لبعض الكتاب طقوس غريبة يمارسونها أثناء الكتابة، أو أثناء التهيُّؤ للكتابة، فقد كان (خيري شلبي) غريب الأطوار أثناء الكتابة، حيث يتحول إلى شخص لا يُطاق، وكثيراً ما كانت زوجته تنصحه أن يكتب من داخل سرداب، لا يرى أحداً ولا أحد يراه، لذلك أقام فعلاً في مقبرة خاصة بأسرة منقرضة منذ القرن الثامن عشر، وأنجز ثلاثاً من أهم رواياته الطويلة (ملحمة الشطار، الأمالي، موال البيات والنوم)، ومن طقوسه الغريبة.. أنه قبل الكتابة يُصاب باكتئاب حاد، ويشعر برغبة جامحة في الانتحار، ويشعر كأن أسباباً غامضة أتت به إلى الحياة، لكي تعذبه وتغذيه حقداً على حدِّ قوله، وباعترافه هو أنه بالفعل لحظة الكتابة لا يطيق أولاده ولا زوجته ولا معارفه ولا أصدقاءه، ويشعر أنهم هم الآخرون لا يطيقونه، هكذا تنتابه حالة من السُّخط، لكن ما أن يكتب صفحة واحدة حتى يشعر بأن العالم فسيح وأنه سيتحرر من هذه الحالة المَرضية، فيعود من جديد مكتئباً ويواصل الكتابة كما لو كان يقاوم، وحينما ينتهي من الكتابة ويخرج من هذا السجن ويشعر بالشفاء، يبادر بإصلاح ما أفسده الإبداع، فيزور أهله وأصدقاءه، ويتحوَّل إلى شخص ودود ومرح، وفي هذا الجو يعيد نسخ ما كتبه ويبيضه.
ومن غرائب طقوس الكتابة ما ورد عن الكاتب المسرحي النرويجي (هنريك إبسن) أنه كان يضع على مكتبه عندما يكتب عقرباً في قارورة، وهو يغرس إبرته نافثاً سُمَّه في تفاحة، ومثله كان (جان كوكتو)، الذي كان لا يكتب إلا بعد أن يضع على منضدته كأساً مقلوبة على عقرب حي، أما (جوته)، شاعر ألمانيا الشهير، فكان يضع أمامه طبقاً فيه تفاح متعفن، و(ألدوس هكسلي) لما ضعف بصره ولم يعد يرى شيئاً، غمسَ أنفه في الحبر وكتب به، وهو أول وآخر من فعل ذلك إلى اليوم، وكان (بورخيس) يغطس في الصباح الباكر في حوض الاستحمام ليستغرق في التأمل وليناقش الحلم الذي حلمه الليلة الفائتة، وليدرس إن كانت فكرة الحلم تنفعه في صياغة أدبية ما، فإذا اهتدى إلى البداية والنهاية قام من حوض الاستحمام ليكتب.
وتحدث (س. مارتين) في تجربة الكتابة عن الروائية العالمية (أجاثا كريتسي) فقال: «كانت تأتيها الأفكار في الحمام كما قالت، فقد كانت تجلس في البانيو ساعات طوال حتى تجد القصة الملائمة».
المصدر : الباحث محمد عيد خربوطلي