العرق الأسودالحمد لله لقد انتهيت من حلاقة العم أبو حسن و ها هو يتهيأ للخروج من المحل أشعر بالاستياء عندما يزورني أمثال العم "أبو الحسن" فهو لا يفتأ ينهي حديثا ً عن جاره أبو العبد كيف ترك عائلته و زوجته بعد عشرة ٍ دامت خمسة عشر سنة و تزوج بأخرى أصغر منها سنا ً لا يكترث لحالهم و حاجياتهم يوما ً تركهم لألطاف الله و أهل الصدقة و الخير من الجوار يهتمون بهم و يؤمنون حاجياتهم فهم في حكم الأيتام و لو أن والدهم على قيد الحياة حتى يبدأ بحديثه عن أبي علاء و كيف وصلت أصوات خلافه و أبنائه إلى مسامعه مساء البارحة لتكون خبرا ً و سبقا ً صحفيا ً يتناوله أبو الحسن اليوم , لم أنته بعد من ترتيب و تخزين قصص أبي الحسن الكثيرة في سجلات ذاكرتي حتى أرى أبو علاء يدخل المحل السلام عليكم و عليكم السلام خيرا ً يا أبا علاء يقول أبو حسن إن خلافا ًبا الأمس ..... انتفض أبو حسن كالطير المذبوح من هول ما يسمع و اعتلت وجهه حمرةً و صفرةً في آن واحد جحظت معها عيناه وهي تنظر إلي, و يتوعدني جبين مقطب و أسنان اصطكت على بعضها مصدرة ً أزيزا ً كالرعد ألجم لساني عن المتابعة و الاسترسال في الحديث تزامن صوت الرعد مع وكزة منه على جنبي الأيمن سقطت معها أحشائي , استدار بوجه بشوش طلق ملؤه المحبة والود جهة أبي علاء قائلا ً أهلا ً بك أبو علاء كيف حالك ؟ ما الذي جاء بك في هذه الساعة هل علمت بقصة أبي العبد و كيف ترك زوجته و أولاده سعيا ً خلف شبابه و شهوته تعال تعال أطلعك على تفاصيل أخباره بطريقنا إلى السوق لنحضر بعض الخضراوات ململما ً بذلك كل اللغط و الفوضى التي لم يفهم منها أبو علاء شيء سوى مجاراته بالمسير إلى السوق لم أدرك كيف استطاع أبو حسن تغير معالم وجهه من الغضب و الامتعاض إلى البشر و السرور بزمن يكاد يكون رقما ً قياسيا ً جديدا ً يدون في كتاب جنيس للأرقام القياسية خرجت خلف أبي علاء لأستجديه أن يدخل المحل لكن إصرار أبا الحسن على أن يذهبا إلى السوق و متابعته لغو الحديث حالا بيني و بين دخوله .
وقفت أتأمل الأبنية من حولي و هي تتزاحم و تتدافع فببيع أبو العز بيته القريب من حديقة الحي استطاع متعهد البناء الزحف و التطاول على تلك الحديقة واخذ أجزاء منها ليضمها إلى بنائه الجديد تأملت طويلاً ... طويلاً
وبهمس بين ثنايا ضلوعي رددت وقلت لم تعد النفوس وحدها تتغير حتى الخضرة والزهور ذبلت من عرق الإسمنت الأسود .
تحيات جمال الخطيب 20/12/2009[/size]