رنين ..
أقصوصة
بقلم ( محمد فتحي المقداد )*
على غير العادة، جاء هذا اليوم حافلاً بمفاجآت غير متوقعة أصلاً، حتى ولو حدثَتْ فَلَنْ تأتي على الشكل الذي حدث، وتكون نسخةً نموذجيةً لفوضى التقنية المستخدمة حالياً على نطاقٍ شعبيٍ واسعٍ، أمران عندما أتذكرُهما، ينفجر قلبي من نوبة الضحك الهستيرية التي تنتابني، ومَنْ لا يعرفني فقد يتهمني بالجنون، في كثير من الأوقات أكتمُ أنفاسي متحاملاَ على نفسي، لِكَيْلا تأتيني الحالة، ويكون أمراً غير محمود أبداً.
صمتٌ مُطبِقٌ مُجَلّلٌ بخشوعٍ إيماني منقطع النظير، تتجلى الرحمة على المكان، ونحن في إحدى المقابلات الربانيّة، قلوب ترتفع وتهبط ، وألسنة تلهج بالدعاء مستكينة مُتذللةً آملة الإجابة من خالقها، ننتظم في الصف، ونُنْصِتُ لتنبيه الإمام .. الآمِرْ : " استوَوُااااا ... يرحمكم الله.. لا تدعوا للشيطان فُرجة بينكم " وهو ينظر إلينا طالباً الالتزام بالخيط المنتصب من الجانب الأيمن إلى الأيسر في ذلك المسجد القديم، المليء بعبق التاريخ، روحانية هائلة تكتنفه، ورهبة مشوبة بالطمأنينة الروحية عندما تطأ قدمايَ عَتَبَتَهُ.
استوى الصف على استقامة، و اطمأن الإمام لذلك .. فاستدار للمحراب، ورفع يديه محاذاة أذنيه مُعْلِناً تكبيرة الإحرام، فما إن دخلنا في الصلاة، - و كان وقت الظهر- إلا أن رنين هاتف أحدهم النقال، انطلق بنغمة مخصصة بصوت الربابة الشعبية، و التي تستوي مع لدى الكثير ممن يسمعها ويترنم على نغماتها الشجية، المترافقة مع صوت عازف بنغمٍ شجيٍّ، أو شاعر يشدو بقصائده النبطيّة باللهجة المحلية المحكية، ومن الناس من يحفظ تلك القصائد عن ظهر قلب.
المُتَّصِلُ ينتظر الإجابة حتى انتهى وقت الرنين، ثم أعاد الكرّة، لينطلق الرنين من جديد، تشتت أفكاري وتبددت سحائب الخشوع من قلبي، وهو ما أصاب جميع المُصلّين مثلي، انتهى مدة الرنين الثاني، وقبل أن يبتدىء بالمرة الثالثة، كنا في الركعة الرابعة، فأعلن الإمام الانتهاء من الصلاة بالتسليم.- بالطبع ما أصابني أصاب كلّ المصلين في المسجد -
ما لم نكن نتوقعه غضب أبو خالد الشديد مما حدث، فانطلق باللوم و التعنيف لصاحب الموبايل مما حدث : " ما هذا يا محترم، قم وانقلع، إنّ الله ليس بحاجة لصلاتكم.. "،
رد أبو خشم : " هذا ليس هاتفي، بل هاتف الفلتان .." .
- : " قاتلك الله أنت و الفلتان " .
نقاش ممتع، رغم خسارتنا الخشوع، ولم أعرف ماذا قرأت، وفي أية ركعة صرتْ، ولا دَرَيِتُ كيف انتهت صلات،وصوت الربابة يدوي في المسجد، بضجيج كسر رتابة الهدوء المطلوب هنا.
استدار الإمام بوجهه إلينا، وهو يتمتم بالأدعية التي تعقب الصلاة، ورفع صوته " لا حول ولا وقوة إلا بالله العلي العظيم، يا شباب كان الأجدى أن تضعوا هواتفكم على الوضعية الصامتة، ما حصل مزعج جداً، وقد ضاعت علينا الصلاة، ما رأيكم أن نعيدها، حتى ننال الأجر و الثواب كاملاً تاماً " .
اختلفت الآراء، فقام من قام من المصلين، ومن بقي انخرطوا في نقاش حاد، استغرق بعض الوقت، الأمر الذي حَدَا بالإمام لسحب مقترحة خوفاً من حدوث ما لا تُحمَدُ عُقباه..
عمّان \ الأردن