ماذا نعني :بالكتابة اليومية"؟
1- معجميا:
اليَوْمُ: معروفٌ مِقدارُه من طلوع الشمس إِلى غروبها، والجمع أَيّامٌ، لا يكسَّر إِلا على ذلك، وأَصله أَيْوامٌ فأُدْغم ولم يستعملوا فيه جمعَ الكثرة.[1]
يهتم معظم الكتاب وغير الكتاب بتسجيل يومياتهم وموقفهم ومشاعرهم ,وهي تعتبر خاصة لأنها ليست للنشر عموما إلا لو تحولت لمذكرات منظمة تماما.
2- أدبيا:
يقول محمد خضير في كتابه السرد والكتاب:
أن الكتابة اليومية تأتي في المرحلة الثانية من تعلم الكتابة الأبجدية, وحالما تتمكن عادة من الكتابة اليومية من نفس صاحبها, تبدا بمطالبة صاحبها
بالكتابة الواعية, والخروج من عزلته, والاندماج بالعزلة الكبرى, عزلة العالم, وهي المرحلة الثانية وهي كتابة وعي العالم, والاشتراك في صنعه والتسامي عليه.
وهنا تأتي المرحلة الثالثة: كتابة على الكتابة.
يتمرد على اعترافات النفس ويسمو فوقها, فيصل لنفي الكتابة الاولى والثانية, وانكارا للعالم ذاته, وتنتهي أخيرا للعزلة والغربة من جديد....
والحكم هنا هو سوء الفهم للعالم من حوله, أو تفهمه. [2]
********
حقيقة وضع الكاتب يده فوق خط احمر ربما لا يعيه الكاتب او يتناساه, او لا يحلله أصلا, لكنها مراحل مشروعة برأيي الخاص قد تكتمل وقد لا تكمل مراحلها, بمعنى:
ان بعض الهواة قد لا يصقل موهبته فتضمر وتتلاشى ,وتبقى يومية فقط, ومنها ما يتطور ويصل لنصف مرحلة وهب الثانية دون صقل ولا خروج للنور.
ومنها ما يصل لكنها كما قلنا يعود للغربة من جديد .
فكيف نحكم من بعيد على هذه الحالة وكيف تكون صحية؟ ام هي حالة عامة نسلم لها الرايات لتمردها؟.
من ناحية اخرى اشتهرت يوميات كبار الكتاب لأنها تفسر سلوكهم الغامض ,أو تفسر نصوصهم الغريبة من ناحية, ومن ناحية اخرى تكسف انزياح في نفسهم وفقد الخ.. من الحالات الخاصة التي أخرجت
إبداعهم الثر...
ورغم هذا نجد ان هناك مالم يصل للنور وربما احرقه كاتبه كما يفعل كثير منهم بدعوى عدم أهميتها,إما إرحاق شخصي او من خطأ ما.
**********
يقول :بولات جان حول فن كتابة اليوميات:
يمكن أن نقارن فن اليوميات مع أي نمطٍ أدبياً آخر قرباً منا و تداخلاً منهجياً و جدلياً في حياتنا الثورية. فاليوميات هي الضيف الدائم في الدفاتر الشخصية.
مهما كان مستواهم و خلفياتهم الثقافية و الأدبية. نادراً ما نجد رفيقةً أو رفيقً لا يدون يومياته. و خاصة الجدد على الحياة الثورية.
فحتى أكثر المهملين منا في مجالات الكتابة و الإبداع الأدبي نراه بين الحين و الآخر ينحني جانباً و ينكب على تدوين يومياته مسجلاً فيها كل ما يشعر به و يؤثر عليه و يراه مهماً من أحداث و مواقف و لوحات يعايشها في حياته الثورية.
و بالمختصر المفيد أقول بأن أدب اليوميات منتشر جداً بين صفوفنا.
ولو سألنا ما الفرق بين المذكرات وليوميات؟
لقلنا أن المذكرات تأريخ مرحلي ومنظم لسيرة شخصية, بينما اليومية لا نظام فيها وعشوائية التسجيل تفصيلية الأسلوب,
يقول حول ذلك بولات:
- أدب اليوميات:
عبارة عن الكتابات التي ندون فيها الأحداث التي تترك أثراً ما فينا أو في محيطنا يوماً بيوم. أي الكتابة في نفس اليوم. و اليوميات يدونها الشخص المعني، لذا فهي عبارة عن سيرة ذاتية يومية. و أحياناً يقوم شخص ما بكتابة يوميات الآخرين و خاصةً الحكام و السلاطين. و خير مثال على ذلك هو قيام أبن شداد بتدوين يوميات القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي. بالطبع هنالك تجارب مشابهة مثل قيام أحد الرفاق أو الرفيقات بتدوين يوميات الكتيبة أو السرية أو المعهد خلال حقبة زمنية ما.
- أدب المذكرات:
و هي الكتابات التي ندون فيها الأحداث التي جرت معنا و أثرت فينا و على محيطنا في الماضي البعيد أو القريب. أي أننا نستذكر ماضينا و من ثم نكتبها. نحنُ لا نكتب في مذكراتنا ما نعيشها الآن، بل ما عشناها فيما مضى من أحداث مؤثرة، مثل الحروب و الصراعات و العمليات و المواقف المؤثرة أو حتى التقاءنا بشخصيات كبيرة أو مراحل مهمة من حياتنا أو حياة المجتمع الذي ننتمي إليه. ربما نقوم أحياناً بتدوين مذكرات شخص آخر بدلاً منه. و خير مثال على ذلك هو قيام الكاتب الروسي ألكسندر بيك بتدوين مذكرات الضابط السوفياتي (ماميش أوغلو) حول أحداث الحرب العالمية الثانية خلال دفاعهم عن موسكو ضد الغزاة النازيين.
********
إن فن اليوميات كما قال بولات:
ليس فناً حديثاً، و لا نمطاً أدبياً خاصاً بشعب أو بثقافة ما دون غيرها. فهذا النمط الأدبي ذو جذور تاريخية و منتشر في كافة الثقافات و بين كافة الطبقات الاجتماعية.[3]
*********
من ناحية اخرى تعد يومياتنا من أكثر خصوصياتنا الذاتية و عالمنا الداخلي و حافظ أسرارنا و صديقنا الصبور الذي يستمع إلينا و لا يبوح بأي شيء. فدفاتر اليوميات هي مصدر للراحة و التنفيس عن الذات. فنحنُ نهرع إلى دفاترنا و نكتب كلما طغت زبد بحور العاطفة وهاجت الأمواج، و بعدما ننتهي من الكتابة نشعر براحة كبيرة و كأننا قد ألقينا عن كاهلنا أثقال الدنيا كلها.
وكذلك:
فاليوميات كذلك تعد وثيقة أو وثائق تاريخية مهمة، يمكن الاستفادة منها من قِبل الكثير من فروع العلم. كعلم النفس و علم النفس الاجتماعي و العلم العسكري و كذلك الاستخباري.
بينما لا تحمل المذكرات عمقا نفسيا كبيرا.
****
أما الجانب الأدبي و الصيغة الفنية في كتابة اليوميات فهي تعتمد على المباشرة و الحميمية و اختيار أبسط الكلمات و أصدق الجمل. الصراحة و الصدق ركنان أساسيان في تدوين اليوميات.
بينما ف المذكرات يغشاها كثير من التنميق والتجميل لأنها سوف تنشر وتمس شخصية هامة على حد اعتقاد كاتبها.
**********
فن كتابة اليوميات تجمع بين القصص والخواطر والرسائل و هي من أوسع المجالات وتحتاج لأن نركز أثناء الكتابة على أمور كثيرة خاصة إن كنا نود نشر يومياتنا على القراء، ليتحقق التقارب و المتعة و الفائدة.
بينما المذكرات تحمل اهم الوقائع والتي قد تهم قراءها فقط ,وما كان هامشيا فلن تتضمنه المذكرات.
******
اليومية اكثر طرافة لأنها أكثر عفوية ومباشرة وطزاجه.
*********
يضع الكاتب بولات خطوطا لتدوين اليومية يمكننا إدراجها للاستئناس, لكنها برأينا الخاص لا تحتاج تحديدات لعشوائيتها وعفويتها, لكن العنصر الخاص الذي يمكن الفائدة منها هو استعارة مافيها لصالح المذكرات:
- عندما تأتي فكرة ما و تود تدوينها و لكن الدفتر بعيد عنك قم بمراجعة الفكرة مرات عدة في الذهن حتى ترسخ و تختمر وتسترجع عند الحاجة.
- عندما تود الكتابة و لكن الدفتر لا يكون بحوزتك يمكن استخدام ورقة مسودة تكتب عليها رؤوس الأقلام حتى تنقلها إلى الدفتر لاحقاً.
- قم بين الحين و الآخر بالمقارنة بين ما تكتب أنت وكتابات الآخرين المنشورة. حتى تستفيد من الأسلوب و التقنية التي استخدموها.
- لا تتردد في تقديم ما كتبتها لشخص تثق به يمكنه تقديم النصائح و الانتقادات المنطقية حول ما تكتبه و قم بتدوين ملاحظاته سلبا أو إيجابا ومناقشتها.
- لا تتوان عن طلب الاستفادة ممن سبقوك من أصحاب الخبرة في الأدب و الكتابة.
- لا تكثر من الجمل و الخواطر القصيرة التي يستهلكها الجميع و المنشورة بكثرة في الجرائد والمجلات و الكتب الأخرى.
- يجب أن يكون لك هدف معين من الكتابة. و أسأل نفسك: لماذا أكتب؟ وماذا أريد أن أكتب؟ و لمن أكتب و كيف أكتب.
- أقرأ ما كتبت بصوت مرتفع حتى تسمع أذناك ما خطه قلمك.
- لا تعد إلى قراءة ما كتبت إلا بعد فترة زمنية على الأقل عشرة ايام أو أكثر.
- لا تخف من نشر بعضاً من يومياتك المناسبة في مجلة أو جريدة أو حتى مجلة حائط، لجث نبض القراء. و إن كنت تخجل يمكنك استخدام اسم مستعار بدلاً عن أسمك المعروف لدى المحيط.
- من المهم جداً إتقان اللغة التي تختارها لكتابة يومياتك. فالأخطاء الإملائية و النحوية و اللغوية تقلل من جودة يومياتك. لذا من الأفضل الكتابة باللغة الكردية، لأنها لغة الحياة التي نعيشها في الجبال، ولا بأس بالعربية إن كنتم تتقنونها جيداً.
*********
ممن اشتهر باليوميات نذكر في هذا المقام:
كافكا وبريشت وجويس ومانسفيلد و وولف وجيد كان هذا في العقد العشرين من القرن العشرين, ومن المقربين للبلاط والسلطة غالبا.
ومن العرب:مي زيادة وجبران وونعيمة وطه حسين والرصافي والجواهري, والسياب .
ويبقى السؤال الأهم:
هل يمكن ان نجد كاتبا يضمن سيرته الذاتية ويومياته في رواياته دون ان يكون له خصوصيات يومية في مفكرة خاصة؟وهل من الضروري وجودها أصلا؟, أتساءل.
ريمه الخاني 10-12-2013
[1] لسان العرب:
http://www.baheth.info/all.jsp?term=%D9%8A%D9%88%D9%85
[2] انظر كتاب : السرد والكتاب للكاتب محمد خضير ص 121
[3] http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=184494