في حوار مع الشاعرعبد الكريم يحيى عبد الكريم
هل للشعر أرض؛ أم ستبقى أرضه بين الكلمات
حوار: سلام مراد
الشاعر والمهندس عبد الكريم يحيى عبد الكريم من مواليد حمص مدينة ابن الوليد ومدينة العاصي، هذه المدينة التي التقى فيها النهر مع التاريخ والإنسان، فكانت حاضرة ثقافية وإنسانية على مر العصور، فقد كان نجمها يضيء ويخفت ويكاد يذوب أحياناً ثم تقوم من رمادها، كما طائر الفينيق، لذلك كانت فيها وقائع وأحداث وعاش فيها أعلام وشخصيات، سطرت ملاحم وكتبت بخطوط من فضة وذهب، فكانت أرقاماً ونقاطا في التاريخ الإنساني، تأثير المدينة وبيئتها الثقافية والإنسانية كان حاضراً مع شاعرنا في رحلته وقراءاته وكتاباته وأشعاره وقصصه، لأنه ابن المكان وابن التاريخ، استمد ثقافته من بيئته الحمصية، التي كانت تعبق برائحة الزهور والأشجار وهواء البحر والنهر.
واستمد الخيال من نجوم وسماوات حمص وقراها وأريافها الشاسعة التي تمتد عبر البادية السورية، فهي محافظة واسعة وجميلة فيها السهل والجبل والبادية، وفيها تلتق الأمجاد وفيها تلتقي الشخصيات وفيها ولد ويولد ويعيش الأدباء والشعراء وفيها مدافن ومزارات أشخاص أحبهم الحماصنة، مثل (سيدي خالد) وعمرو بن معد يكرب و أولاد جعفر بن أبي طالب، وقبر الملك المجاهد ابن شيركوه.....
استمرت الحياة في حمص وما زالت المياه دافقة في جنباتها وما زالت الأمهات تلد إلى يومنا هذا وكانت الحركة الثقافية وما زالت موجودة بفضل شعرائها وأدبائها والأستاذ عبد الكريم واحد من أدبائها وكان لنا معه اللقاء الآتي:
س1 ـ أين ولدت وأين نشأت؟!
حمص، مدينة النهر ومدينة البساتين، كانت المهد الأول لي، وفيها عشت حلمي الأول وكتبت قصيدتي الأولى، وأرجو أن تكون حلمي الأخير.
س2 ـ ما هي مناهل ثقافتك والبيئة التي عشت فيها واستقيت منها ثقافتك؟
البيئة التي تشكل وعيي فيها بيئة شعبية، تمور بالموروث الشفوي من أمثال ومواويل وحكايات وبطولات وأشعار، وتزدان باحتفالات الناس، في المناسبات المختلفة (وعراضاتهم، الأفراح وفي عيد المولد النبي، كما اذكر الأخمسة (جمع يوم الخميس) التي أدركت جانباً منها، وهذه الأخمسة، كانت تتميز بها مدينة حمص، في هذه البيئة صحوت على الدنيا، وأستطيع أن أضيف إلى هذا النهر (الشفوي الطقسي المتدفق) مؤثرات ثانية تمثلها المدرسة وما تعلمناه فيها على أيدي كوكبة من المربين الأفاضل، ثم أتى دور القراءة، حيث قرأت كثيراً في مواضيع شتى، وأحسب أنني ما زلت مقصراً في القراءة.
س3 ـ علاقتك بالشعر، كيف تكونت وتطورت؟!.
تكونت علاقتي مع الشعر شيئاً فشيئاً وبشكل عفوي عن طريق مؤثرات البيئة المحيطة وتأثير المدارس التي تعلمت فيها، وفجأة وجدت نفسي انجرف إلى نهر الشعر، فحملني إلى هذه الفضاءات البعيدة، المفتوحة على الحب والأرض والإنسان.
س 4 ـ حدثنا عن تاريخ مدينتك حمص، وعلاقتها بالثقافة والتاريخ والشعر والكتابة والمفاصل والمحطات المهمة في تاريخها وتاريخك الأدبي والثقافي؟!
سيكون المؤرخ أقدر مني على استحضار تاريخ المدينة السحيق، ويبدو أن نظرية جمال حمدان (عبقرية المكان) تنطبق على مدينة حمص بسطوع مدهش.
أخي الكريم للشعر في حمص طعم خاص وروح خاصة، منذ ديك الجن الحمصي الذي كان أستاذاً لأبي تمام إلى الشيخ أمين الجندي إلى عبد الباسط الصوفي وعبد السلام عيون السود، ووصفي قرنفلي وعبد المعين الملوحي، إلى المبدعين المعاصرين وهم كوكبة متميزة. ولقد شاركت في النشاطات الأدبية في المدينة منذ منتصف الثمانينيات ونشرت قصائدي وكتاباتي في كبرى المجلات المحلية والعربية.
س5 ـ أول قصيدة وأول ديوان لك، وما الذي تتذكره من قصائدك؟!
كانت أول قصيدة عن فصل الربيع وتجدد الطبيعة فيه؛ كتبتها في سبعينيات القرن الماضي وكانت قصيدة تقليدية ثم تتالت القصائد، ولقد مزقت قصائد المراحل الأولى، ولم أحتفظ بشيء منها للأسف، وقد صدر ديواني الأول متأخراً في عام 2005م. بعنوان (ماس الميماس) كما صدرت لي بعد ذلك ثلاث مجموعات شعرية، بالإضافة إلى مجموعة شعرية للأطفال، ومجموعة قصصية.
س6 ـ الأسماء الأدبية والثقافية في حمص وسوريا والصلاة الروحية والكتابية والثقافية التي تربطك بهذه الأسماء؟!.
أذكر هنا الشاعر الكبير سليمان العيسى، لقد كان تأثيره كبيراً في مسيرتي الشعرية، فقد كبرت أنا وأترابي على أنغام قصائده الجميلة في الكتب المدرسية، وقد بقينا نحفظ الكثير منها لأنها تركت بصمتها في قلوبنا، في حين نسينا كثيراً من قصائد الآخرين، ما أجمله حين يقول:
تل يغيب وقمة تبدو ووادي كالخيال
كاللغز يزدحم السؤال به على شفة السؤال
أبعيدة تلك التي يدعونها كرم النجوم....
كانت قصائده مدهشة ساحرة، وكنا نشعر بأننا نتلقى هدية جميلة، عندما نجد قصيدة له في منهاجنا المدرسي.
س7 ـ من هو الشخص رقم واحد في حياتك، ثم من الذي شجعك على الكتابة في بدايات كتابتك؟!.
بعد الفقدانات الكبيرة لم يبقى في حياتي إلا أسرتي الصغيرة وبعض الأصدقاء الأوفياء، وفيما يتعلق بالتشجيع الأول، فإنه كان من الأهل ومن بعض الأصدقاء اللذين كانوا يحفزونني على الكتابة ولا سيما زملائي في الدراسة الجامعية، كما أن تعمقي وتوسعي في القراءة للكتاب والشعراء المبدعين حرضني كثيراً وشجعني على الاستمرار في هذا الاتجاه.
س8 ـ ما أسماء الصحف والمجلات والدوريات الثقافية السورية والعربية التي كتبت فيها، وكانت قريبة إلى روحك وقصائدك وكتاباتك؟!
لقد نشرت كتاباتي في كبرى الصحف والمجلات المحلية والعربية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وأذكر من تلك الدوريات (صحيفة تشرين ـ الأسبوع الأدبي ـ الموقف الأدبي ـ مجلة الكرمل التي تصدر في قبرص وكان محمود درويش رئيس تحريرها، ومجلة الناقد التي كانت تصدر في لبنان، مجلة الآداب البيروتية التي كان الدكتور سهيل ادريس رئيس تحريرها، مجلة الوحدة التي كانت تصدر في المغرب، مجلة الرافد، مجلة الكويت، مجلة الفيصل، صحيفة البيان الإماراتية، وكان أصدقائي يغبطونني أو يحسدونني على وصولي إلى تلك الدوريات الهامة.
س9 ـ سيرة مَنْ مِنَ الشعراء هي الأقرب لفكرك وقلبك؟!
يعجبني المتنبي، بأنفته وطموحه ووفائه لشعره العظيم، ولا سيما بعد أن قرأت كتاب (المتنبي يسترد أباه) حيث يتبين للمرء أن أبا الطيب (على عكس الروايات المتداولة بين المهتمين بالأدب) لم يكن وضيع النسب كما يحب أعداؤه أن يتهموه، وما كان من المتفاخرين الفارغين كما يحلو لكثير منهم أن يصفه، ومن العجيب أن مبدعاً مثل ممدوح عدوان قد فاتته هذه الحقيقة عن حياة أبي الطيب المتنبي حين كتب مسلسلاً تلفزونياً عن سيرته، لقد كانت حياة أبي الطيب المتنبي تنطوي على سر عميق، وكان صادقاً مع نفسه، وفياً لشعره، دفع حياته ثمناً لهذا الوفاء.
س 10 ـ في أي مكان وزمان تجد نفسك وإلى أي الأماكن تحن وتشتاق؟!.
أجد نفسي حيث يكون الصفاء، حيث تكون الشمس والعصافير والزهر، هناك يوجد الشعر، اشتاق إلى أرض الشعر، أرض الأحلام والسموات البعيدة؛ هل للشعر أرض، أم ستبقى أرضه بين الكلمات؟!.
س 11 ـ سر علاقة الإنسان بالمكان؛ وكيف تمظهرت هذه العلامة في كتاباتك؟!.
لا يستطيع الإنسان أن ينفصل عن المكان والزمان فهو محكوم بهما، ما دام حياً، وكذلك كانت علاقته بهما حتمية، وقد انعكس اهتمامي بالمكان المحيط في كتاباتي، وظهر ذلك في شعري عن مدينتي ولا سيما آثارها وبيوتها وشوارعها العتيقة، في ديوان (ماس الميماس) وديوان (دمع من تسكبين) خصوصاً؛ كما تجلى الاهتمام بالمكان لدي في استحضار الطبيعة وعناصرها الجميلة في كثير من قصائدي.
س12 ـ الهجرة والسفر والتشرد والحنين إلى مسقط الرأس وما هي برأيك أسباب وقوف الشعراء على الأطلال؟!
الوقوف على الأطلال حنين إلى عهد غاب ولن يعود أبداً، حنين إلى الأحبة وزمن الحب والورد.
س13 ـ الشاعر والفن والتشكيل بالأخص، وهل الشاعر رسام بالكلمات والأفكار والصور، وماذا عن الشعر والخيال أين الشاعرية وأين الشعر من وجهة نظرك؟!
حقاً، الشاعر رسام بالكلمات، فكما أن الرسام يعمل على تداخل الألوان، والموسيقى يعمل على تداخل النغمات، الشاعر يعمل على تداخل الكلمات يرسم صوراً جميلة، ولا بد للشعر من التخييل، لأنه جناحه المحلق.
س 14 ـ الكتابة للصغار والكتابة للكبار، سناً، المشترك والمختلف بوصفك تكتب قصصاً وقصائد للأطفال وللكبار، وأي الكتابتين أصعب برأيك؟!.
في الكتابة للأطفال أنت مقيد بقيود كثيرة، مطلوب منك أن ترعى القيم الجميلة والأهداف التربوية، ومطلوب منك أن تقول أجمل المعاني بأبسط الكلمات؛ هنا لا يمكنك أن تطير على أجنحة الخيال بعيداً، أو أن تستعرض عضلاتك اللغوية والتخييلية، كذلك أرى أن الكتابة للأطفال أصعب بكثير من الكتابة للكبار على عكس ما يظنه بعض الكتاب.
السيرة الذاتية:
* عبد الكريم يحيى عبد الكريم، عضو اتحاد الكتاب العرب ـ جمعية الشعر.
* شاعر وقاصّ وكاتب لأدب الأطفال.
* ولد في مدينة حمص عام 1963.
* درس الهندسة المدنية ويعمل في مجالها.
صدرت له الكتب الآتية:
ــ ماس الميماس ــ شعر ــ اتحاد الكتاب العرب ــ 2005م.
ــ دمع من تسكبين ــ شعر ــ اتحاد الكتاب العرب ــ 2007م.
ــ أصبح ليل ــ شعر ــ إصدار خاص ــ 2009م.
ــ الأصوات ــ قصص قصيرة ــ اتحاد الكتاب العرب ــ 2010م.
ــ عصفور في المدرسة ــ قصائد للأطفال ــ وزارة الثقافة ــ 2011م.
ــ الأرض تزهر من جديد ــ شعر ــ اتحاد الكتاب العرب ــ 2013م.