قصة منقوله ورائعة .
اتمنى ان تستمتعوا بها .
قصة: مارجريت هودفس...ترجمة: خالد العوض
منذ وقت بعيد كان هناك قرية في اليابان تقع بجانب البحر، عندما يكون الطقس هادئًا، كان أطفال القرية يلعبون بالأمواج الناعمة يصرخون ويضحكون، لكن أحيانًا تأتي أمواج البحر عاتية تمزق الشاطئ على أطراف القرية فيهرب كل شخص، الأطفال والآباء والأمهات، إلى البيوت هربًا من الشاطئ يغلقون أبوابهم وينتظرون أن يعود البحر إلى هدوئه مرة أخرى.
خلف القرية يوجد جبل بطريق متعرج يرتفع إلى أعلى نحو حقول الأرز. كانت حقول الأرز هذه كل ما يملكه السكان من ثروة. هناك يعملون بجد حيث تحول أمطار الربيع الجبل إلى مكان أخضر جميل. تحت حرارة الصيف يعتني سكان القرية بحقول الأرز حتى تتحول إلى اللون الذهبي ثم تصبح جافة بفعل الشمس، يحني بعد ذلك القرويون ظهورهم للحصاد فرحين بجمع قوت سنة قادمة.
في مكان مرتفع قرب الجبل يطل على القرية والبحر، كان يعيش رجل حكيم كبير في السن اسمه أويجيسان (هذا الاسم يعني في اليابان الجد) مع حفيده الصغير تادا.
كان تادا (كبقية أهل القرية) يحب أويجيسان كثيرًا ويطيعه بسبب كبر سنه وحكمته. وبالفعل كان أويجيسان يحظى باحترام جميع أهالي القرية، فدائمًا ما يصعدون الطريق المتعرج نحوه ليسألوه المشورة.
في يوم ما، عندما كان الهواء حارًا جدًا وهادئًا، وقف أويجيسان في شرفة منزله ونظر إلى حقول الأرز. كانت حبوب الأرز ناضجة وجاهزة للحصاد. نظر إلى أسفل ورأى الحقول الأخرى لسكان القرية خلال الوادي مثل مدرجات ذهبية ضخمة. في أسفل الجبل، رأى القرى المكونة من تسعين منزلاً من القش ومعبدًا يقع بالقرب من الساحل. كان محصول الأرز جيدًا وسيحتفل الجميع بحصاده بالرقص في ساحة المعبد. جاء تادا ووقف بجانب جدة. نظر هو أيضًا إلى أسفل نحو الجبل، رأيا خيوط المصابيح الورقية مثبتة في حبال من الزهور بين أعواد الخيزران. فوق سطوح المنازل ظهرت لافتات المهرجان الكبيرة ثابتة في الهواء الساخن الثقيل. قال أويجيسان: «هذا هو جو الزلازل».
وبالفعل جاء زلزال. لم يكن قويًا بشكل يخاف منه تادا لأن الزلازل تحدث كثيرًا في اليابان. لكن هذا الزلزال كان غريبًا، اهتزاز بطيء وطويل كما لو كانت أسبابه تغيرات تحدث في أعماق البحر!! اهتز المنزل بلطف عدة مرات، ثم أصبح الأمر هادئًا بعد ذلك.
وفي الوقت الذي توقف فيه الزلزال كانت عيون أويجيسان الهرمة تنظر بشغف نحو شاطئ البحر. أصبح لون ماء البحر داكنًا فجأة. انحصر الماء وتراجع عن القرية. الانحناءة الرقيقة للشاطئ بدأت تكبر رويدًا رويدًا. البحر يهرب ويتراجع عن اليابسة. رأى أويجيسان وتادا الأجساد الضئيلة لسكان القرية حول المعبد وفي الشوارع حول الشاطئ. الآن يجتمعون حول الشاطئ. بدأت الرمال والصخور والطحالب تظهر والماء يتراجع عنها. لا أحد من القرية يبدو أنه يعرف ما الذي يعنيه ذلك.
لكن أويجيسان يعرف. لم يحدث مثل هذا الأمر خلال حياته، لكنه تذكر أشياء أخبره بها جده في طفولته. فهم ما سيفعله البحر ويجب عليه تحذير سكان القرية.
لم يكن هناك وقت للوقوف والتفكير. يجب أن يتعرف أويجيسان بسرعة قال لتادا: «بسرعة أوقد لي مشعلاً!».
أطاعه تادا فورًا حيث ركض داخل المنزل وأضرم النار بمشعل صنوبري وأعطاه أويجيسان بسرعة. ركض الرجل العجوز نحو حقول الأرض متجهًا إلى حقله الجاهز للحصاد. كان حقله هذا هو نتاج السنة الفائتة وطعامه الذي سيأكل منه السنة القادمة.
أشعل النار في الحقل الجاف وانتشرت النيران في كل مكان. احترق الأرز كمادة سريعة الالتهاب. الشرارات تحولت إلى لهب انتشر في كل حقول أويجيسان محولة الذهب إلى لون أسود، وناشرة أعمدة من الدخان في دوامة ضخمة.
دهش وارتعب تادا. جرى خلف جده وهو يصرخ باكيًا: «أويجيسان! لماذا؟! أويجيسان! لماذا؟ لماذا؟» لكن أويجيسان لا يرد عليه، فليس لديه وقت ليوضح الأمر كان يفكر فقط في الأربع مئة شخص الذين يقفون بخطر عند الشاطئ.
حدق تادا للحظة في الأرز المشتعل ثم انفجر باكيًا وركض عائدًا نحو المنزل وهو يشعر متأكدًا أن جده فقد عقله. استمر أويجيسان بإشعال أكوام الأرز حتى وصل إلى نهاية حقله، ثم رمى المشعل الذي كان بيده وانتظر.
في الأسفل رأى الكهنة في المعبد النيران فوق الجبل فدقوا الأجراس بعنف. أسرع الناس الموجودون حول الشاطئ وفي القرية وفي كل مكان مثل أسراب النمل.
شاهدهم أويجيسان وهو بجانب حقله المشتعل وبدت اللحظة طويلة بالنسبة إليه. «أسرعوا! بسرعة أكبر!» قال لهم أويجيسان، لكنهم لا يسمعونه. بدأت الشمس بالغروب ظهر خليج البحر المتجعّد والامتداد خلفه عاريًا وما زال البحر يتراجع نحو الأفق.
لم ينتظر أويجيسان طويلاً حتى ظهر أول القادمين من القرويين لإطفاء الحريق. لكن الرجل العجوز استخدم يديه لإيقافهم قائلاً «دعوه يحترق! دعوه! أنا أريد كل الناس هنا. هناك خطر عظيم».
جاءت القرية كلها، أولاً الشباب والأولاد، ثم النساء والبنات اللاتي يجرين بسرعة، ثم جاء الكبار والآخرون يحملون الأطفال الرضع فوق أكتافهم. جاء الأطفال أيضًا لكي يساعدوا في إحضار دلاء المياه، حتى العجائز يمكن رؤيتهن وهن يصعدن الطريق نحو المكان الجبلي!! لكن كان الوقت متأخرًا لإنقاذ حقول أويجيسان المشتعلة. الكل ينظر بحسرة ودهشة نحو وجه الرجل العجوز، ثم غربت الشمس.
جاء تادا راكضًا من داخل المنزل، «لقد فقد جدي عقله» قال تادا وهو يبكي «لقد أصبح مجنونًا، لقد أشعل النار في الحقل متعمدًا.. رأيته يفعل ذلك». قال أويجيسان: «الطفل يقول الحقيقة. لقد أشعلت النار متعمدًا. هل كل الناس هنا؟ كان الكل غاضبًا عليه وقالوا له: «الكل هنا» كانوا يتهامسون فيما بينهم: «الرجل العجوز مجنون، سوف يدمر حقولنا بعد ذلك».رفع أويجيسان يده وأشار إلى البحر وقال: «انظروا! خلال الشفق نحو الشرق».
نظر الجميع نحو الأفق ورأوا مخروطًا معتمًا وطويلاً مثل ظل منحدر حيث لا يوجد منحدر!! ازداد عرضًا وطولاً وقتامة. كان هذا الشيء هو البحر العائد المرتفع مثل جرف هار متجهًا نحوهم بشكل أسرع من الطائرة الورقية. صرخ الناس: «هذه موجة مديّة!». انتهت كل الصرخات وكل الأصوات وكل القوى بسماع دوي هائل أقوى من الرعد فالموجة العظيمة تضرب وتصطدم بالشاطئ بثقل هزّ فيه كل أرجاء التلال.
كان هناك انفجار كبير لرغوة بيضاء مثل البرق، ثم بعد ذلك لا شيء يمكن رؤيته إلا عاصفة من الرذاذ تتجه نحو الجبل حيث كان الناس خائفين. ثم أعادوا النظر مرة أخرى فرأوا بحرًا أبيض متوحشًا ينشر غضبه في المكان الذي تنتشر فيه منازلهم. تراجع البحر مزمجرًا وممزقًا الأرض الذي يمر بها. ضرب البحر الشاطئ مرتين وثلاثًا وخمسًا في كل مرة أقل فيها من الأخرى حتى عاد إلى وضعه السابق يتحرك بغضب كما يفعل دائمًا بعد كل إعصار!!
لم ينبس أحد ببنت شفة. نظر الناس إلى الأسفل إلى الصخور التي جرفها البحر نحو المنازل التي كانت والمعبد الذي كان. لم يعد للقرية وجود هناك، فقط خيزران متكسر وقش مبعثر في كل أرجاء الشاطئ. ثم سمع صوت أويجيسان مرة أخرى: يقول برقة: «لهذا السبب أنا أشعلت النار بحقل الأرز».
وقف صديقهم العجوز والحكيم أويجيسان بينهم كشخص فقير مثل كل الفقراء، حيث فقد ثروته لكنه أنقذ أربع مئة شخص. ركض تادا نحوه وأمسك بيده.
قال الرجل العجوز: «منزلي ما زال قائمًا. هناك مكان لكل واحد منكم» ثم مشى أمامهم نحو منزله!!