صلحي الوادي
في
الذاكرة الحية
بعد مرور نصف عام على وفاة الإنسان والموسيقي الفذ صلحي الوادي، نرغب بأن نذكّر مرة أخرى بمآثره في نشاطه العملي.
موهبته الكبيرة وطاقته المتجددة، وثقافته العالية مكنته من أن يحتل مكان الصدارة في الحياة الموسيقية السورية، وبفضل تمسكه بمبادئه تمت ولادة مؤسسة لدراسة موسيقى الأوركسترا السيمفونية ومسرح الأوبرا وأرسي تقليد الحفلات والمهرجانات الموسيقية. أما كأستاذ فقد ربى جيلاً كاملاً من الموسيقيين... إنه ينتمي الى أولئك الذين استطاعوا أن يحولوا آراءهم الى وقائع وأحلامهم الى حقيقة.
ولد صلحي الوادي في بغداد عام 1934 لأب عراقي وأم أردنية، وفي عام 1935 انتقلت عائلته للاستقرار في دمشق، ولذلك لم يكن الفن الشعبي لهذه البلدان غريباً عنه.
نشأ صلحي الوادي في عائلة نخبوية مثقفة، كرّس فيها الوالدان اهتماماً كبيراً لتربية أولادهم وتثقيفهم وخاصة في الموسيقى والأدب، فكان صلحي الوادي يدرس في مدارس خاصة الى جانب دراسته العامة في دمشق.
وعندما قرر بشكل نهائي أن يصبح موسيقياً، تقدم الى كونسرفتوار الإسكندرية في مصر ودرس الوتريات.
ثم أنهى دراسته وكان من المتفوقين فبعثته الجامعة الى الأكاديمية الموسيقية الملكية في لندن لدراسة التأليف الموسيقي وقيادة الأوركسترا حتى عام 1960، وبالرغم من ذلك لم يتوقف عن دراسة الكمان والفيولا.
عند عودته الى دمشق عام 1961 بدأ صلحي الوادي يعمل بنشاط في المجتمع الموسيقي، وكان لعمله دور كبير في الدفعة الأولى من صانعي الحياة الفنية الموسيقية في سورية؛ فقد أثمر عمله في سنتين عن افتتاح المدرسة الموسيقية العربية «التي تحمل الآن اسمه» سنة 1962، ثم المعهد العالي سنة 1991، والذي أتاح دراسة الآلات الأوروبية، وبهذه الطريقة وضع صلحي الوادي الأساس لتعليم الموسيقى بنهج جديد في سورية.
لقد كان مؤمناً بضرورة انشاء الأوركسترا السيمفونية في سورية، وكان هذا ثاني أحلامه المستمرة، وفعلاً في عام 1993 أسس الأوركسترا السورية التي أصبح قائدها.
في عام 1995 في سورية ولأول مرة تقدم أوبرا هنري بورسيل «دايدو وإينياس»، وفي عام 1996 قلده الرئيس الراحل حافظ الأسد وسام الشرف تكريماً له على العمل الكبير الذي أسهم في تطوير الحياة الموسيقية في سورية.
الى جانب أعماله ونشاطاته، ألف الأستاذ صلحي الوادي العديد من الأعمال الموسيقية، وقد أضاف للموروث الموسيقي أنواعاً موسيقية جديدة.
وقد كتب مؤلفات للأوركسترا السيمفونية: «كونشيرتو أو افتتاحية تأمل على لحن لمحمد عبد الوهاب، قصيدة حب»..
مؤلفاته لموسيقى الحجرة: «ثلاثي، رباعي، مؤلفات لآلات الصولو بيانو وكمان». وقد كتب أيضاً موسيقى للأفلام والمسرحيات السورية من بينها موسيقى مسرحيات لشكسبير «حلم ليلة صيف، ماكبث» ولسوفوكليس «أنتيجون».
وقد حصلت مؤلفاته على شهرة كبيرة في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا.
في 13 من آذار عام 2008 أقيم على مسرح الأوبرا مهرجان لأوركسترا الحجرة، وقد عزفت فيه مقطوعات للمؤلفين السوريين حسان طه، شفيع بدر الدين، زيد جبري، كريم رستم، ضياء السكري، وأغلبهم حضروا من بلدان أخرى «فرنسا، بولونيا، أمريكا» لكي يشاركوا في المهرجان، قدم زيد جبري قطعة بعنوان: «solhi al- wadi in memories» وهذا يبرهن لنا مرة أخرى بأن هذا الموسيقي لن ينسى وسيبقى حياً في قلوبنا.
حاول المؤلف أن ينقل فكرة كون صلحي الوادي ليس معنا بالجسد، ولكن روحه وأفكاره تعيش من حولنا.
المقطوعة المكتوبة لموسيقى الحجرة «كلارينت- كمان- فيولا- كونترباص» و كمبيوتر من البداية تحملنا الى عالم التفكير الفلسفي العميق وقليل من التأمل.
يضع زيد جبري في مقطوعته سني حياة ثم وفاة الموسيقي الكبير ويتذكر البلد الذي ولد فيه مسقط رأسه بغداد ووفاته في دمشق، الدمج الغريب بين صوت الكمبيوتر وآلات الحجرة يعطينا إحساس فضاء عالمين، السماء والأرض.
وبهذه الطريقة فإن هذه المقطوعة تبرهن مرة أخرى ان اسم صلحي الوادي سيظل يذكر ويحترم في أنحاء العالم.
جينيا كراسنوفا
ترجمة: كريستينا طنوس
مراجعة: حسام الدين بريمو
جريدة البعث-العدد: 13417 - تاريخ: 2008-05-22