محمود السعدني كتب حمار من الشرق ومات في زمن حمير من الشرق
كنت اريد ان اكتب رثاءا عن الكاتب الساخر عمنا محمود السعدني الذي كتب ( مسافر بلا متاع ) فقلت بنفسي وهل نحن نملك الا ارواحنا لمتعة اسرائيل التي ( تتسلى ) بقتلنا في شوارع فلسطين وتلعب ( الغميضة ) وهي تعربد في سماءنا العربية .
فتراجعت بعد ان تقدمت , ولكن تذكرت كتابه الساخر في الزمن القاهر ( مسافر على الرصيف ) وكنت قد قراته اكثر مرة فهو كتاب ظريف ينقل اليك البسمة رغم اوجاعك وعاهاتك وعلاتك , فما ان بدات بالكتابة واخذت اخرج من الواقع الى الوقوع حتى سمعت جارتنا التي اسمعت الحي اغنية بحبك يا حمار للفنانة المتفننة في الفن الاستحماري مما جعلني افقد تركيزي واضيع بين راسي ... فخرجت صارخا غاضبا لاوقف هذه المهزلة التي حرمتني وربما حرمت الشعوب العربية من لحظة تجلي كانت ستغير مجرى التاريخ وتجعلنا نترك الارض ونذهب لتحرير المريخ لاننا بعنا القدس بقبلة بل تعهدنا بعد ان تهدمها اسرائيل ان نبني هيكل سليمان بمالنا ( ان بقي مال ) ونقدمها هدية مع الاعتذار عن التاخير بسبب انتصار المقاومة في لبنان والدول الممانعة التي تصبر وتنتصر للانتفاضات الفلسطينية الابية , الرافضة للانبطاح دفاعا عن كرامة الامة العربية .
اين كنت نسيت !!!
( تذكرت ) خرجت لاقول لجارتي الفاتنة التي رايتها تقف متسمرة على شرفة بيتها تغازل فتا يافعا نحيفا لدرجة اني اعتقدت بانه مصاب بالسل , او بالجرب لان لون جلده قد استبدل بنقوش تعرف بالتاتو ,وكان قصير القامة طويل الشعر يدخن سيجارة ( اطول منه ) يرتدي بنطالا غريبا عجيبا يلبس فوق الركب , وهما يتبادلان النظرات الغرامية ويسبحان في جو من الرومانسية الشاعرية على وقع موسيقى بحبك يا حمار , فوقعت على ظهري من الضحك حتى خشيت على نفسي ان يطق لي عرق فاموت قبل ان اكتب عن كاتبنا الساخر محمود السعدني رحمه الله الذي لو كان مكاني لنسي مذكرات الولد الشقي وكتب عن زمان العشق في العصر ( الرومنطقي ) .
وبين الرومنطيقي ( والرومنطقي ) استجمعت افكاري وشحنت عزيمتي براس من ( المعسل ) وجلست امام الكومبيوتر (الله يرحم ايام الورق والاقلام ) كان الواحد قد ما يكتب ويمحي ويخزق ويجمع كان يطلعلو عضلات , واخذت اكمل ما اكتبه الان .
رحم الله الاستاذ الكبير محمود السعدني الذي عرف بانه رائد فن الكتابة الساخرة لانه كان يملك بصيرة جعلته يبصر سخرية العرب في حياتهم ومماتهم بل نفاقهم في سياستهم وعهرهم بحق شعوبهم , بل انه كان فسحة الامل للكثيرين من المحرومين في العالم العربي الذي يستفتي الحاكم نفسه بهم فيرفع من كان ماسحا للجوح كشاشا للحمام ويفصل بقرار جمهوري من يريد الحق لانه يعتبر نفسه احق من الاحقية في كل مفاصل الحياة وان كان على حساب الامة برمتها فقط ان يبقى حسابه في بنوك سويسرا عامرا .
وبما ان كاتبنا المرحوم الذي تعلم كيف ينتصر على الايام حتى ينتصر عليه الموت ( فقعا ) من شدة حزنه على حالنا المذري , بسبب خضوعنا وخنوعنا وانبطاحنا , وصعلوكيتنا , بل اصبح الاصلع فينا يبحث عن بوستيج , حتى يبقى له برستيج , متناسيا ان جده كان يفقش الامل تحت ضوء الشمس , وبان والدته كانت تحمل الماء على راسها قبل ان تصل اليه الحنفية او المياه المعبئة ( بالقنينة المعدنية ) واباه الذي ياخذه الى المدرسة على ظهر الدابة قبل ان يظهر عصر البترول الاول الفاجر الداعر عليه لعنة الله الذي جلب لنا كل الويلات ومنها الويلات المتحدة الامريكية , التي جعلتنا نبيع الجمال والحمير التي كنا نركب عليها لنشتري سيارات فاخرة تركب هي علينا ,
فكان اكثر ما يذكره العرب عن عمنا الولد الشقي محمود السعدني كتاب حمار من الشرق , ربما لانه كتبها بكلمات ( اجلكم الله ) كي تفهمها الحمير , لان كل من يتخلى عن مقومات عيشه ومنبت كرامته ومركزية عزه يكون ( حمارا ) وهل اغنية بحبك يا حمار التي طغت على الاغاني الوطنية واحتلت وسيطرت على القنوات الفضائية واصبحت عنوان للحب الصارخ التي جعلت جارتنا العزيزة تضع يدها على خدها وتتنهد من ( احوف ) رجليها كلما سمعت اغنية بحبك يا حمار , لان حبيبها الولهان اللهبان مش دريان بحبها لانه ( حمار ) .
وفي الحقيقة ان كتاب حمار من الشرق هو فلسفة صورية كتب باسلوب بسيط وواضح ليفهم المفهوم بان الذي يغير لغته هو حمار والذي يستبدل تقاليده بتقاليد الغرب هو حمار والذي يبيع ارضه للاستعمار هو حمار والذي يتخلى عن شعبه واهله هو حمار والذي يتنازل عن مقومات وجوده وقوته هو حمار والذي يصدق بان اسرائيل هي حمامة السلام يكون حمار , والذي يعتقد بان امريكا ستقف معه ضد اسرائيل حمار , وبان الغرب سيعطيه النعيم وينقزه من الجحيم ويغير الديكتاتورية الى ديموقراطية هو حمار . ومن يعتقد نفسه انه اذكى من المستحمره هو حمار .
اعتذر منك يا كبير الظرفاء وجليس الضعفاء يا من كنت بسمة على وجوه الفقراء يا من عاش حياته بسيطا ليدافع عن البسطاء , لان قصرت بحقك , فلا سفن ورقية تصل سفح جبلك الشامخ لترسم ملامحك ولا اقلام من ينبوع الحرمان تشكر مدادك , ولا فقيرا مثلي يغني امثالك , رحمك الله يا عمنا محمود السعدني فقد كنت مبدعا ساخرا اضحكتنا لانك بكيت علينا .
رحم الله الاستاذ محمود السعدني الذي ولد فقيرا ومات كريما , فقد كتب حمار من الشرق ومات في زمن حمير من الشرق