إليك ...... يا وطني
وطني ...
ذلك الجبل ذو القمة العالية التي تتحلق حولها الغيوم الرمادية في أصبحة الشتاء كفلكة المغزل .
وطني ذاك ..
يكبر و يكبر ، يشفي بشعاعه ظمأ الحزانى ، و يقبل بنور فجره على عيون جللها عمى الأحلام .
كان في البدء كلمة ...
نطقت بها شفتان سماويتان ، هبطت دمعة على أرض ناتئة ، فخلقت بها بشراً و أناسي و بيوتاً .... و حباً لا يفنى .
كبر وطني ، صار يظهر في أحوال عديدة ، مرة عاصفة ، و أخرى ليلة صافية ، تارة شفقاً ، و طوراً سماء مفتَّحة النوافذ .
دوماً كان كبيراً ، لم يعرف غير الحب ، جسَّده مرات و مرات على أيدي أبنائه ، ذاك يترجمه غضباً ، و ذاك مغفرة ، ذاك صلاةً ،و ذاك قصيدة .
لكنه كان يجمعهم دوماً ، كان هذا الجبل روح أم عظيمة تحتضن كل البيوت المتسلقة حجارته المعمَّرة ، تهيها قبلة في الصباح ، و قبلة في المساء ، و تهدهد أسرتها حين يغفو سكانها .
في وطني أطفال قد لا يفهمون الحب ، لكنهم يحسونه ، يبتسمون للقادم إليهم بطيبة ، لا يدركون الكثير ، لكنهم يحسون ، و يحسون بالحب قبل كل شيء ، حب كل شيء على ظهر البسيطة ، و وراء الطبيعة .
تنير أضواؤه قبيل الفجر ، و تسري بين الطرقات همهمات عجيبة ، فيشتم الجلوس رائحة العبير ، و تحلق أرواحهم نحو فضاء ليس له كفاء ، فضاء يكبر كل يوم ، لا تحده أكوان و لا أجزاء ، حتى يغدو المدى نهاية له لا تنتهي ، و الشروق يغزل من خيوط السماء ثوباً تلبسه أرضه في المستقبل القريب ، فيكون ثوب عرسها الذي لا تخلعه في أيٍّ من الفصول