القصف الإيراني والتركي للأراضي العراقية تحت المجهر
عبدالوهاب محمد الجبوري
منذ عدة أيام والقصف الإيراني لشمال شرق العراق يتواصل بوتيرة متصاعدة تحت حجة استهداف مقاتلي حزب الحياة الحرة ( بزاك ) الكردي المعارض وقد توسعت دائرة القصف المدفعي الإيراني مؤخرا لتشمل مناطق أخرى في ناحية سيدكان بقضاء سوران وناحية حاجي عمران بقضاء جومان في محافظة أربيل ضمن إقليم كردستان العراق ، مما أدى إلى استشهاد وجرح وتشريد مئات المواطنين من مناطقهم وتدمير بيوتهم وممتلكاتهم ومزارعهم وحيواناتهم .. وقد أكدت مصادر كردية أن القوات الإيرانية التي توغلت بضع كيلومترات داخل الأراضي العراقية أقامت لها مواقع ثابتة هناك مما يشير إلى نية بقائها فترة غير محدودة .. وقالت صحيفة الحياة الصادرة اليوم الاثنين 7 حزيران ( نقلا عن مراسلها في اربيل ) أن مسئولين أكراد شكوا مما اعتبروه صمتا حكوميا عراقيا عن التوغل الإيراني فيما امتنع مسئولون حكوميون اتصلت بهم ( الحياة ) عن إصدار أي موقف من عمليات التوغل ووصف الناطق باسم حكومة إقليم كردستان ( كاوة محمود ) هذا التوغل بأنه ( انتهاك لسيادة العراق والمعاهدات الدولية ) ..
المتابعون للشأن العراقي وعمليات القصف الإيراني والتركي المستمرة للأراضي العراقية منذ فترة ما بعد الاحتلال يربطون بين هذه الأحداث وتدخل ايران وتركيا المستمر والمتعدد الأوجه في الشؤون العراقية على خلفية الفراغ الأمني والسياسي والعسكري الذي تشهده البلاد منذ العام 2003 وعدم وجود قوات عراقية كافية ومهيأة للدفاع عن البلاد مما شكل خرقا للأمن الوطني العراقي وانعكس بشكل خطير على الوضع العام في العراق وباتت حدود البلاد مستباحة أمام هذا التدخل بشكل متواصل وهو ما يتوافق وسياسة المحتل وتواطيء دول الجوار التي وجدت في هذه الأوضاع فرصتها للنيل من سيادة العراق واستقلاله ووحدة أراضية ونهب ثرواته ، وتحقيق أهدافها ومصالحها دون مراعاة لعلاقات حسن الجوار واحترام السيادة الوطنية العراقية فضـلا عن روابط الدين والتاريخ المشترك على مدى آلاف السنين ..
ولو استعرضنا سلسلة الأحداث والأهداف التي ترتبط بالتدخل الإيراني والتركي لعرفنا إلى أي مدى باتت الأمور تشكل خطرا على العراق ومصالحه الوطينة ، فالأحزاب الحاكمة في العراق ترتبط ، بحكم واقع الحال المفروض على العراق ، بعلاقات مزدوجة مع المحتل ومع إيران تصل الى حد التاثير على انشطتها وقراراتها الحالات ..
فالتدخل الإيراني في العراق اخذ أشكالا مختلفة ، فعلى الصعيد النفطي تستمر إيران بالحصول على النفط العراقي وتكريره وإعادة تصديره إلى العراق كمشتقات نفطية بأسعار خرافية مقرونة بادعاءات إيرانية متكررة بعائديه الكثير من الحقول النفطية العراقية لإيران ، ثم قامت في العام الماضي باحتلال حقل الفكه النفطي من دون رد فعل حكومي عراقي فاعل فضلاً عن احتلال جزيرة أم الرصاص وحجب مياه الكارون والوند وغيرها من الروافد المائية عن العراق وادعاءاتها بعائدية ميناء خور العمية وأبي فلوس لإيران ، وقد ترافق ذلك كله بتصريحات الرئيس احمدي نجاد وغيره عن (ضرورة ملء الفراغ بعد انسحاب قوات الاحتلال الأميركي) والمطالبة المستمرة بما سمي التعويضات بمليارات الدولارات في محاولة علنية لوراثة الاحتلال الأميركي إلى غيرها من الإجراءات وعمليات التدخل في إطار من استغلال لعبة إطالة تشكيل الحكومة العراقية ..
وبالعودة إلى أهداف المحتل الأمريكي وتدخل إيران وتركيا في الشأن العراقي فان العراقيين ينبهون إلى عملية خلط الأوراق التي يعتمدها أعداء العراق والأمة والتي تجلت في الهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية التي استهدفت فك حصار غزة وبتصعيد التهديدات الاجنبية للعراق لممارسة المزيد من الانتهاكات لسيادته ومحاولات إمرار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضع أسسه شمعون بيرس عام 1994 وروجت له الإدارة الأمريكية على عهد الرئيس بوش الابن ووزير خارجيته آنذاك رايز تحت اسم الشرق الاوسط الجديد والذي تلعب فيه تركيا دورا فاعلا ، لكننا ننبه هنا إلى أننا لا نعني بحديثنا هذا ، التقليل من دور تركيا في دعم قضايانا العربية لكننا نُذكّر العالم بخلاصة مشروع الشرق الأوسط الجديد : ( تفعيل التكنولوجيا الإسرائيلية مع المياه التركية والعمالة المصرية والأموال الخليجية ) لجعل إسرائيل طرفا مهما وفاعلا في أحداث المنطقة والشرق الأوسط ، وبعد احتلال العراق قال الخبير الإسرائيلي( زئيف شيف ) : (ان العراق يمتلك التكنولوجيا والأموال والأيدي العاملة والمياه ، لذلك يجب إشراكه في مشروع الشرق الأوسط الجديد ) ومعنى هذا واضح ولا يحتاج إلى كلام كثير ..
نتمنى على إيران أن تنهي هذه الحالة الشاذة في علاقتها مع العراق وتبادر لإقامة علاقات حسن جوار حقيقية وصادقة مثلما نتمنى على تركيا أيضا عدم استغلال ورقة المياه للضغط على العراق وتخليها عن شعار برميل نفط مقابل برميل ماء ، ووقف كل تدخلاتها واعتداءاتها المسلحة ضد الأراضي العراقية تحت حجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي فللعراق حرمته وسيادته ومكانته ..
ويعلم الجميع انه لو لم يحدث الاحتلال لما تجرأ أي طرف أجنبي على التدخل في شؤون العراق الداخلية والنيل من وحدته وسيادته ، وهو المعروف عنه بمواقفه العربية ودعمه المشهود للقضية الفلسطينية وتشكيله عمقا سوقيا استراتيجيا لأشقائه العرب في التصدي لإسرائيل ومحاولاتها العدوانية ..