السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحج: حكمه - فضله - شروطه ومسائل أخرى
أولاً: تعريفه:
قصد مكة لأداء المناسك. وهو أحد أركان الإِسلام الخمسة، للحديث الصحيح المشهور، ومِن الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، فيكفر منكره ويعتبر مرتدًّا عن الإِسلام. وقد فُرض الحج في السنة السادسة للهِجرة على رأي الجمهور.
ثانياً : حكمه:
والحج فَرض على كل مسلم مَرة في العمر، وما زاد فهو تَطوّع. وقد ثبتت فرضيته بالآية المذكورة وغيرها من الآيات وبكثير من الأحاديث الصحيحة. أما أنه مرة في العمر فلحديث أبي هريرة، قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: "يا أيها الناس، إن الله كتبَ عليكم الحج فحُجوا"، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكتَ حتى قالها ثلاثًا، ثم قال (صلى الله عليه وسلم): "لو قلتُ نَعم لوجبتْ ولما استطعتم..." رواه البخاري ومسلم.
وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وجمهور العلماء إلى أن الحج فرض على الفور، أي يجب على المسلم أداؤه فور تمكنه من ذلك، وتحقق شروط الوجوب والاستطاعة، فإن أخَّره أثم. وذهب الشافعي إلى أن الحج فرض على التراخي، فلا يأثم من أخَّره ولو كان مستطيعًا إذا أدَّاه قبل الوفاة، أما إذا أَدركته الوفاة قبل أداء الحج فهو آثم، كما يقول الإِمام الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين".
ثالثًا: فضله:
وقد ورد في ذلك كثير من الأحاديث، نذكر منها:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم): أيُّ العمل أفضل؟ قال: "إيمانٌ بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال؛ "حج مبرور" متفق عليه.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من حجَّ فلم يَرفُث ولم يَفسُق، رَجع كيوم ولدته أمه" متفق عليه. الرفَث: هو الكلام البذيء، ويأتي بمعنى الجماع.
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "العمرة إلى العمرة كَفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلّا الجنة" رواه الشيخان.
رابعًا: شروط وجوب الحج:
يشترط لوجوب الحج ما يلي:
- الإِسلام: فلا يجب الحج على غير مسلم.
- البلوغ: لأن الحج لا يجب على الصبي قبل سن البلوغ.
- العقل: فالمجنون لا يجب عليه الحج.
وهذه الشروط الثلاثة عامة في كل التكاليف الشرعية.
- الاستطاعة: وتتحقق بصحة الجسم، وأمن الطريق، وأن يملك نفقات السفر، ونفقات من يعول في غيابه.
- وهناك شرط خامس بالنسبة للمرأة وهو أن يصحبها محرم، أو نسوة ثقات، أو امرأة واحدة ثقة، وقد أجاز بعض العلماء للمرأة السفر وحدها للحج إذا كان الطريق آمنًا، كما أجاز البعض للعجوز السفر من غير محرم (راجع كتاب المهذب وكتاب سبل السلام)، وقد استدلوا بالحديث الذي رواه البخاري:
عن عدي بن حاتم قال: بينما أنا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ أتاه رجل فشكا إليه الفَاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قَطع السبيل، فقال: "يا عدي، هل رأيت الحيرة؟" قال: قلت: لم أرها، وقد أُنبئت عنها، قال: "فإن طالت بك حياة لترينَّ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلّا الله". الحيرة: قرية قرب الكوفة. والظعينة: المرأة المسافرة ما دامت في الهودج.
كما استدلوا أيضًا بأن نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) حَجَجْن بعد أن أذِن لهن عمر في آخر حجة حجها، وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف.
ويُستحب للمرأة أن تستأذن زوجها في حجة الفريضة، ويجب عليه أن يأذن لها، وإلّا جاز لها أن تخرج بغير إذنه؛ لأن الحج فريضة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. أما في حجة التطوع فلا يجوز لها الخروج إلّا بإذن زوجها. (وعند الشافعية: ليس لها الخروج ولو لحج الفريضة بدون موافقة الزوج؛ لأن حقه على الفور والنسك على التراخي).
واتفق العلماء أن المرأة إذا حجت بغير محرم صح حجها، وإن اختلفوا هل تأثم أم لا؟ كما اتفقوا أن غير المستطيع إذا حج صح حجه، وأن الصبي إذا حج يصح حجه أيضًا، ولكن لا تسقط عنه حجة الفريضة بعد البلوغ.
خامسًا: مسائل مهمة:
1.الحج عن الميت: من مات وعليه فريضة الحج، وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من ماله، لحديث ابن عباس أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقالت: إن أمي نَذرت أن تحج ولَم تحج حتى ماتت، أفأحجُّ عنها؟ قال: "نعم حُجي عنها، أرأيتِ لو كان على أمِّك دين، أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء" رواه البخاري.
2.الحج عن الغير: إذا عجز المسلم عن الحج لشيخوخة أو لمرضٍ مزمن، لزمه إحجاج غيره عنه، لحديث الفضل بن عباس: أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم". وذلك في حجة الوداع. رواه الجماعة، وقال الترمذي حسن صحيح. وإذا شفي المريض بعد أن وقع الحج عنه، فعند الجمهور يجب عليه الإِعادة، وعند أحمد لا يجب عليه بعد أن وقعت الحجة صحيحة.
3.ومن شروط الحج عن الغير، سواء كان حيًا أو ميتًا، أن يكون قد سبق له الحج عن نفسه، لحديث ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سمع رجلاً يقول: لبيك عن شُبرمة، فقال: "أحججت عن نفسك؟" قال: لا. قال: "حُجَّ عن نفسكَ ثم حُج عن شُبرمة" رواه أبو داود وابن ماجه.
4.وإذا وقع الحج بمال حرام: فعند الجمهور يصح الحج ويأثَم صاحبه. وعند أحمد بن حنبل لا يصح الحج ولا يجزئ.
5.ويجوز تعاطي التجارة في الحج، لقوله تعالى: {ليسَ عليكم جُناحٌ أن تَبتَغوا فَضلاً من ربكم} وقد فعلها الصحابة، ولكن الأفضل التجرد للحج.
من ايميلي