بربر مصريون
تأتينا أخبار البربر (الأمازيغ) من المغرب ومن الجزائر، فيسرنا صمودُ أكثرهم لرد مكر الماكرين في نحورهم، من دعاة التغريب والتخريب، واستمساكُهم بعروة أمتنا الوثقى -"لَا انْفِصَامَ لَهَا"- ويسوؤنا انخداع أقلِّهم بذلك المكر، وقبوله وترديده، وإن اطمأننا إلى أنهم لا يلبثون على انخداعهم طويلا؛ فسُرْعانَ ما ينفضح لهم ضِغنُهم القديم، ويؤوبون إلى ما عليه أكثرهم.
أما أن يكون بمصر من هؤلاء البربر (الأمازيغ) مصريون لا تأتينا أخبارهم، ولا نعرف عنهم شيئا- فأمر لم نكن لنصدقه لولا رحلتنا إلى واحة سيوة!
قال الدكتور محمد حجازي الأستاذ بكلية الآداب والفنون من جامعة باتنة الجزائرية، في حوار بيننا نشرتُه من قبل بعنوان "على اسم سيوة": "سكانها من الأمازيغ، وأصلهم هجرة قديمة من بلاد الشاوية في الجزائر إلى واحة سيوة واستقروا فيها، وهم من القبائل يتكلمون بلغتنا الأمازيغية"، ولولا سَبْقُ معرفة ذلك بأيام لهالني جهلي هولا شديدا مثلما هال إخواني الذي حكيت لهم!
لولا المدارس الحكومية لم يتكلم المصريون السيويون العربية، وما أَشبَهَهم في هذا بالعُمانيين الظَّفاريين، حتى إن تلميذين ظَفاريين من تلامذتي زاراني في مكتبي، فاشتغلا عني بلغتهم الجَبّالية، فوَجَدْتُ عليهما؛ فاعتذرا بفَداحة تكلُّف العربية على الظَّفاريين إذا التقوا، وأنهم لا يخطر ببالهم عندئذ أبدًا أنهم في مجلسِ غيرِهم كأنهم يَسْتَخْفُون عنه بما يمنعونه منه!
والأمازيغية في سِيوة كالجَبّالية في ظَفار، منطوقة غير مكتوبة –وأكثر لغات العالم منطوق غير مكتوب- إذا أرادوا كتبوها بالعربية، كما في هاتين الورقتين المعلقتين في البيت السيوي (المزار السياحي)، على بابَيِ المَطْهَى والمَشْتَى: "اَسْطَاحِ نْطَابِنْتْ"، أي سطح الطَّهْوُ (المَطْهَى) -وهذه الترجمة أولى من الترجمة الإنجليزية بغرفة الفرن- المبنيّ في ناحيةٍ منه فُرْنٌ كأفران فلاحي المصريين، إلا أنه بحجر الكُرْشِيف السيوي، وأنه ذو فَتَحات تَهْوية عُلْيا- و"اَتْغَرْفِتْ نِيشْتِي"، أي غرفة الشتاء (المَشْتَى)، التي يحتمون بدفئها من برد الشتاء السيوي القارس!
وأولَ ما قرأتُ تلك الكلمات الأمازيغية: "اَسْطَاحِ"، و"نْطَابِنْتْ"، و"اَتْغَرْفِتْ"، و"نِيشْتِي"- خطرت لي هذه الكلمات العربية: "السَّطْح"، و"طَابَتْ (نَضِجَتْ)"، و"الْغُرْفَة"، و"نُشَتِّي (نُقِيمُ شِتَاءً)"!
إلى مُنْتمانا نفسه ينتمي هؤلاء البربر (الأمازيغ) المصريون، ويستمسكون بعروة أمتنا الوثقى -"لَا انْفِصَامَ لَهَا"- ولا يعرفون أن لغتهم هذه الخاصة تنتمي كذلك منتمى اللغة العربية العامة، على ما انتهى إليه البحث الواسع الكبير الدقيق الذي أنجزته جامعتا ليدز البريطانية وبورتو البرتغالية، في جواب "هل البشرية من سلالة واحدة أو من سلالات متعددة"؟ ولو عرفوا لثبت في أرض إيمانهم أصلُ انتمائهم، واشتد حبل اعتصامهم، فتجلى صدق أعمالهم!
--