لون الماء
تيت... تيت ... تيت
صفارات الإنذار المتقطعة تعلن عن حالة الخطر ،الظلام يحصد أنوار الشوارع ، والبيوت المنثورة ، المارة يهرولون للاحتماء بالملاجئ أو قيعان سلالم المنازل ، ابتلعت السيارات أضواءها ، توقفت تماماً عن السير ، إلا أن ساحة التجمد لم تخل من تمرد بعض السائقين ، صوت الطائرات المحلقة يقترب من الصفير المتقطع ، أبواق السيارات تزيح صراخ المراقبين للنظام ،مازال جرس (الترام) يعيش على أمل اللقاء بالمحطة القادمة ، النداء الغنائي لـ(محمدين) الفاكهاني يتهادى من إحدى الحارات الضيقة ، لا يعبأ بالظلام ، أو أزيز الطائرات المحلقة ، يقترب منه احد المراقبين:
- هيا .. يا (محمدين) إلى أقرب ملجأ .
- أهرب ، وأترك (البضاعة) لمن ؟
- وماذا سيحدث ( للبضاعة ) ؟!
- الغارة الماضية لم يترك لي أولاد الـ... لا برتقالة ، ولا تفاحة .
- هيا يا رجل الوقت يمر ... الطائرات تقترب .
- عجباً والله ... وهل تستهدف الطائرات الفاكهة هذه الأيام؟!
**** **** ****
تيت... تيت ... تيت
بقلب الظلام ترسب بخار الأنفاس المتهالكة على بقايا زجاج النوافذ ، القلوب الخافقة تلف الأصوات الوليدة ، القلق يزحف على جدران الصفيح ، الهمهمات تتواثب من الأفواه المعتمة ،مازال السائق يتلاعب بآمال التحرك ، يملأ الرنين أنفاق الخوف الغائرة بين الصدور ، (الكمسري ) يكف عن دق صندوق أوراق التذاكر ، ينادي السائق :
- أغلق الأبواب يا عم (فرج).
- نسيت أن الأبواب (مزرجنة) ؟
- والله هذا (قطع عيش).
- (سيبها لله ) ... الدنيا بخير .
- تذاكر ... تذاكر .... (ورااق).
- ...................
- تذاكر يا (حضرات).
- ..................
تحسس المقاعد ، فإذا بها خاوية .
**** **** ****
تيت... تيت ... تيت
تحت النهر العائم على الأرواح الهاربة بقبر الحياة ، تتلاحم الأجساد الساخنة بالقرب من الجدران ، يسقط بعض الضوء على أنصاف الوجوه ، بلون الماء تتلون الأنصاف الأخرى ، دمعات ... حبات عرق ... رضاب الخوف ... ألوان متعددة للون واحد ، تتساقط الآلام بين اللهج المتتابع :
- يا (حضرات ) أطفئوا السجائر فتحات التهوية غير كافية .
- والله (خراب بيوت) ، منذ الصباح لم أبع إلا خمس جرائد .
- لقد تأخرت عن (الوردية) ، وكل يوم خصم من الراتب.
- لا أدري ماذا افعل أولادي وحدهم بالبيت ، والصغير لم يرضع.
- حتى المقاهي أغلقوها ، كنت استرزق بدهان زوجين ... ثلاث ... أربع ... أحذية.
- أتسمعون ؟ مضادات الطائرات تنطلق .
- كانوا ثلاثة في عام 56والآن...
- واء ... وااااااء ... واااااااااااااااء.
الصفارات الطويلة تعلن عن زوال الخطر .
بيييييييييييييييييييييييييييييييييييب
**** **** ****
- من نسر إلى صقر . من نسر إلى صقر ... حول .
- صقر يسمعك بوضوح ... حول .
- ما أخر تطورات الوضع ؟
- تم تحديد إحداثيات الأهداف ، ننتظر الأوامر .
- افتح النار.
- عُلم ، وجاري التنفيذ .
محمد سامي البوهي
دمياط : 26/4/2007