صدام حسيــن عن قرب :
قوي البنية ، شديد اللهجة ، مهيب الحركة ، أنيق الثياب ، لا يخاف أحداً ولا يتهاون مع أي إنسان حتى ولو كان أحد فلذات كبده ، لا يثق إلا في نفسه ولا يترك مجالاً للآخرين حتى يفكرون في خيانته ، ينزع نحو السيطرة المطلقة والاستبداد ، ولا يحب الظهور بمظهر الضعيف المسكين ، يخاف من الموت بقدر محبته للحياة ، يخشى من أقرب الناس إليه قبل أن يخشى من الأعداء المتمركزين بأسلحتهم على باب بيته ، مستعد للتحالف مع الشيطان لتحقيق أهدافه ومستعد لمحاربة الشيطان عندما يفكرالشيطان في خيانته ، أعصابه من الثلج عندما يحكم على أحد بالإعدام وكلماته مثل السياط عندما ينتقد أحد أتباعه ، شخصيته قوية وجبارة ومظهره رهيب وشديد ، حارق العينين ، غليظ الشاربين ، ضحكته باردة وتتردد كالصدى ، وصرخته الرخيمة تمزق أحشاء السكوت ... هذا هو صدام حسين .. الزعيم العراقي الذي تخافه أمريكا ويخافه العرب ولا يعرف إلا قانوناً واحداً للتفاهم ويقول نص هذا القانون : أقتلك ببندقيتي وبعدها نتفاهم على الانصياع لما أريد !!
صدام حسين زعيم كغيره من الزعماء العرب وصل إلى الحكم بعد سلسلة طويلة من الاغتيالات والخيانات واختار صدام طريقة اعتقد أنها حكيمة للسيطرة على العراق وهي (الديكتاتورية) التي تعلمها من الظروف المحيطة به ومن التاريخ الذي شهد مئات الملوك والأباطرة الذين يتعاملون بقوة وبعنف مع كل الخارجين عن السمع والطاعة ولكن صدام نسي أنه يعيش في العصر الحديث الذي انتشرت فيه مبادئ المساواة والديمقراطية والحرية وهي شعارات الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود العالم إلى مزيد من الإرهاب وإلى مزيد من العنصرية والقهر والظلم ..
صدام ليس قطاً بسبعة أرواح لا يموت أبداً وليس ملاكاً بريئاً يتصرف برحمة وإنسانية كما أنه ليس ذلك القائد المسلم التقي الورع وهو بالتأكيد ليس ذلك المجرم السفاح الذي يشرب من دماء الناس ويقتل بشراسة وعنصرية مع كل من هب ودب ، ولكنه زعيم أدرك أن أفضل وسيلة للسيطرة على الأمور في العراق تقضي بإزاحة كل المنافسين دون هوادة وإخماد كل الثورات والنزعات التحررية بلا رحمة والقضاء على كل المتمردين والخارجين عن طاعة ولي الأمر وهذا هو أفضل حل للسيطرة على الشعب العراقي الشرس وهي أفضل طريقة لإرضاء جميع الأحزاب السياسية والقومية التي يتكون منها العراق الذي شهد خلال تاريخه أحقاباً من العنف والقتل وسفك الدماء منذ فجر التاريخ مروراً بالحضارة الفارسية والإسلامية والتتار و.... انتهاء باليوم الذي نكتب فيه سقوط آخر حقبة يمر بها العراق وهي حقبة الرئيس العراقي الهارب إلى مزبلة التاريخ .. ذلك الرجل الديكتاتور الذي اعتبره الجميع ظالماً ( صدام حسين ) ..
طفولته وصباه ونشأته :
نزح ( عمر بيك ) مع أولاده من جنوب العراق إلى مدينة تكريت التي تقع في شمال العراق وهذا قبل مائة سنة أو أكثر بقليل وليس معلوماً من أي المدن أو القرى في الجنوب نزح عمر بيك ولا أحد يدري عن أصله وأسماء أجداده وعن سبب تسميتهم بلقب ( بيك ) وادعى خير الله طلفاح ( خال صدام حسين ) أن نسبهم يتصل بآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن دون دليل قاطع سوى روايات وشهادات رجال دين من النجف وكربلاء ربما أجبروا على قولها خوفاً من بطش وجبروت صدام وعائلته !
تعلق اسم صدام حسين بمدينة تكريت التي نالت بعد وصول صدام حسين للحكم شرفاً وعزة لم يكن أحد أهلها في الخمسينيات يتوقع أن تصل مدينة تكريت لهذه المكانة ، وتعود شهرة تكريت تاريخيا إلى أنها كانت مسقط رأس صلاح الدين القائد الإسلامي الشهير الذي هزم الصليبيين الغزاة في فلسطين ، وكدليل على أن هذه المدينة ( دموية ) فقد زارها تيمورلنك سليل جنكيزخان القائد المغولي العظيم في سنة 1394 لبناء هرم من جماجم ضحاياه المهزومين كأبشع ما يكون الغرور والكبرياء وكأفظع ما يكون القهر والظلم !
صدام ابن قرية العوجـا :
يتميز أهالي مدينة تكريت بالكرم والتمسك بالدين كما يشتهرون بالهدوء والمسالمة وهذا دفعهم إلى مقاطعة ليست معلنة على كل الأغراب النازحين من المدن والقرى الأخرى إلى تكريت لأن الكثير منهم يتجولون بسلاحهم ويتميزون بالعنجهية والغطرسة وقد يكونون فارين من قرى أو مدن أخرى بسبب ثأر أو مشاكل عائلية فهم أهل مشاكل ونزاع وأقل مسالمة وأكثر ما يكونون بعيدين عن الدين ، ولذلك قرر ( عمر بيك ) أحد هؤلاء الأغراب أن يرحل بأسرته إلى قرية في جنوب تكريت أطلق عليها اسم (العوجا) فبنى داراً صغيرة من الطين على ضفة النهر وبدأ في العيش عيشة الفلاحين التي تعتمد على زراعة المحاصيل الزراعية وخصوصاً الخضراوات وتربية الأغنام والدجاج وجاءت تسمية ( العوجا ) من طباع أهل هذه القرية فطبائعهم عوجاء وأفعالهم غير مستقيمة ، وقد تولت مع مرور الزمن الكراهية في قلوب أهل العوجا على أهل تكريت لكن حياتهم استمرت على مبدأ التحفظ والعيش بسلام حفظاً للأرواح والممتلكات ..!
رسميا ولد صدام يوم 28 ابريل سنة 1937 في بيت يملكه خاله خير الله طلفاح ، ولأن صدام كان أنانياً ومحباً لذاته جعل هذا التاريخ ابتداء من سنة 1980 عطلة رسمية يحتفل بها الشعب العراقي بأكمله ، وهناك من يقول أنه ولد قبل ذلك التاريخ أو بعده بسنتين .
أطفال تكريت يحتفلون بميلاد صدام
كان صدام في طفولته طفلاً حزيناً وانطوائياً لأنه كان يتعرض للضرب والتعذيب من قبل زوج أمه ( حسن الإبراهيم ) الذي كان يضربه صباحاً ومساءاً وعلى كل كبيرة وصغيرة فقد كان زوج أمه الذي قيل أنه كان كاذباً سيئاً يعامل صدام معاملة سيئة لدرجة جعلت الجميع يشفق على هذا الصغير المضروب دائماً وزوج أمه لم يكن يعرف أن هذا الذي يضربه سيصبح ذات يوم جلاداً يضرب العراق وجيرانها ..!
الضرب خلق في نفس صدام طباع القسوة والعنف كما أن الفقر ورّث في نفسه طباع الأنانية وحب الذات !
نعم كان صدام حسين ومنذ طفولته أنانياً لا يحب سوى ثلاثه أولهم نفسه وثانيهم أمه ( صبحه ) وثالثهم خاله خير الدين طلفاح ومن شدة محبته لأمه أقام لها نصباً تذكارياً بعد وفاتها عام 1982 كما أنه كان رفيق خاله وتلميذه النجيب وتابعه الدائم الذي يرافقه في كل مكان ويصدقه في كل كبيرة وصغيرة !
نشأ صدام حسين في بلدة ( العوجا ) في هذه البيئة الفقيرة وتربى على الغلظة والقسوة متأثراً بطبائع الناس المحيطين به فأكثرهم من الجهلة والفلاحين رفيعي الأنوف الذين لم يعتادوا أبداً على حياة الليونة والسمع والطاعة كما هم أهل المدينة ، فكان أهل ( العوجا ) كما هم ( الأعراب ) أشد غلظة وأكثر قسوة ونفاقاً فلا تراهم يعرفون المجاملة والمعاشرة بالمعروف ولا يقدرون العلم والعلماء وينتشر بينهم كما في الكثير من الدول العربية ( الدين الشعبي ) وهو أن الدين في الصلاة والصيام والابتعاد عن كبائر المحرمات بينما تكون معاملة الناس سيئــة ومعاشرتهم لغيرهم بقوة الذراعين !
كان صدام طفلاً عادياً من حيث حياته اليومية حيث كان طالباً في المدرسة يذهب في الصباح ويعود مع الظهر وكان أقصى أحلامه كما يقول أحد رفاقه امتلاك سيارة ( جيب ) وبندقية و ( دوربين ) وهو المنظار ليصبح بهذه الأحلام رئيساً لبلاد الرافدين ويضع رأسه في رأس الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة في العالم الجديد !!
كبر صدام حسين وكبرت معه أحلامه وفي كل يوم يزداد صدام قوة وصلابة ويزداد رأسه عناداً وتجبراً ويزداد قلبه قسوة وغلاظة حتى وصل إلى المرحلة الثانوية وهنا كان صدام بشهادة الدكتور حسن العطار مدير مدرسة تكريت الثانوية فى منتصف الخمسينات هو الطالب الوحيد الذي كان يتغيب كثيرا عن المدرسة بدون عذر ليذهب إلى قرية العوجة مسقط رأسه حتى تجاوزت فترة غيابه 25 يوما بدون عذر مقبول فأضاع أكثر من 51 فى المائة من درجات المواظبة ولذلك فقد تقرر اعتباره راسباً في الصف الثانى الثانوى حسب نظام المدارس الثانوية العراقية لعام 1952 .
ويتابع الدكتور حسن العطار حديثه مدعياً أن صدام حاول اغتياله ببندقية صيد إلا أن الشرطة قبضت عليه وسامحه بعد تدخل عدد من وجهاء مدينة تكريت فلم يفصل مع ذلك صدام فصلا مؤبداً بل قرر رسوبه فى تلك السنة فقط حفاظا على مستقبل الطالب الذي لم يكن قد بلغ سن الثامنة عشرة من عمره بعد !!
ونشير هنا إلى أن أول قرار اتخذه صدام حسين بعد أن قويت شوكته فى حزب البعث العراقى كان فصله من عمله في عام 1973
يتبع