أمل عرفة : حذائي الجديد
المصدر أمل عرفة
23 / 12 / 2007
كنت لا أخفي فرحتي بثيابي الجديدة حتى إني كنت أخبئها تحت وسادتي وأنا أستعجل الليل ليأتي صباح العيد، لنلم عيديتنا ونرحل مجموعات تتنعم بما مَن عليها العيد من حرية التجوال، شرط ألا نعبر الشوارع إلا بعد أن نتأكد من خلوها من السيارات، كنا نذهب وأصوات أمهاتنا ترن في أسماعنا ألا نمضي مع الغرباء ...لا أخفي أني قبل عيد ما، بيوم اشترت لي أمي حذاء سلب مني لبي، ومضينا نحو البيت فمرت أمي بدكان جارنا الذي يبيع العصرونية والملقب بـ(أبو شفاتير)وذلك لأن شفتيه قد بالغتا بالغلاظة، وحضوره أيضاً، خصوصاً عندما علت منه ضحكة ساخرة وتعليق بمنتهى(السقالة)وذلك عندما رآني أخرج حذائي من كيسه لأتأمله ثم أقبله فقال شوفو شوفو عم تبوس الصرماية، خرجت أمي بعد أن تبضعت منه ما كان يلزمها من عدة للمطبخ، وعدنا إلى البيت ورحت أفكر بمنطق طفلة شديدة الحساسية، لم تسيطر على دموعها ...أية قلة أدب مارست عندما قبلت حذائي الجديد؟ فقط كنت فرحانة، هذا كل ما في
الأمر هل هناك عيب في الفرح أنا لا أعرفه، وأي أذى ألحقه بأبي شفاتير عندما أفرح؟!
هو لم يكن يدري وقتها إلى أين سيقودني حذائي الجديد، كان لا يعرف بإحساسه المتبلد أن هذا الحذاء سيقودني في صباح اليوم التالي إلى لمة الأصدقاء والأقارب والجيران، هو لم يعِ أن هذا الحذاء سيسير بي إلى ثقة من نوع آخر لم أكن أعهدها عندما كان باص المدرسة يأخذني من أمام البيت ليعيدني إلى أمام البيت بعد انتهاء الدوام أو عندما كان أبي يوصلني لأعياد ميلاد أصدقائي لتأتي أمي وتعيدني إلى البيت من جديد أو عندما لا أجرؤ على الإفلات من يد أمي المطبقة على يدي بشدة عند عبور الشوارع أو في رحلاتها الصباحية المعتادة عند الخضري واللحام والسمان ...أتحدث عن الثقة بالنفس عندما كنا نتجاوز المحيط المسموح به لنا، للعيد وننتقل إلى منطقة أخرى ونتعاهد جميعنا أن يبقى تجوالنا الجغرافي سراً لا نبوح به لأهالينا، فقط نستمتع به وبمغامراتنا السرية، ونتلذذ بالاستمتاع بها وبشطارتنا بصد الغرباء والقدرة على الاعتماد على النفس ...أعترف أن سخرية أبو شفاتير قد جعلتني أمتلك الرغبة الدائمة لسنين طويلة بتغيير حذائي فمرة كنت ألبس حريتي بقدمي وأسير، ومرة لبست تمردي، ومرة لبست قهري، ومرة لبست حزني، ومرة لبست خصوصيتي، ومرة لبست مزاجيتي، ومرة لبست سذاجتي، ومرة سخريتي، ومرة لبست جديتي، ومرة ازدرائي للمحيط، ومرة تقديري للمحيط نفسه، ومرة ولائي، ومرة جحودي، ومرة مجاملات تتعب عضلات وجهي، ومرة انتمائي، ومرة لبست ريح عكس التيار وخارج السرب، ومرة ومرة ومرة أوف كم بدلت أحذيتي بحثاً عن حذاء لا أخجل من تقبيله... لكن أتساءل ....لو أن أبا شفاتير لم يسخر من قبلتي لحذائي في ذاك اليوم، أي من فرحتي، ترى هل كنت سالبس فرحتي طوال عمري وأتجول في ردهات الحياة وظلماتها وأنوارها واختباراتها وألعابها ومؤامراتها وأنا فرحة؟.
هل كنت سأواصل الفرح فعلا متصلا بكل الأعياد التي مرت في حياتي إلى الآن ....
الجواب: لو أني رأيت الآن طفلا يقبل حذاءه الجديد لطلبت منه ألا يستبدله بحذاء آخر... لتبقى فرحته هي المقاس الذي يستوعب كل ما ستمر به حياته من مقاسات ضيقة أو رحبة...
يكفي الأطفال أنهم حددوا للعيد مكاناً وما عدنا نرى ساحات العيد أنى تجولنا في شامنا يكفيهم ثقل العيد على آبائهم الذين يتوجب عليهم لتحقيق الفرح لدى أبنائهم أن يركبوا ميكروين أو أكثر وأن يقوموا بدفع ميزانية 500ليرة يومياً للولدين وإذا كانوا أكثر فالميزانية أكبر والدخل يكش ويصغر ويصغر معه حق الفقير بالعيد ....ورويدا رويدا يتحول فرح العيد إلى ذكرى غائبة عن الوعي...
ولكي لا يغيب حق الفقير وحق الغني بالعيد فليفرح الأولاد بأحذيتهم الجديدة ولينتعلوا الفرح ليمضوا بأيامهم معه، يكفينا ما ضيع علينا أبو شفاتير وأمثاله أبسط تعبير عن العيد ...الفرح... ليتني لم أخجل من قبلتي للحذاء علني بقيت لا أنتعل سواه!!!
جريدة بلدنا