المثقف العربي.. والغزال والأرنب
حظي المثقفون العرب، منذ بداية القرن العشرين على مكانة وهيبة لم يستطيعوا الاحتفاظ بها لوقت طويل. ومن يتذكر قصة الشاب اللبناني الطرابلسي (عمر الفاخوري) صاحب كتاب أو كُتيب (كيف ينهض العرب)، والذي استنفرت له القوات التركية، فاعتقلت وأعدمت من الشباب على هامش ما جاء فيه الكتاب من أفكار لرجل لم يكن يبلغ العشرين من عمره بعد.
لقد منح المواطنون لقب (أستاذ) لكل مثقف في الثلاثينات والأربعينات وحتى الستينات من القرن الماضي، فينهض له من كان يجلس في المقاهي عندما يمر من أمامهم، ويحتفي به الفلاحون إذا ما أُرسل لقراهم لتعليم أبنائهم، فيقدمون له السكن والطعام، ويشاورونه حتى في تقسيم الإرث فيما بين الوارثين. لقد كان المثقف (مشروع مُخَلِص) لهم فكانوا يبجلونه ويوقرونه ويعلقون عليه آمالهم.
في فترة انقلابات الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي، اكتشف المثقف معابر مصلحته، فكان إذا ضمن أن ذلك الانقلاب سيفيد مصلحته اصطف الى جانبه، وإن فاته لحظات الانقلاب الأولى فإن الوقت لم يفت للالتحاق بركب الانقلاب، فيسارع للمباركة بالانقلاب ونظم الشعر الغزلي والحماسي فيه، فيصبح من خيوط الهالة الثانية أو الثالثة وأحياناً يُرَفع للأولى مباشرة.
وعندما تحصنت الدول، وأصبح من الصعب نجاح الانقلاب عليها، اكتشف بعض المثقفين حيلة جديدة، وهي أن يُبلِغ السلطات عن محاولات انقلابية حقيقية أو وهمية، فهو بتبليغه ذلك سيحصل على مكافئته المضمونة، والتي قد تفوق ما سيناله لو نجح الانقلاب.
اكتشفت الحكومات العربية، مدى تهافت المثقفين للانضمام لدوائر رضاها، فقامت بتخفيض التسعيرة، فبعد أن كان يطالب المثقف بحرية كبيرة، وديمقراطية حقيقية، أخذ يكتفي بما تمنحه إياه الدولة دون تذمر.
أما الدولة، ففتحت باب الحريات، وتركت للناس أن يقولوا ما يريدون، ولكنها رفعت لهم شعار (تريد أرنب، خذ أرنب .. تريد غزالاً، خذ أرنب)!
اكتشف المواطن بفطرته عدم صلاحية المثقفين، ورضائهم بالأرنب بدل الغزال، وإن مر من جانبه مثقف، فإنه لن ينهض ليحييه، حتى وإن بادر المثقف بطرح التحية!