سعوديات خلف مقود السيارة (2)"
أحب شيء على الإنسان ما منعا"كنت قد وعدت – في ختام الحلقة الأولى – أن أكتب عن الموضوع من زاوية أخرى،بعد أن أديت حق (الانفعال) .. وهذه محاولة للوفاء بذلك الوعد .. قبل كل شيء أقدم اعتذاري عن الحلقة الأولى،إذ أن وجود ذلك الكم من القضايا الكبيرة {الصحة،والتعليم،والطرق،الفقر،البطالة ..إلخ} لا يعني تجاهل القضايا الأخرى،فالأمة تستطيع – أو يُفترض أن تفعل ذلك - أن تعالج جميع مشاكلها،دون أن تلغي قضية قضية أخرى.بعد الاعتذار .. يأتي دور (الشجب،والتنديد،والاستنكار) ... لــ(حملة العقال) – فما هكذا تُعامل الحرائر،ولا هكذا يعامل البشر - .. وبدرجة أقل أستنكر تعطيل صفحة (أبي حقوقي ما أبي أسوق) .. فهذا ضيق بوجهة نظر مخالفة،وهو أمر لا يليق. نعود للحديث عن قيادة المرأة السعودية – وهل هناك غيرها ؟! – للسيارة،وسوف نقف عدة وقفات :الوقفة الأولى : لاشك عندي أن المرأة (س) سوف تقود السيارة في وقت قريب ... أو البعيد ... وذلك لعدة أسباب :أ – لم تبق امرأة في العالم لا تقود السيارات،وهذا يولد لا رغبة في القيادة عند المرأة السعودية،بل يولد ما أسميه (شهوة القيادة) ... أي أنها أصبحت (غاية) وليست وسيلة،وأبرز ما يعبر عن تلك الشهوة،ما حكته لنا الأستاذة عائشة لمسين،عن السيدة نورا عجاجي : ( وهي امرأة خمسينية،متفتحة {!!!}،سعودية،اختارت الحياة هنا {في البحرين} منذ أكثر من عشرين سنة،وذلك،على ما قالت : "لأنني هنا حرة،أستطيع أن أقود سيارتي. ولما كان أولادي متزوجين،فإني لا أستطيع أن أستخدم سائقا في المنزل بنفسي" (..) ونعود حول الساعة الثامنة مساء. ونحن امرأتان اثنتان وحدنا،على طريق المنامة،في الطريق الشديد الازدحام بالسيارات. ونورا تقود السيارة (كرئيس) على كونها لا تقف عن الكلام. فتتعرج بها،وتتجاوز غيرها وتمضي إلى يمينه،بجرأة. أما السائقون فهم رجال مساكين أو غير مبالين. وحتى عندما تتجاوزهم أمام أعينهم،فإنهم يبتسمون لها.){ص 163 – 165 ( حُكم الأصوات : النساء العربيات يتكلمن) / عائشة لمسين / ترجمة : الدكتور حافظ الجمالي / دمشق / دار طلاس / الطبعة الأولى / 1987م}.تصورا .. امرأة تهجر بلدها لتسكن في بلد آخر من أجل أن تقود سيارتها بنفسها!!!!!!! ثم لا يغيب عنا وصف الكاتبة الجزائرية – جزائرية متفتحة {!!!} وهي زوجة رجل دبلوماسي،وقطعا لم تعاني المنع من قيادة سيارتها بنفسها - لرحلة عودتها برفقة السيدة (عجاجي) وكيف صورت تلك العودة،ووصفت الرجال بـ(المساكين)!!! ولم أستطع فهم وصفهم بالمساكين،إلا إذا كانت قيادة السيارة تمثل للنساء – كل النساء المحدثات على الأقل - شيئا يتجاوز الجلوس خلق مقود سيارة،للوصول إلى مكان معين!!ثم ننظر إلى عنوان مقالة الأستاذة نبيلة محجوب : (قيادة السيارة .. رغبة متأججة في الصدور)... هل هناك تعبير أكثر دقة من (رغبة متأججة)؟!! فهي لم تعد (رغبة كامنة)!!ب – قيادة المرأة لديها محرك ثلاثي القوة ... قوتين داخليتين : النساء،صويحبات الرغبة المتأججة،و(دعم) داخلي .. والقوة الثالثة هي قوة خارجية .. الحقيقة أننا أصبحنا (سيرك) يتفرج عليه العالم!! قادة المرأة السعودية السيارة أم لا؟ .. وبالأمس – الجمعة – كان من ضمن أخبار قناة (الجزيرة)،وإذاعة البي بي سي (القسم العربي) خبر تمديد سجن منال الشريف!!! صحيح أن الخبر ليس بأهمية أحداث سوريا أو اليمن أو ليبيا،ولكنه خبر يستحق الذكر ضمن نشرات الأخبار!! جــ : حاجة المرأة لقيادة السيارة،كلما رفض ولدها أو زوجها – لمن كانت لديها زوج أو ولد – إيصالها إلى مكان ما .. مباشرة سوف تفكر بالفرق لو كانت تقود السيارة بنفسها. الوقفة الثانية : مع احترام وجهات النظر المختلفة،وخصوصا من أهل التخصص .. إلا أنني أتعجب من (قياس) السيارة على (الحمار) – أو أي دابة أخرى - !!!!!!فهل سمعتم عن (حمار) انتهيت بطاريته فجأة،فاحتاج سائقه إلى (اشتراك)؟!! أو (بنشر)؟!! أو (نفد وقوده)؟!! فالقياس هنا مع (الفارق).ولكن إذ كان القياس هنا مع الفارق،فإن ذلك لا يمنع وجود أسباب أخرى لمن يحرمون القيادة على المرأة .. وهي أسباب تدور كلها من باب الحرص على المرأة – هل يغيظها ذلك أكثر؟!! – :أ – كثرة حوادث السيارات .. وكون القيادة ليست آمنة ... وهذا تحيز للنساء ضد الرجال،وكأن حياة الرجل لا قيمة لها!!!!! وهذا ليس جديدا!! حسب رأي الدكتور (صالح) كذلك يكون المخلوق الذكر في سوق الحياة .. إنه أرخص من الأنثى ثمنا(..) صحيح! .. صحيح أن الرجل صانع الحضارة،لكن المرأة صانعة الأجيال،وشتان ما بين هذا وذاك،فالرجل قد يبيد حضارته نتيجة لتهوره،في حين أن المرأة لا تبيد ما تحمل وتضع وتصنع.(..).ولا يختلف الأمر كثيرا في عالم الدجاج فالدجاجة أحسن من الديك،وحتى لحمها أطعم من لحم الديك (تماما كاللبان الدكر واللبان النتاية) .. ثم أن الدجاجة هي واضعة البيض،والبيضة بخمسة وثلاثين مليما .. وهي التي تحضنه ليفقس ويعطي كتاكيت .. والكتكوت يساوي خمسين مليما .. وهذا يعني أن الدجاجة من ورائها الخير والنعمة،أما الديك (..) ونحن أولى بلحمه .. وليحيا الدجاج ولتذبح الديوك! وانطلق في داخلي هاتف حزين : بائس عالم الذكور!){ ص 7 - 9}.{ الدكتور عبد المحسن صالح /( مسكين عالم الذكور)/ القاهرة / دار الشروق / الطبعة الرابعة / 1399هـ / 1979م}ب – أوردت الأستاذة قمراء السبيعي التالي،بعد أن تحدثت مطولا – وبالأرقام – عن كثرة حوادث السير .. فقد أكدت دراسة بريطانية علمية على أن قيادة المرأة للسيارة تعرضها للتلف ، حيث تمّ تطبيقها على عينة من النساء السائقات ، وتوصلت إلى أنّ ( 58 % ) منهن يتوفين قبل الأربعين ، و ( 60% ) منهن يصبن بأمراض نفسية ، وقالت الدراسة : أنّ قيادة المرأة لا تليق ولا تتناسب معها .). ج – في نفس الإطار،أي النظر إلى تجارب الآخرين .. إليكم وصف هذا الرجل ..( إنه الرجل المثالي : أنيق دائما،وصامت أبدا،وجاهز ليكون في أي مكان وزمان من دون أي تردد أو تباطؤ أو تساؤل. ولا مانع عنده في مناداته بأي اسم يخطر على البال. ومن المستحيل أن يشكل أي إزعاج أو إشكالات للذين يرافقونه في حلهم وترحالهم. لا،لا نتحدث عن إنسان كامل بعينه. فمثل هذا النوع من البشر من المستحيل العثور عليه في زمننا الراهن. كل ما في الأمر أن زيادة نسبة الجرائم الموجهة ضد السائقين المنفردين في الغرب (خصوصا السائقات) دفع باتجاه اختراع هذا الشخص .. الذي لا مانع عنده في الرجوع إلى حقيبته عندما ينتهي دوره. الاختراع الجديد اسمه "جوستين الحقيبة"،ويمكن تسميته "سامي الحقيبة" أو"أنور الحقيبة" حسب رغبة صاحبه أو صاحبته. وهو عبارة عن "راكب جاهز للسيارة"خلال لحظات قليلة،مصنوع من بالون بلاستيكي على هيئة رجل بكل ملامحه،ومعه قميص وربطة عنق وجاكيت،ونظارات حتى،لإعطاء مزيد من الواقعية للتركيبة كلها. المخترعتان إنكليزيتان،بريندا كليفورد وزيلا لوي انطلقتا من تجربتهما الخاصة عندما كانتا تتجولان منفردتين في سيارتيهما لظروف العمل. كان السفر الليلي وعلى الطرقات النائية يشعرهما بالتوتر الشديد والخوف سواء من حدوث عطل طارئ في السيارة فيطمع بهما الطامعون،أو من وجود سائقين يلاحقون السائقات المنفردات.وتقول زيلا أنها تعرضت قبل سنتين لحادث كاد يودي بحياتها،إذ لا حقها شابان بسيارتهما المسافة طويلة وعندما لم يتمكنا من إجبارها على التوقف صدما سيارتها بقوة ففقدت السيطرة عليها وخرجت من الحطام ببعض الجروح،واكتشفت بعد ذلك أنها ليست الوحيدة،بل كثيرات من معارفها تعرضن لحوادث مماثلة){ جريدة الحياة العدد 12403 في 12/2/1997م}. لا ننسى هنا أن الحديث عن التوتر الشديد،والخوف من عطل طارئ،في السيارة،هو حديث من قبل امرأة – أو نساء – تمرسن في التعامل مع الرجال،في مجتمعهن المفتوح ... وهذا يقودنا إلى الوقفة التالية .. الوقفة الثالثة : تحدث البعض عن النساء الفقيرات،وحاجتهن للمواصلات .. وهذا أمر (عجيب)!!! فهل يجهل هؤلاء أثمان السيارات الجديدة،والتي تكاد أن تتخطى حد المعقول؟!! فهل باستطاعة امرأة (فقيرة)،أو محدودة الدخل أن تشتري سيارة جديدة؟! أما السيارات (المستعملة) فهي (زائرة دائمة) عند (ورش الإصلاح) .. ويمكننا ببساطة تصور .. السائقات المنتظرات لمن يدفع السيارة .. أو يقطرها .. أو يصلحها .. ولا ننسى في باب معاناة الصرف على السيارة ... "قسائم المخالفات" و"التأمين" وقائمة لا تنتهي من المال الذي يصرف على السيارة – خصوصا القديمة - .. يعني باختصار .. ستكون هناك شريحة صغيرة من النساء،هي التي ستستفيد من هذه الضجة المقامة حول الموضوع ... هي فئة (الثريات) .. الوقفة الرابعة : لا يمكن الفصل بين (قيادة المرأة) وبين (الحجاب) .. وإن لم يتم الحديث عن ذلك – حسب اطلاعي – فالقضية إذا ذات بعد آخر في الصراع حول وضع الحجاب أو نزعه ... وقيادة المرأة للسيارة هي،في الغالب،تمثل نوعا من (تطبيق) خلع الحجاب .. الوقفة الخامسة : قليلة هي الحالات التي نرى فيها اتفاقا – أو شبه اتفاق – بين التيارين المتدافعين!! رغم السعي الحثيث للدفع نحو الاختلاط .. إلى أننا قرأنا من يتحدث – بغيرة وحرقة شديدتين – عن (خلوة) المرأة السعودية مع السائق .. ولا شك أن منع الخلوة،يمثل هدفا لإسلاميين أو الملتزمين،وهذه نقطة الاتقاء،يجب استغلالها ليكون هنالك هدف مشترك لكلا التيارين ... هو منع (الخلوة) ... هذا (مقطع) جاء مبتورا هكذا وبصراحة الفيديو مقنع جدا فلا توجد أي ذريعة دينية حقيقية تسمح للناس بأن يسمحوا النساء {هكذا} بأن يذهبن مع السائقين وتحصل الخلوة في حين أن بإمكانهن ..).{رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم،البريدية،الرسالة رقم (48) من المجموعة الثانية} كما جاء في قصة لإحدى الكاتبات : (قلت لرجلي : تخيل .. إنت بس تخيل : تحيل إني أكون أنا ورجال غريب في صندوق واحد لحالنا،أنفاسي يسمعها؟ قال : يا ساتر. قلت : أذا كذا كل يوم.قال بفجعة : أيش تقصدين؟قلت : بالسيارة مع السائق.قال : يا زينك ساكتة. {ثم وافق أن يعلمها كيف تقود السيارة}(قال : بس وين أعلمك؟قلت : بأي مكان المهم أمسك الدركسونقال : وش بينك وبينه هالدركسون؟قلت : أحبه.قال: وهو يحبك؟قلت : خله يجربني أول.){متى أجلس ورا الدركسيون وأسوق / خلود ksa}. في ضوء هذا الحرص على عدم اختلاط أنفاس الرجال بأنفاس النساء،يُفترض أن ينظر بعين العناية لأنفاس (الشغالات) أم أنهن بلا (أنفاس)؟!!! الوقفة السادسة : نتحدث كثير عن مجتمعنا (المختلف) .. ولكن (الاختلاف) أو (التميز) لا يأتي هكذا ... مثلا التعليم غير المختلط كان في حاجة إلى (عمل) .. عمل مدروس ومخطط له،كأن يتم تجهيز كوادر نسائية،تغني عن الشبكة التلفزيوينة،وإيجاد تعليم نسائي عالي الجودة،يجعل تعليم المرأة – غير المختلط – متميزا .. يغار منه الآخرون .. أما الحديث المجاني،فلا يقدم ولا يؤخر .. قضية قيادة المرأة السعودية للسيارة،أيضا في حاجة إلى (عمل) .. ليحصل الانتقال (السلمي) و (السلس) لانتقال المرأة إلى (سائقة) ... وذلك يقتضي إيجاد جهة تدرس كل حرف كتب عن الموضوع ... وكل فكرة طُرحت .. وإصلاح السلبيات التي تجعل القيادة خطرا على المرأة .. ليستقيم القياس بين (الحمار) – أو أي دابة أخرى – وبين (السيارة) ... وفي انتظار ذلك .. هناك فكرة المواصلات العامة،والتي طُرحت بشكل متكرر .. وفائدتها لا تقتصر على المرأة .. بل تعم البلد بأكمله ... أما قيادة المرأة للسيارة فهي قادمة لا محالة – فجحر الضب في الانتظار – فهل نصنع واقعنا بأيدينا،أم ننتظر حتى نُغلب على الأمر .. كما حصل .. وسوف يحصل في قضايا كثيرة؟!!! وبعد .. أستطيع تصور (رغبة) النساء في قيادة السيارة – "أحب شيء على الإنسان ما منعا" - .. ولكنني لم أستطع فهم (حرص) بعض الرجال في أن تقود المرأة السيارة،بصورة قد تفوق حرص المرأة نفسها على الأمر!!!!!! أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدنية المنورة في 25/6/1432هـ