ظاهرة الأدب الصهيوني / محمد توفيق الصواف


مقدمة المؤلف
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي




بدأت صلتي بظاهرة الأدب الصهيوني، منذ ربع قرن تقريباً، إثر اختياري أحد جوانبها ليكون موضوعَ الرسالة التي عزمتُ التقدُّم بها إلى جامعة دمشق لنيل درجة الماجستير في الأدب المقارن، والتي كان عنوانها: (صورة الآخر في الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية). ومع أن ظروفاً قاهرة حالت دون مناقشة هذه الرسالة جامعياً، ثم حالت دون طباعتها، لاحقاً، في كتاب مُتدَاوَل بين قراء العربية، إلا أنني لم أتوقف، طيلة السنين الماضية، عن الاهتمام بهذه الظاهرة والعمل فيها، بحثاً وتنقيباً.
وخلال هذه المدة الطويلة، نشرتُ في الكثير من الصحف والمجلات والدوريات العربية، العديد من الدراسات والأبحاث المطوَّلة والمقالات القصيرة، تناولتُ في غالبيتها جوانب مختلفة من ظاهرة الأدب الصهيوني، قبل قيام إسرائيل وبعده، مركزاً على جانبها الإسرائيلي. وقد أثار ما نشرتُه عن هذه الظاهرة، ردودَ فعل عربية متباينة، تراوحت بين نقيضَيْ التشجيع والرفض، لأسباب أهمها اختلاف وجهات النظر العربية بين ضرورة دراسة العرب لهذه الظاهرة وضرورة تجاهلها لتوَهُّم أن تؤدي دراستها إلى نتائج سلبية على سيرورة الصراع مع إسرائيل، في مقدمتها تشجيع التطبيع معها.
وعلى الرغم من كثرة ما نشرتُه عن هذه الظاهرة، ظللتُ أشعر أنني لم أَفِها ما تستحق من بحث وتحليل وإبانة، لذلك ظل إصدار كتاب جامع عنها، أتناول فيه مختلف جوانبها، حلماً يراودني، لاسيما وأن مجال البحث فيها ما يزال بكراً، في وطننا العربي، حتى اليوم.. لكنني لم أتمكن، إلى الآن، من تجسيد حلمي بإصدار مثل هذا الكتاب الجامع واقعاً، على أهمية موضوعه وخطورته، وذلك لأسباب كثيرة، في مقدمتها ضخامة حجمه التي تجعل من طباعته مغامرة باهظة التكلفة مادياً. الأمر الذي أدى إلى بقاء مادته قابعة في دائرة الحلم العصي على التحوُّل إلى كتاب متداوَل، حتى الآن.
ثم خطَرَ لي أن أقوم بتلخيص تلك المادة البحثية الكبيرة، في كتاب يكون مقبول الحجم، يسهل نشره. ولخشيتي أن يتحوَّل تلخيصي لها إلى تقزيم، على طريقة السرير الروماني، فتخرج للناس ناقصة مشوهة، عانيتُ في اختصار مادتها أكثر من معاناتي في تأليفها، حتى جاءت على النحو الذي يضمُّه هذا الكتاب الصغير الذي تضمَّن، بالإضافة إلى مقدمتي هذه، مدخلاً للتعريف بمصطلح (ظاهرة الأدب الصهيوني)، وتحديد مشتملات ساحته الدلالية؛ يليه خمسة فصول، قدمتُ في أولها إطلالة سريعة على نشأة ظاهرة (الأدب الصهيوني) والعوامل الرئيسة التي ساهمت مجتمعةً، في تشكيل هذه الظاهرة.. ثم بدأتُ من الفصل الثاني، باستعراض أهم موضوعات (الأدب الصهيوني)؛
فتحدثتُ في الفصل الثاني عن موضوع (تأكيد "البعد القومي" للديانة اليهودية)، مستعرضاً أهم ثلاثة من مكوِّنات هذا البعد، وهي، على التوالي: زعم (النقاء العرقي والتفوق المطلق)، الزعم بـ (وحدة التاريخ اليهودي واستمراره)، مزاعم (الثقافة اليهودية المشتركة، واللغة القومية الواحدة).
ثم تحدثتُ في الفصل الثالث، عن مفهوم (اللاسامية) في الأدب الصهيوني، ومزاعمها ووظائفها.
أما الفصل الرابع، فقد خصَّصته للحديث عن أهم موضوع في أيديولوجية الصهيونية وأدبها، على السواء، وهو (صورة الأرض الفلسطينية)، محاولاً إبراز أهم أبعاد هذه الصورة، كما رسمها عدد من أبرز أدباء الصهيونية وإسرائيل، في نتاجاتهم الأدبية، قبل إقامة إسرائيل، وبعد إقامتها.
ثم خصَّصتُ الفصل الخامس، للموضوع المحوري الرئيس الثاني، في أدب الصهيونية وإسرائيل، وهو (صورة العربي)، فبيَّنتُ بإشارات سريعة، كيف بدت أهم ملامح العربي في بعض ما أمكنني الإطلاع عليه من نصوص هذا الأدب.
هذا، ومن الجدير بالإشارة هنا، أن ما أوردته، في الفصول السابقة، ليس كل موضوعات الأدب الصهيوني، فثمة موضوعات رئيسة أخرى، لم يتسع صدر هذا الكتاب الصغير لاستيعاب الحديث عنها، ومن أهمها (موضوع الحرب والسلام)، على سبيل المثال.. كما أعترفُ بأن ما تمَّ عرضه من الموضوعات، آنفة الذكر، يعتوره الكثير من النقص، لأن اضطراري لإيجاز الحديث عن هذه الموضوعات جاء على حساب الكثير من المعلومات والمعطيات الهامة المتصلة بها.
ومن مظاهر النقص الأخرى التي يعاني منها هذا الكتاب أيضاً، التحليل الفني لنصوص الأدب الصهيوني؛ مع أنني حاولت، ما وسعتني المحاولة، تلافي بعض هذا العيب، أثناء عرضي لبعض الشواهد الشعرية والنثرية، بإيجاز شديد، يشير إلى أهم سمات البنى الفنية لنصوص هذا الأدب، وإلى أهم وظائفها، لكن ذلك كله لا يعدو كونه مجرد إشارات سريعة لا تكفي لإضاءة هذا الجانب الهام جداً من جوانب الأدب الصهيوني الشديد التنوع في بُناه الفنية.
وبعد، فهذا جهدُ المُقلّ، لذا تُراني مدفوعاً إلى الاعتراف، سلفاً، بما يعانيه هذا الكتاب من عيوب، أرجو من الله أن يعينني على تلافيها، في كتاب موسَّع، أُكمل فيه ما اضطرني الاختصار إلى إغفاله، في هذا الكتاب الذي آمل أن يسدَّ ثغرة في مكتبتنا العربية، يحتاج سدُّ بعضها إلى جهود كثير من الباحثين العرب.
وأخيراً، أرجو من الله الذي أتوجه، بعملي المتواضع هذا، إليه وحده، أن يجعله مفيداً لمن يقرأه من عباده، لعله باستفادتهم أن يقبله مني ــ سبحانه ــ ويقبلني به واحداً من العاملين في سبيله، إنه هو السميع العليم.



</I>