منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    لها، لي، لا أعرف / وفاء

    لها، لي، لا أعرف


    ---------


    فعلاً لا أعرف، على حدِّ علمي أنَّها اغتسلتْ في حمّامي استخدمتْ منشفتي وعطري المفضَّل.
    نثرتْ بعض أريجهِ على طفولتها، راقبتْ تجاعيدَ صغيرة حول عينيها، ظلَّت مبحلقة في المرآةِ لدقائق باحثة عن طفولة ما أو نقاءٍ مخفيٍّ في أحد ملامحها، ارتدت ملابسها البسيطة وعاينت بلوزها القطني وبنطلونها الأزرق ثم علـَّقت حقيبة متواضعة على كتفها الأيمن، قبل خروجها من الغرفة وقفت برهة قصيرة قبالة المرآة كمن يريد إطفاء شمعة أو إضاءتها، سكن الجفن قليلاً انتفضت خارجة،
    نزلت السلـَّم مسرعة وخرجت.
    ما لا أعرفه أنَّ خروجها من الدار زامن خروجي بالضبط، فتحتْ حقيبتها، استخرجتْ مناديلَ ورقية، مسحتْ تحت عينيها وبسيرٍ متواصل اتجهت صوب موقف الحافلات.
    رياح اليوم ساكنة رغم تلبـَّد السماء بغيوم توحي بمطر غزير، النَّهار بشكل عام بين الرصاصي والصفرة، كلما تطلـَّعتْ إلى السَّماء وهذه عادة اكتسبتها منذ الطفولة وجدتها معبأة بالرعد والغيوم، تطايرت خصلات شعرها ناثرة عبير العطر في الهواء، رفعت عن خدها خصلة انحنت عليه ومالت إلى رقبتها وصعدت.
    على فمها حمرة بلون زهري وابتسامة شاحبة وفي عينيها نظرة تتابع الأزهار من زجاج نافذة
    الحافلة، دفق من ربيع يزهو على شفتيها كلما مرت الحافلة بالورد البلدي، تتسارع ضربات قلبها لتناغم ألوانه المتعددة تجعلها تحلم برفقة صديق أو صديقة، عند توقف الحافلة في محطة قصدتها أطلقت جسدها لهواء الشارع كقيثارة خارجة من حانة.
    تعـثـَّرتُ بمنخفض في الشارع، ما كدتُ أرفع نفسي عن الأرض حتى وجدتـُها أمامي تناولني حقيبتي بعد مسحها إيــَّاها من ماء مطر راكد في الحفرة، دافئاً كان وجهها، وجدتُهُ صورة لجدَّتي ورائحة أختي الكبرى، تسلــَّل قلبُ أمـِّي من نظرتها بحزنها المقوَّس الرقيق، ابتسمتُ لها وغادرتْ .
    لم أنو محلا ما أوجهة أتبضعُ منها كنت
    خارجة لقتل الوقت، أطفئه بصمتي ويطفئني بثقل دمه.كأنَّني أمشي في شارع لا حد له، أرى السوق بمحلاته مدينة مهدَّمة وأرى المتسوقين حشرات والباعة فئران كنائس مهجورة.
    في أحد مطاعم الوجبات السريعة طلبتْ سندويشاً من اللحم بالجبن احتستْ علبة كوكاكولا قبل انتهاء الوجبة، الأشجار دائماً تعطش لذلك يموت المُهمل منها بسرعة.
    وجدتـُها تستشف الحزن من وجوه الجميع لعلها تشعره دون كلام منهم أو إشارة تدل عليه.
    خرج أحدهم تاركاً بمكانه ارتجاج لحم طريّ فيما دخلت فتاة رائعة الجمال برفقة رجل أسود اللون، أكملت وجبتها، رمت بقايا الأكل في
    المكان المخصص له، تنفست بعمق حسرة جارحة وخرجتْ.
    الأشجار أيضاً تخرج من أماكنها حين تـُقتلع على يد حطـَّاب وتدخل البيوت لتدفئها بصمت، هذه رغبة الشجر يختزن دخانه لنفسه ويهب الدفء.
    الأشياء نفسها في العودة، نظرة من الزجاج المتسخ للحافلة، قبَّعات الركاب المبتلة بالمطر، الأشقر، الأسود، الأصفر، الأسمر، المريض المرتعش، أطفال، زهور شنقها أصحاب المنازل في أصص، فتيات صغيرات بملابس مدرسية، شقاوة طلاب متعفرتين، الممكن والنادر والغريب.
    كل الأشياء رجعتُ معها حتى عفونة جذوع
    الأشجار بتأثير المطر.
    ابتسمتْ جارتي الهندية وقت وصلتُ داري ودخلتْ بيتها بسبب صراخ طفلتها، فتحتُ حقيبتي لاستخراج المفتاح، وقعت مني فاتورة الكهرباء، تذكرتُ أنَّ لخروجي هدفاً لم أذكره ساعتها، ناولتني الفاتورة، أخذتْ المفتاح من يدي ودخلتْ.
    بخطواتٍ جريئة صعدتْ السلـَّم فتحتْ دولاب ملابسي خبـَّأتْ حقيبتها المتواضعة ارتدت نعلي الخفيف أعدَّتْ لها كوب شاي وجلستْ تتفرج على شاشة تلفازي ماسكة بيدها "الرموت كونترول"المتوتر مثلها. كلما دخلتْ على محطة خرج على الشاشة خنزير، أغلقتْ التلفاز وصعدتْ غرفة نومي، سألتـُها: مـَن
    أنتِ؟ أجابتْ:- لا أدري.
    أجبتـُها:
    -وأنا لا أدري.
    فعلاً لا أعرف...
    هل الدار لي أم لها، لا أعرف.


  2. #2
    رائعة اديبتنا القديرة..تركت لنا في عالم المفاجآت محطة نرتوي فيها من معين عطائك....
    أنتِ؟ أجابتْ:- لا أدري.
    أجبتـُها:

    -وأنا لا أدري.
    فعلاً لا أعرف...
    هل الدار لي أم لها، لا أعرف.

    قد نعتبرها من إرهاصات الرمزية اللافتة...
    ويمكنان وضع عدة معان للنص...
    وتثبيت

    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    العراق
    المشاركات
    2,207
    الأديبة القاصة الشاعرة وفاء ..

    أيامك سعيدة وكل عام وأنتِ بخير

    فرصة طيبة اتيحت لنا لنرتوي من جمال القلم .

    زادك الله بسطة في العلم والعمل قديرتي
    إِلبِس أَخاكَ عَلى عُيوبِه ------ وَاِستُر وَغَطِّ عَلى ذُنوبِه
    وَاِصبِر عَلى ظُلمِ السَفيهِ ------ وَلِلزَمانِ عَلى خُطوبِه
    وَدَعِ الجَوابَ تَفَضُّلاً ------ وَكِلِ الظَلومَ إِلى حَسيبِه
    وَاِعلَم بِأَنَّ الحِلمَ عِن ------ دَ الغَيظِ أَحسَنُ مِن رُكوبِه

  4. #4
    رائعة اديبتنا القديرة..
    تركت لنا في عالم المفاجآت محطة نرتوي فيها من معين عطائك....
    -----------------------------------------------------------
    الاديبة الغالية
    العزيزة ريمة
    هل يكون هناك اثنتان في واحده
    هل يكون انا اثنتان
    لو تعمقنا حولنا
    سنجدنا اما هذ ه واما تلك
    كل الود لقلبك الجميل






  5. #5
    فرصة طيبة اتيحت لنا لنرتوي من جمال القلم .
    زادك الله بسطة في العلم والعمل قديرتي
    --------------------------------------
    اخي الفاضل
    الاديب علي جاسم
    ابن امي الارض
    وابن الوطن الحلم
    لازلت ابحث عني في مابين الوطن وخارجه
    كل الود لحضورك الجميل

المواضيع المتشابهه

  1. أول مره أعرف
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان الافتاءات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-20-2017, 06:08 PM
  2. أعرف، أريد أن أعرف، تعلمت.. بين التعليم والتعلم
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-30-2017, 03:40 PM
  3. نفسي أعرف
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 08-06-2015, 12:34 AM
  4. ما كنت أعرف العكس
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-23-2013, 09:34 AM
  5. أعرف منظمة تحريرك، وقرر مصيرك
    بواسطة د. فايز أبو شمالة في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-01-2012, 03:43 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •