لهذه الصناعة، حيث صنع عام 1900 أول منطاد له، إل زد-1. وفي حينه كان هذا المنطاد عملاً جباراً يبلغ طوله 128 متر وقطره 11.6 متر. وتضمن هيكله المصنوع من الألمنيوم 24 عارضة طولية و16 حلقة عرضية. وكان ذلك المنطاد مزوداً بمحركين متطورين استطاعة كل منهما 16 حصاناً ويصل سرعة تبلغ 32 كيلومتر في الساعة. ومضى زيبلين في بناء هياكل أكثر تعقيداً و اعتمادية، استخدم الكثير منها لأغراض عسكرية في الحرب العالمية الأولى. وعرفت هذه المناطيد حينها باسم زيبلين.
في السنوات التي تلت الحرب، خلال العشرينيات والثلاثينيات، قطع تطور تصميم المناطيد أشواطاً بعيدة جديدة في أوروبا وأمريكا. وجرى تسجيل رقم قياسي جديد للرحلات البعيدة بقطع الأطلسي جيئة وذهاباً في يوليو1919. وكان المنطاد الذي حقق هذا الإنجاز من إنتاج بريطاني اسمه آر-34. ثم شهد عام 1926 قيام منطاد إيطالي نصف صلب بعبور القطب الشمالي وعلى متنه المستكشفان الشهيران رولد أمندسن ولنكولن إلسورث والجنرال أومبرتو نوبايل. وفي عام 1928 نجح أحد تلاميذ زيبلين، هوغو إيكنر ببناء المنطاد غراف زيبلين الذي قام بإكمال 590 ساعة طيران، 144 ساعة منها كانت عبر المحيط.
لكن رغم هذه الإنجازات المتلاحقة، أصبحت المناطيد مهجورة عملياً أواخر الثلاثينيات بسبب تكاليفها وبطئها مقارنة بالطائرات وضعفها في مواجهة الظروف الجوية المضطربة. كما تضاءلت شعبيتها أكثر نتيجة عدد من الأعطال المتكررة والتطور السريع الذي شهدته صناعة الطائرات في الثلاثينات والأربعينات.
عودة المناطيد
بعد ستة عقود تقرياً على رؤية عالم الطيران للمنطاد على أنه شيء قديم فقد معناه، شهد هذا العالم تصميم منطاد جديد قوبل بالاعتراف بمقدرته على إعادة النجومية للمناطيد.
أطلق على هذه المركبة الجوية الأخف وزناً من الهواء والثورية في سعتها اسم سكايكات، وتجمع بين مزايا المناطيد وتقنيات الطائرات الأثقل من الهواء. تستخدم سكايكات الهليوم كقوة رافعة غير أن عملية الرفع تتميز بالناحية الإروديناميكية بفضل تصميم جسم المنطاد الذي يشبه الطائرات. وهكذا استفاد سكايكات من مزايا الطائرات والمناطيد لخدمة الأغراض التي صنع من أجلها. والنتيجة هي مركبة جوية ذات فوائد فائقة وقدرة كبيرة جداً على البقاء في الأجواء.
جهزت مناطيد سكايكات بنظام هبوط يعتمد على الوسادة الهوائية التي يتم فتحها عند الهبوط وسحبها أثناء الطيران وبالتالي تلغي الحاجة لسطح معد خصيصاً لاستقبالها كما هي الحال بالنسبة للطائرات. بل إن سكايكات تستطيع الهبوط بكل سهولة على اليابسة أو الماء أو الثلج. وحين تكون في وضع الهبوط تستطيع توفير الاستقرار لنفسها بالتشغيل العكسي لمحركات ضخ الهواء الخاصة بالوسادة الهوائية وهكذا تضخ الهواء خارجاً منها لجعلها تلتصق بالأرض نتيجة شبه الفراغ الذي يتشكل تحتها والبقاء ثابتة في مكانها بدون الحاجة لمعدات تثبيت.
تم تطوير سكايكات في كاردنغتون بالمملكة المتحدة وإنتاج ثلاثة تصاميم رئيسية منها تختلف عن بعضها في قوة الرفع أساساً، حيث يستطيع أصغرها حمل 20 طناً وأوسطها 220 طن أما أكبرها فيحمل 1000 طن. وبخلاف هذا الفارق، فإن النماذج الثلاثة هي ذات بنية تصميمية واحدة. ويمكن تشغيل نماذج سكايكات بطاقتها التشغيلية الكاملة في شتى ظروف الطقس التي تعمل بها الطائرات المدنية العادية. كما أن كلاً منها، وتبعاً لحجمه، يمثل تصميماً مثالياً للأغراض التي أنجز من أجلها. غير أن كل نماذج سكايكات تتميز بالفوائد نفسها نتيجة لتطابق تصميمها العام.
ماذا عن السرعة؟
من الطبيعي جداً لأي منا أن يسأل نفسه عن سرعة مناطيد سكايكات. فهذه النقطة نهاية الأمر، هي التي تكتسب الأهمية القصوى في عالمنا المعاصر سريع الإيقاع. وإذا ما كانت سكايكات أسرع من الطائرات، فهل سيكتب لها أن تحل محل الطائرات؟ الجواب على هذا السؤال ليس سهلاً لأن عوامل عديدة يجب أخذها بعين الاعتبار. بداية، إذا أخذنا السرعة على أنها العامل الأكثر أهمية بشكل مطلق، فإن الطائرات ستبقى البديل الأسرع قطعياً. غير أن هذا الجواب ليس كاملاً لأنه لا يضع السرعة في سياق محدد. إذ يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الطائرات وإن كانت تطير بسرعة تقارب 1000 كيلو متر في الساعة، أي أكثر من خمسة أضعاف سرعة سكايكات التي تزيد قليلاً عن 160 كيلو متر في الساعة، إلا أن هذا لا يعني بطبيعة الحال أن الطائرات قادرة على تحقيق سرعة نقل أكبر بسبب اعتمادها على توفير البنى التحتية والوقود اللازمين لتشغيلها. أي أن الطائرات وإن كانت أسرع بكثير في كل شيء، باستثناء سرعة النقل لمسافات بعيدة، فإن سكايكات هي الأسرع عملياً والأكثر قدرة على إنجاز سرعات نقل أكبر وبالتالي ستكون بديلاً منافساً في هذا المجال للطائرات العادية.
بمقدور النموذج المتوسط من سكايكات بحمولة 220 طن، ويدعى سكايشاتل، أن يكون وسيلة نقل جماعية رخيصة للركاب. وحينها سيكون مثالياً للمسافات القصيرة بطاقة تبلغ 900 راكب بتكلفة تشغيلية تقل عن نصف درهم للراكب. أما إذا ما جهز تجهيزاً خاصاً بالدرجة الأولى بأكمله، فيستطيع سكايشاتل 220 أن يحمل 420 راكب في مقصورته السفلى ويتبقى فيه مساحة كافية لاستيعاب 42 سيارة في المقصورة العليا الخاصة بالسيارات.
النموذج الأصغر من هذا المنطاد، سكايكات 20، يسع 120 راكباً في مقاعد من الدرجة السياحية أو 70 راكباً في مقاعد الدرجة الأولى الواسعة. ولا تزيد التكلفة التشغيلية المباشرة له عن 3600 درهم في الساعة، أي بمعدل 36 درهم للراكب في الدرجة السياحية في الساعة، أو ربع درهم للراكب في الكيلومتر. كما سيكون سكايكات قادراً على الهبوط بجانب سفينة ركاب سياحية على سبيل المثال. كما يستطيع نقل الركاب من الشاطئ مباشرة إلى عمق البر ويناور باقتدار في وصول الجزر انطلاقاً من البر. وكميزة إضافية لعالم السياحة، بمقدور سكايكات أن يحوم فوق المواقع المميزة وأن يقف معلقاً في السماء فوق التضاريس الموحشة لساعات وأيام ودون أن يلوث البيئة.
وإضافة لنقل الركاب ونقل البضائع بسعات كبيرة، يمكن استخدام سكايكات لأغراض أخرى مثل الاتصالات والإعلانات. إذ ببقائه معلقاً في الهواء على ارتفاع 3000 متر ومحملاً بتجهيزات بث متطورة، يمكن لسكايكات 20 أن يكون محطة اتصالات سريعة التجهيز عند الطلب ورخيصة التكاليف جداً لبث الإشارات اللاسلكية للهاتف النقال من الجيل الثالث وحزم الاتصالات عريضة النطاق.
أما فيما يتعلق بالإعلانات، فإن سكايكات 20 يوفر أيضاً منصة عرض ضخمة وزهيدة التكلفة تثبت فوق الأحياء و المدن لتقدم منتجاً إعلانياً جديداً لا ينافس. ولإحداث نتائج فائقة، يمكن تثبيت شاشتي عرض بلازمية ضخمة على المنطاد قياس 26متر X 14 متر. وهذا الحجم سيكون أكبر من طائرة بوينغ 747. كما أن هذه الشاشات تستطيع عرض لقطات فيديو إعلانية كاملة الألوان بل وحتى أفلام سينمائية. وستكون مرئية تماماً في النهار، غير أن وقعها سيكون عظيماً في الليل.
إذاً متى سنرى سكايكات على أرض الواقع؟ هناك أحاديث عن حفل رسمي لتقديمه عبر جولة حول العالم يخطط لها عام 2005. ويتوقع مخططو هذه الرحلة أن يترك سكايكات انطباعا رائعاً أينما حل. و بالفعل يعتزم هؤلاء أخذه في جولة تعريف ضخمة على مستوى فريد تتضمن تحليقه فوق أكثر من 55 مدينة كبرى في العالم وفوق أشهر مواقع الترفيه. وستمتد الجولة أكثر من 100 ألف كيلومتر على مدى ستة أشهر.
وهل سيكتب لسكايكات مستقبل مشرق؟ المؤكد هو أنه سيغير الصورة المأخوذة عن المناطيد المنسية. كما أنه بالتأكيد يتمتع بمزايا على الطائرات فيما يتعلق بالحمولة ومدى الطيران وزمن التحليق. كما أن تكلفته الرأسمالية والتشغيلية الأقل ومعدلات السلامة المرتفعة وكفاءته العالية في استهلاك الوقود ستجعل منه أكثر قدرة على التنافس. سكايكات يتمتع بإمكانيات كبيرة لمجموعة واسعة من ميادين العمل مثل السياحة وأعمال الإغاثة والمراقبة وأعمال النقل الضخمة- كل ذلك يرسم له صورة مشرقة من التوقعات. فبعد قرن ونصف على إنجاز هنري جيفارد لاختراعه، أصبحت المناطيد على موعد مع التاريخ لإحياء مجدها الغابر بظهور سكايكات.
المرجع
http://www.alshindagah.com/janfeb200...LMANATHEED.htm