عن مفهوم النص في الأدب الرقمي
--------------------------------------------------------------------------------
عن مفهوم النص في الأدب الرقمي ؟
عرض : بيير بوتز
ترجمة : عبده حقــي
يأخذ الأدب الرقمي أشكالا مختلفة ومتعددة .. أشكال كلها تسائل مفهوم النص وتسائل أيضا أدواركل من الكاتب
والمتلقي ..هذان الطرفان اللذان يشكلان أهم مبحث في الأدب الرقمي الراهن . فالأعمال الأدبية الرقمية تتمايز
بنظام (الأدبياتية الناشئة) ( Litterarité imérgente ) بمعنى أنه ليس هناك إلى حدود اليوم نموذج نصي رقمي مثالي ثابت مثلما هوالشأن في الرواية أو القصيدة السونيتة (العمودية) اللتين تسعفاننا على تحديد تعريف لهما بشكل دقيق.
تعريف كلاسيكي للنص.
لقد كتبت العديد من الدراسات حول مفهوم النص ولايسع المجال هنا لمقاربة هذا المفهوم في شموليته ولذلك سنحاول ملامسة تعريفه المتداول ، البراغماتي ـ الذي سيمكننا من تحديد ماهيته . يقول رولان بارت :
(( ما معنى نص أدبي في التعريف العام ؟ إنها المساحة الظاهرة لعمل أدبي .. إنه نسيج الكلمات التي يتشكل منها المتن الأدبي .))
إن هذا التعريف البارتي يؤكد بشكل قطعي على أن وسيط النص هو ذوطبيعة لغوية وأن وحدة قاعدته هي الكلمة .
إن مولدات النص التركيبية أوالأوتوماتيكية والنصية المترابطة والخيال النصي والتنويعات النحوية كلها
تحتوي على نصوص تستجيب لهذا التعريف البارتي . وخلافا لكل ما سبق يبدوهذا التعريف غيرمطابق في
حالة تشخيص خاصيات جل القصائد المتحركة ( Poémes animés ) مثلا القصائد الرقمية أوالمطبوعات
المتحركة وأيضا بالنسبة للأعمال التفاعلية ، فهل من الحكمة الأدبية حشرهذه الأجناس الأدبية الرقمية في
خانة التعريف البارتي السابق ؟ ثم ألا نخاطربإقدامنا على اختراع مفهوم جديد مثلما إخترعنا مفهوم الإبيرميديا بكل سهولة ؟ لماذا نطرح هذا التساؤل ، لأن التعريف البراغماتي الكلاسيكي للنص الذي وظف ضمن مفهوم النص المترابط قد كان تعريفا ضيقا وأكثرمحدودية .
هل هذا التعريف للنص تعريف عالمي ؟
إن ملاءمة التصورالكلاسيكي للنص قد تطوربتطورجنس الرواية التي ظهرت كجنس سردي مستقل في نهاية
العصرالوسيط بفضل التقدم التقني للمطبعة ؛ فالبنيات السردية الطويلة تتطلب إستقرارا واستمرارية للنص لأنها تتجاوزإمكانيات الذاكرة الإنسانية في قدرتها على التخزين التي لاتتجاوزسعتها الزمنية مدة وجيزة .
ولهذا السبب فاليوم وفي غالب الأحيان كثيرا ما نعتبرالأدب نظيرالرواية . وانطلاقا من مقاربات مختلفة فإن الأشكال التي تشتغل على اللغة هي الأشكال التي تم إقصاؤها من منظومة الأدب من طرف بعض المهتمين بأسئلة الأدب الذين جعلوا من هذا المفهوم ( تسمية مضبوطة ومحصورة ) ، ولهذا فإن أغلب الشعراء القدماء في أوائل القرن العشرين يجدون أنفسهم خارج التصنيف الجنسي في مجال الأدب للإعتبارات التالية :
ــ إدراجهم لبعض الوسائط غيرنصية خصوصا الصورة التي يبدعونها في مختلف وضعياتها الإستعارية ، ففي
تلك الأعمال الشعرية تستثمرالبنيات النصية خاصيات الصورة وخاصيات النص الشعري .
ــ على غرارالقصيدة الغنائية تستعمل هذه البنيات الحرف أو رموزا غريبة عن الأبجدية باعتبارها عناصر
أساسية في المتن .
ــ لأن هذه البنيات تعطي مكانة أساسية للسمعي وتعمل على بنينة بعض الأصوات القابلة للتمثيل الشفهي
خلال قراءتها .
بينت مجموعة من السيميوطيقيين تدعى مجموعة ( MU ) أن أعمال بييرغارنيي تشتمل على بنيات بلاغية ؛
لذا يجب إذن القبول بأن نتصورأن النص يمكنه ألاّينحبس في التصورالكلاسيكي ، ومن جانب آخرنرى أنه في
العصرالوسيط قد تم مزج الصورة والنص في المنمنمات والزخارف والقصائد المجسّمة (الكاليغرامات)
وفضاءات النص . وفي هذه الأعمال كما نلاحظ لايتأسس إبداع المعنى على الخصوص على الوسيط اللغوي .
يمكن إعتبارأن النثريشتغل على اللغة من خلال منطوقات لغوية بينما تشتغل الأشكال الشعرية الجديدة على اللغة
في مختلف علاقاتها بالمنطوق ، بمعنى أن النثرينتج معناه بواسطة اللغة بينما يطرح الشعرسؤاله حول مكانة اللغة في إنتاج المعنى ، وهاتان وضعيتان مختلفتان تماما . إن النثرنشاط أدبي يتمركزحول النص بينما الشعر
يتبدىّ مثل نشاط أدبي غيرأنه وخلافا للنثرفهويتمركزحول علاقته بالنص .
حقا إن إقحام وسائط غيرلغوية أومقاربة النص( المفردة والجملة) يفصح عن حذرعام بخصوص المنطوقات اللغوية ويطرح بشكل مباشرعلى المتلقي سؤالا أساسيا هو: ماذا تصنع بلغتك ؟
كل الحركات الشعرية في القرن العشرين التي إشتغلت في هذا الإتجاه قد قامت بذلك ردا على لغة الخشب وعلى الخطابات التوتاليتارية . إن هذا البعد السوسيوسياسي يحضربقوة في بعض الأعمال الأدبية الرقمية ، خصوصا تلك التي تهتم أساسا ب ( بفن الشفرة ) .
يبدوإذن من المستحسن أن نقارب الشعربصفة عامة والأدب الرقمي بصفة خاصة وأن نعود إلى التعريف السيميوطيقي العام للنص باعتباره نسيجا من العلامات . إن النص هو مجموع العلامات التي تتبادل في ما بينها
علاقات بدون أفكارعن الطبيعة السيميوطيقية لهذه العلامات الشخصية ؛ وسنستعمل في ما بعد مفهوم ( نص لغوي ) عندما نريد أن نبين التعريف الكلاسيكي . فإستعمال كلمة نص لوحدها تعني علاقتها بالنص السيميوطيقي.
هل الأدب الرقمي هوأدب فن النص ؟
إن جهازالتواصل قد وضع بشكل أوسع من أجل الإسهام في الأدب الرقمي ، وقد رأينا في ما سبق وفي العديد من المرات أنه بإمكان هذا الجهازومن داخل الأدب أن يلعب دورا أساسيا من خلال التغييرالعميق لفعل القراءة ولنشاط الكاتب وذلك بإدراجه في النص عناصرلاتنتمي للمنطوقات ، مثلا القراءة كما هي في ( جمالية الكبت)
وهناك إختلال جديد تمظهربخصوص شعرالقرن العشرين ، وعلينا ألاّ نعتبرأن النشاط اللغوي الذي ينتجه الأدب الرقمي يظل مركزا على العلاقة بالنص ويمكن أن يتبأرحول العلاقة التي ينظمها القارئ مع لغته ، إنه
يتبأرفي غالب الأحيان حول علاقة المستعمل L’usager أكان قارئا أم كاتبا وكذلك على قدرة فعل اللغة
( بفضل البرنامج ) . إن هذا الأدب الرقمي يتمحورحول جهاز، وأدب كهذا يماثل كثيرا دورالمنطوق إلى درجة تجعل وجوده في بعض الأحيان أساسيا أكثرمن دلالته .
هكذا إذن تكون الخاصيات الثلاث التي تقعّد للنص الكلاسيكي محصّنة ، بيد أن وضعها قائم بطريقة مختلفة : فاللغة تأخذ دائما مكانتها المركزية في المنطوق ، الذي يبدو خطيا وواضحا غيرأن بناء الصورة وعرضها يقوم على الكلمات التي تحدد أجزاء هذه الصورة ... كما أن قصدية الكاتب تظل متمركزة على عمل اللغة ؛ كما أن
بنيات العمل الأدبي تجد تمفصلاتها حول تصورما للغة ، إلاّ أنه في منطق المسارات الأدبية في القرن العشرين لم يعد النص حاملا للدلالة ، كما يمكن أن نؤكد أنه لم يكن قط حاملا لمجموع دلالاته ، إنه يقتسم تدبيرالمعنى مع عناصرالجهاز.
إن الأدب الرقمي لايشكل فن النص لكنه يشكل فن العلاقة باللغة . وبهذا المعنى فإن كل أدب رقمي بما فيه الخيالي يمكن أن يشكل ويعتبركحالة شعرية خاصة والخيال هوأيضا باعتباره حاملا لعمل خاص حول البنيات السردية والروائية .
إنفجار النص
إن التعريف السيميوطيقي للنص يمكننا من تجميع كل المؤثرات المتعددة الوسائط في النص كما أنه يمكننا
من كشف شامل لكل العلامات الأبجدية ؛ ويجب أن نشيرمرة أخرى إلى أن للأعمال الأدبية الرقمية
نظام (الأدبية الناشئة) . وكما سنرى بالتفصيل في هذه الدراسة ، فالنص في التعريف السيميوطيقي قد تفجرفي
شكل العديد من الموضوعات . ليست هناك وحدة للنص الرقمي مثلما هي متواجدة في الكتاب المطبوع . إن هذه
الأشياء تتواجد في العديد من مواقع ومساحات الجهازالتواصلي ، وبذلك يفقد النص تدفقه .. ولهذا السبب تنعدم إمكانية وضع تصورعالمي للنص ؛ لأن هذا الأخيريتغيربالنسبة لنفسه وبالنسبة للآخرين وعلى مستوى مساحته
وحافزه كما أنه يتغيرمن قراءة لأخرى . وفي ظل هذه الشروط يوجد هناك دائما فصل وفك إرتباط بين الخطاب الذي يحمله العمل الأدبي ومحتواه ؛ وللوصول إلى الخطاب علينا أن نأخذ بعين الإعتباروبشكل أوفرمختلف الملفوظات فضلا عن نوع من العلامات التي توظف بشكل أقل في الأعمال الرقمية : إن الأمريتعلق هنا
بسيرورات وأعمال الفاعلين في التواصل ، مثلا لقد رأينا أن الحركة(السيرورة الفيزيقية) تلعب دورعامل في
القصيدة الغنائية الرقمية .. كما رأينا أيضا أن الإبحاربماهوفعل القارئ يشكل علامة في الخارج ـ نصية
وهناك ظواهرأخرى من هذا القبيل قد تم توضيحها على مستوى تحليلنا للأعمال التي قمنا بها في هذه المعطيات القاعدية.. إن هذه الأصناف من العلامات تنتمي إلى النص على مستوى التعريف السيميوطيقي .
أين النص ؟
طرح هذا السؤال الإشكالي يعود أساسا إلى تساؤلنا حول موضوع آخرهو : أين توجد العناصرالمشكلة لمعنى العمل الأدبي ، وبتعبيرآخرأين هي العلامات ( بما هي الوحيدة ، القادرة على خلق وتحريك المعنى ) في العمل الأدبي الرقمي ؟
في العنصرالإنتقالي الملحوظ
يعتبرالبعض أن العنصرالإنتقالي الملحوظ ( ونعني به كل مايتمظهرعلى الشاشة وكل ما يرسل عبرمكبرات الصوت) يشكل النص . وهذا من دون شك هوالنظيرالطبيعي للنص الكلاسيكي .
إن تصورا مثل هذا يشكل عائقا كبيرا : حيث أنه يقصي الموضوع الإنساني ويؤدي إلى تصورميكانيكي محض لمفهوم النص . وفي الحقيقة هوليس في حاجة لما هوإنساني كي يعالج معلومة من هذا الصنف ؛ فالآلة يمكنها أن تقوم بهذا الدور. مثلا إن أي حاسوب مصحوب بكاميرا ولغة للتعرف على الحروف يمكّننا من القراءة على الشاشة . و تعريف مثل هذا يقودنا حتما إلى قاعدة ( ألان تورانغ) مخترع مفهوم البرنامج المعلومياتي الذي يقول:
« هناك آلة واحدة فقط بإمكانها أن تقدروتهتم بأي سونيتة(القصيدة العمودية) مكتوبة بواسطة آلة أخرى »
وبالفعل فليست هناك آلة بمقدورها أن تعطي وضعا إعتباريا ل (سونيتة) مكتوبة غيرآلة أخرى . إن التصور
الآلي يهمل الدورالأساسي لعلم النفس . إن هذا التصورينسى كذلك أن العلامة ليست شيئا معطى بل إنما هي شئ يبنى وينشأ من طرف العنصرالذي يتصورها . وهذا أمرصحيح أيضا على مستوى التعريف اللغوي للنص .
التصورالآلي غيركاف يجب إذن إدراج الإنساني في العمل الأدبي الرقمي وكذلك مفهوم (إنشاء العلامة) من خلال معطى ما..إنه مجرد إنشاء هذا المعطى (العنصرالإنتقالي الملحوظ) سيبدوكحافزللعلامة .
في النص/المرئي
النص/المرئي هو النص الظاهرمن خلال (الإنتقالي الملحوظ) . ففي التصورالمتمحورحول الموضوع الإنساني لايكون (الإنتقالي الملحوظ) سوى حافزللعلامة بينما حينما نتكلم عن النص فإننا نلمح إلى الدال وليس إلى الحافز.
وخلافا للآلة فالفاعل الإنساني سيعمل على إقحام بعض التمايزات بين مكونات (الإنتقالي الملحوظ) باعتبارأن ليس لها نفس النظام ؛ فهناك جزء يمكن أن يتمظهركسطح خارجي للنص وأما الجزء الآخرفسيكون على شكل مثيلات رسومية .
لايوجد نص/مرئي من خلال تعريفه إلاّ بعلاقة بين الإنسان الفاعل و(الإنتقالي الملحوظ) ..إنه يشكل في الحقيقة جزءا من العمل الأدبي يتآصرعلى المستوى السيميوطيقي مع النص المطبوع ، وبالتالي فإن هذا الأخيرهوما
نتحدث عنه عندما نتحدث عن أدب « الشاشة » وليس عن العنصر« الإنتقالي الملحوظ » .
إن هذا الأدب باعتباره « أدبياتية ناشئة » فإن تتخيم (النص/المرئي) يرتبط بشكل أوسع بتصورات القارئ والمتلقي عموما .
هناك قارءان بإمكانهما كشف واستغوارنصين مرئيين مختلفين في نفس إطار(الإنتقالي الملحوظ) ؛ فالواحد منهما يمكنه مثلا أن يعتبرأن أجزاء الرابط السطحي قد تنتمي للنص/المرئي عضويا عكس مايراه الآخر.
إن الأمريتعلق هنا بظاهرة متماثلة مع إختيارات النصوص الممكنة مع المئات الآلاف من قصائد الشاعر (رايمون كونو) 1961 ؛ وحسب تحديدنا بأن اللسينيات Languettes تنمتي أم لا للنص/ المرئي ففي
الحالة الأولى فإننا نستعمل أنموذج متعال ل( الكتاب/ الموضوع) من أجل إنشاء هذا النص/ المرئي ، أما في الحالة الثانية فإننا نستعمل أنموذج ( السونيتة) . إن النص/ المرئي لايخضع لبنية ما تنسحب على النصوص/
المرئية الأخرى لأن نفسية القارئ تعمل على إقتحام النص ؛ وهذا ما يحصل تماما في الأدب الرقمي : النص/المرئي ينشأ من خلال أنموذج معلوم مسبقا وتتخيم النص/المرئي من طرف القارئ هوعملية أساسية في إنشاء وبناء المعنى وفعل القراءة كذلك ، إن هذا التتخيم يضع كل تصورالقارئ حول الجهازالتواصلي وبالتالي
كل ثقافته .
تماثل النص/المرئي بالنص الأدبي مسألة تتعلق بوجهة نظرالقارئ . إن القول بأن النص بالمعنى السيميوطيقي للمفهوم يبنى أساسا على النص/المرئي يعود إلى تمييزنا للعناصرالملحوظة أي العلامات المكونة من الوسائط العادية : الكلمات ، الصور، الأصوات . إن هذه الوضعية تتعالق مع الأنترميديا .
الأعمال الأدبية التي من خلالها يقرأ النص/ المرئي على بلاييرPlayer والتي لاتستعمل البرمجة إلاّ في لحظة تصورها تسمى ( متحققة بواسطة الحاسوب ).
هذا الفصل يضم مجالا واسعا من الأعمال الأدبية التي تقترح على القراء اليوم في شكل (ملفات فيديو) أو
(ملفات صوتية) ، إنها تستعمل الوسيط الرقمي بمرونة ويسرومن جانب آخرفالنتيجة قد تأتي مخيبة ومتدنية
على حاسوب القراءة بسبب ضغط المعطيات بينما كان من الممكن ألاّيقع هذا التدني لوأنه تم توظيف جهازفيديو
أوجهازصوتي؛ فبالنسبة لهذه الأعمال فإن الوسيط المعلومياتي يصنع وسيطا معلومياتيا ثانيا .
في النص/المؤلف :
بعض المؤلفين الذين لايشتغلون أساسا قصد ترسيخ أسمائهم على الشاشة ومع ذلك يعتبرون أن الشفرة الإعلامياتية لبرنامجهم هي التي تشكل النص . إنهم إذن يبدعون برامج معلومياتية تحتوي على قواعد نحوية ،
تركيبية صحيحة على مستوى اللغة البرمجية التي تم توظيفها في الكتابة لكنها فوق هذا تشكل قصائد مرئية بصرية بالمعنى الشعري المرئي والمحسوس . تلعب اللغة هنا في هذه الموضوعات دورا مزدوجا ، إنها في نفس الوقت طبيعية ومعلوماتية كذلك ، فالبنسبة لهذه الأعمال فسواء إشتغل البرنامج أم لم يشتغل فالوسيط المعلومياتي يكون هام وأساسي بقوة ؛ بمعنى أنه ليس في حاجة كي يحيّن بواسطة تنفيذ البرنامج. إن الوسيط
المرجعي بالنسبة لهذه الأعمال يكمن في الكتاب كما أن العمل يتكون من جدولة Listing البرنامج . فهويملك نظاما مزدوجا : إنها الأعمال الرقمية بالمعنى الذي حددناه سالفا حيث البرامج تشتغل بواقعية لكنها أيضا أعمال قد تم تصورها بالنسبة للكتاب حيث أن شفرتها المعلومياتية هي التي تصنع النص .
في رأي العديد من المؤلفين فإن المعطيات المستعملة عن طريق البرنامج تشتمل على نصوص لغوية مختلطة
أومشوهة على مستوى (الإنتقالي الملحوظ) وهكذا فإن اختبارملفات العمل تمدنا في بعض الأحيان بضوء
نصي مختلف عما نراه على الشاشة ، مثلا إن قارئ فقرة ( بوتز) لايقرأ سوى 50 بالمئة من المواد النصية التي أبدعها المؤلف ومن خلال تفتيش للملفات يصل إلى نصوص لغوية تامة(إنها ليست بشذرات) التي لن يراها
من بعد في (الإنتقالي الملحوظ) .
إن هاتين الوضعيتين تشتركان في شئ واحد هو وضع النص في الملفات التي أبدعها المؤلف والتي تعطي
للنص معنى ولاتعطيه للحاسوب . هذه العناصرالتي تعبرعن ثمرة عمل من أجل ترسيخ إسم المؤلف على الشاشة هي التي تسمى النص/المؤلف .
النص/المؤلف إذن هو مجموع المواد التي أبدعها الكاتب من خلال اللغة التي يفهمها.. وبالتالي فوسائط
(النص/المؤلف) ليست وسائط ثنائية يمكن أن يشمل(النص/المؤلف) صورا تعتبربمثابة صوروليست ملفات ويمكن أيضا أن يشمل أصواتا وبرامج وكلمات . النص/المؤلف ليس معلومة رقمية إنه يبقى نصا واضحا .
والقول بوجود النص داخل(النص/المؤلف) يعود إلى تفضيل الموضوع المنجزمن طرف المؤلف .
في النص/المقروء
يعتبرالنص/المقروء هوالتمثل الذهني الذي يكوّنه القارئ عن العمل الأدبي . إن هذا التمثل معقد وهويتطورمع
مرورالوقت ، ويحتوي في جانب آخرعلى إعادة بناء ذهنية لما يعتبره القارئ نصا .
وانطلاقا من خاصية نسبية(النص/المرئي) فإن هذا التمثل يتكون من خلال المواد المقروءة في لحظة ما على
سطح الشاشة . إن هذا التمثل يتضمن وضع علاقة بين مختلف النصوص/المرئية المقروءة في لحظات شتى . لايختزل النص/المقروء في مجموعة من خانات الذاكرة الثابتة والقارة ، إنه يدمج كل المراحل المنجزة في ذاكرة العمل بواسطة القارئ ؛ ويمكننا القول أن هذا النص المقروء كيان مطابق لنظرية السيميوطيقا وعلم النفس الإدراكي..أما في حالة النص المترابط فإن هذه العلاقة تحدد سردا متفردا يسميه ( بييرباربوزا) ب
( ميتاــ سرد) وفي المقابل في حالة المولّد الأوتوماتيكي « البالبييني» ( نسبة إلى المفكرجون بييربالب) لايمكن
إنشاء مثل هذا الميتانص ، ف ( بالب ) يفرض هذه الإستحالة قصد إرغام القارئ على إعادة الإعتبارلأساليب قرائته.
أما في حالة القصيدة ذات القراءة الأحادية فإن الإشتغال على إعادة القراءة يتأسس على عامل قرائتين لنفس
النص/المرئي الذي لن تسعفهما خاتمته على قراءة نفس الشيء لأنهما لايملكان نفس التمثل الذهني للعمل
الأدبي وبالتالي النص/المقروء.
إن النص/المقروء يشتمل بالنسبة للكاتب الذي أنشأ المراحل السابقة على العديد من مرجعيات الوضعيات الموجودة بينما لايمكن مشاهدة هذه المرجعيات بالنسبة للقارئ الذي يشبه مسافرا يركب قطارا وهوسائر .
إدراج النص داخل النص/المقروء يعود إلى تبني موقف سيميوطيقي/إدراكي وذلك بتبنينا لوجهة نظر القارئ
لأنه هوالقادرعلى إنشاء النص/المقروء . وتبني هذه (السيميو/إدراكية) يبين أن العلامة لم تعد محدودة في المحفزات المادية ، ويمكن أن تكتسي محفزات سيكولوجية ك(موجات دماغية) ؛ وهذا الوضع يعمل على تقزيم دورالوسائط في تشكيل العلامات لكنه يعطي مكانة هامة للمتخيل ويجعلنا من جهة أخرى نخشى على العمل الأدبي بسبب تفضيلنا لإنشاء بنيات دالة في الذاكرة على المدى البعيد والمعالجة المعرفية للقراءة ؛ حيث
النص لن يعتبركمجموعة من العلامات الخارجية ولكنه يأخذ شكل بناء ذهني لايوجد سوى في ذاكرة قارئ النص .
في النص/ المكتوب
النص/المكتوب هوالتمثل الذهني الذي يكونه الكاتب عن العمل الأدبي . وهو بمثابة النص/المقروء في نظر
الكاتب . فالنص /المكتوب مثل النص/المقروء يتضمن تمثيلا للجهازالتواصلي وللدورالذي يقوم به وأيضا الدورالذي يقوم به كل فاعل أكان كاتبا أم قارئا أم متدخلا تقنيا ، كما يتضمن التمثل الذهني الذي يكونه كل من هؤلاء الفاعلين عن فاعلين آخرين( كاتب ، قارئ ، مساعد/تقني للكاتب ) بعلاقتهم بالعمل الأدبي .
هناك بعض الأساليب التي تشتغل على نشاط الكتابة نفسها وبعض الخاصيات الأساسية للعمل الأدبي لاتوجد في
بعض التمثلات كما أنه لايتم تشويرها في خاصيات (الإنتقالي الملحوظ) مثلا بواسطة حضورأوغياب الوسيط
كما يبين ذلك عمل Simulation ل ( فيليب بوتزومارسيل فريميو) سنة 2004 .
في (جمالية الكبت) تعتبرالقراءة كعلامة للنص . إن تصورالكاتب أي النص/المكتوب للعمل الأدبي الرقمي يتم إستنطاقه على مستوى تعاليق للكاتب وليس على مستوى (الإنتقالي الملحوظ) .
وإعتبارالنص حاضرا في النص/المكتوب يعود إلى إعطاء وزن لقصدية الكاتب في تقديريروم لما سيفعله وليس لما فعله .
هذه العودة إلى قصدية الكاتب تجعلنا نفكرفي التصورالروائي الذي أفرزأجيالا من التلاميذ والطلبة الذين يتساءلون باستمرارعما يروم الكاتب قوله . وهذا مع ذلك لاعلاقة له بالروائية في الأدب الرقمي ولايرتبط بأي
مفهوم للعبقرية أو الإلهام .
إن الإلمام بقصدية الكاتب يبدوضروريا من أجل معرفة الطرق والأساليب التي ذكرناها سابقا ومعرفة أيضا بأن مانراه ليس عملا من إبداع الكاتب .
إن خاصيات الوسيط الرقمي تسبب إنحرافا رقميا كما يبدو ، ومن الواضح معرفة مشروع الكاتب بهدف إدراك هذا الإنحراف الناتج عن الآلة . بمعنى آخرأن كل قراءة غيروجدانية ( أي تجعلنا نحدد موقفنا هل نحب أم لا
العمل الأدبي ) كل قراءة لعمل أدبي رقمي لايمكن تخطيها أوتجاوزها من طرف المتحفولوجيا أومن طرف القراءة الجينية التي تحاول البحث عن الهيأة الأصلية للنص .
والقول بوجود النص في (النص/المرئي) و(النص/الكاتب) و(النص/المقروء) و(النص/المكتوب) يعود إلى الأخذ بعين الإعتباركل وجهات النظرحول النص ( سواء أكان النص الذي يمايزالكاتب أوالموضوع أوالقارئ ) وإيلائهم إهتماما متساويا .
يتعلق الأمرإذن بالمقارنة الأكثرشمولية ؛ وهي مقارنة غيركافية . لقد رأينا أن بعض الأعمال على غرار
( أقتلني ) للكاتب ( إيريك سيراندور2000 ) تستعمل كثافة (كمدة) الآلة التي تمنع الكاتب من إدراك (النص/المرئي) . يجب إذن الأخذ بعين الإعتبارالعلاقة التي تربط بين هذين الكيانين .
في شمولية ( مجال النص)
يبين السانتيكس أن النص لايتحدد في أحد المواضيع التي حددناها من قبل . إن مستعمل القرص المدمج يوجد في وضع يمكن أن نسميه ( الكاتب/القارئ) . إنه يخلق (النص/الكاتب) في ملفين يستعملان كمعطيات بواسطة البرنامج . إن (الكاتب/القارئ) هو كاتب (النص/الكاتب) للمولدات التي تم تصورها باستخدام آلية السانتيكس
لكن باعتباره قارئا ، فالنص بالنسبة له يتموقع في(النص/المرئي) بواسطة القرص المدمج . إن هذه الوضعية المزدوجة التي تفصح عن تكثيف الوظائف « كاتب » و « قارئ » في لفظة (كتابة/قارئ).
إن مفهوم (كتابة /قارئ) لايمايزأية من هاتين الوظيفتين الواحدة على الأخرى ولاينكر ترحيل النص على
متن الكيانين الماديين المتواجدين في الأطراف الواحدة عن الأخرى .
غيرأنه بإمكاننا أن نذهب بعيدا ونعتبرأنه من خلال عملية الإنجازيحول البرنامج النص/الكاتب إلى النص/المرئي . وهذا الإنجازيشكل المكون الأساسي لهذا التحول وغيره من التحولات . هذا التحول يأخذ
في الإعتباركل المعطيات التقنية والسيكولوجية مثلا:
ـ إن أرمزة النص/الكاتب ، الموضوع المكتوب من شفرة واضحة ومفهومة إلى شفرة ثنائية جلية وواضحة بواسطة الآلة لاغير. هذه الأرمزة أيضا تتحقق خلال العملية التقنية الخاصة بترجمة البرنامج إلى ملف ثنائي أو خلال عملية تفسيرغيرمترجمة .
ـ التحويلات الداخلية وبروتوكولاتها التي تنشئ الإنتقالي الملحوظ من خلال تنفيذ الشفرة الثنائية .
ـ القرارالسيميوطيقي الذي يعتبرأن أي عنصرفي الإنتقالي الملحوظ ينتمي للنص/المرئي وأن أي عنصر
آخرلاينتمي له .
ولهذا فإن هذا النموذج النظري المسمى نموذج إجرائي الذي يصف هذا الميكانيزم قد سمّى هذا التحول ب
(وظيفة التولد) وليس(إنجاز) لذا لايجب الخلط بين هذه (الوظيفة التولد) ـ بمعنى نموذج إجرائي ـ ب
(وظيفة التولد) الخاصة بمولّد النص التركيبي أوالأوتوماتيكي . ففي مولد النص يكون التولّد هوتطبيق لقواعد النموذج اللغوي قصد القبض على النص المولد .
تتشكل وظيفة التولد من مجموعة من العمليات الفيزيقية ( ترميزرقمي ، تنفيذ ) وسيكولوجية تحول النص/الكاتب إلى نص/مرئي .
التولد كما حددناه هو مسارفيزيقي معقد وليس مسارا لوغاريتميا على غرار( وظيفة التولد) لمولدات النص ؛ إنه ـ التولد ـ يرتبط وظيفيا بآلتين مختلفتين على الأقل : آلة القارئ التي ينفذ فيها البرنامج وآلة الكاتب التي تم فيها إتمام النص/الكاتب . التولد ليس عملية ثابتة في الزمن ، إنه يدمج الإنحراف الجمالي للعمل الأدبي . وهذا الإدماج قد تمت نمذجته ـ صنعه ـ بواسطة فعل داخلي أثرفيه أي في الإدماج وهو الفعل الذي يسميه النموذج الإجرائي ( سياق القراءة ) الذي تشكل من خلال الهامش بين الخصوصيات التقنية لآلة الكاتب والقارئ . إن هذا الهامش هوالذي أوجد هذا الإنحراف .
يتشكل مجال النص من النص/الكاتب وظيفة التولد والنص/المرئي ، كما يتضمن هذا المجال أيضا المعطيات
الناتجة ؛ ويتعلق الأمربالمعطيات الدائمة التي أنتجها البرنامج خلال عملية التنفيذ ، مثلا ( الكوكيزات) أو
التسجيلات التي تم إنتاجها في قاعدة معطيات والتي تتوجه للآلة فقط وليس للقارئ ؛ كما يتضمن هذا المجال معطيات القراءة التي تم إدراجها بشكل عرضي من طرف القارئ/الفاعل ، مثلا الجمل التي يدخلها في الشاشة ليملأ حقول النص .
أخيرا إن هذ المجال كما هو في وضعية التواصل يفرق بين القارئ والكاتب ؛ إنه يتضمن موضوع
(النص/الكاتب) ووضع (النص/المرئي) ومسارا فيزيقيا (التولد) الذي يملك خصوصيات فعل منطقي، رياضي ، سيميوطيقي ومادي ، وهوأيضا يجسد مجموع الخاصيات التي تحدد ماهية العمل الأدبي الرقمي .
إنه يشكل المعادل المادي الأرقى في الوسيط الرقمي للنص المطبوع حينما نعتبرأن هذا الأخيرهو في وسيطه
ذاك كائن دائم ومستمرمتوج بآلية وبموضوع تفاوض ضمن إطارتواصلي بين الكاتب والقارئ ؛ ومسألة التفاوض هاته تعمل من خلال إستراتيجيات القارئ النموذج والكاتب النموذج كما جسدها إمبرطو إيكو في
كتابه (Lector in fabula ) .
في الأدب الرقمي ونتيجة إنفجارالنص إلى العديد من المكونات ، فإن هاتين الإستراتيجيتين قد يتم نقلهما إلى المستوى الذهني للنص/المكتوب والنص/المقروء .
يوجد مجال النص أيضا ضمن الأعمال الجماعية التشاركية ؛ إنه يربط العلاقة بين مختلف الأطراف :
كاتب الجهاز، المتفرج العادي ، القارئ/الفاعل . تستعمل هذه المعطيات المدرجة بواسطة القارئ/الفاعل في
هذه الأعمال من أجل إنشاء وبناء النص/المرئي كما يوجد النص في مستواها .
أخيرا إن وضعنا لكل من النص ودورالقارئ موضع تساؤل قد قمنا به لأن هذه الأعمال هي التي تسائل مجتمع المعلوميات والتواصل : مامعنى معلومة ؟ مامدى وجود النص كموضوع ثقافي إجتماعي ؟ هل نحن
أمام النص لوحدنا أم أننا نشكل جماعة من القراء ؟ ماهو الدورالذي تقوم به اللغة الطبيعية في مناولاتنا للمعلومة ؟ والآلة هل هي وسيلة أم عائق ؛ حليف أم عدو؟ هل يمكن أن نضع كل ثقتنا في المعلومة التي نقرأ ؟ هل لنا القدرة على التحكم فيها أم هي التي تحركنا ؟ هل نقرأ نص الآخرأم نقرأ إسقاطات إنتظاراتنا من القراءة ؟ هل القراءة تعني تنمية معرفتنا مثلما نطمح إلى ذلك ونحن نقرأ الجريدة أم القراءة تعني إكتساب تجربة في الحياة وخلخلة يقينياتنا ؟ هل القراءة عملية خارجية تطبق على علامة أم هي العلامة في حد ذاتها ؟
إن الأدب الرقمي يطرح الأسئلة ويفكك ميكانيزمات ويقترح وضعيات واستعمالات جديدة ومفاجئات تلو مفاجئات .
وأخيرا ليس وجود النص في الآلة هو الذي يثير هذا الصراع بل غيابه سابقا.
وغيابه يعني أن التحول الإنساني المستمربواسطة اللغة قد تم إقصاؤه من الإعلاميات وتم ترك مجال جوهري وأساسي في حاضرنا إلى الفكرالتكنولوجي الذي يجسده البرنامج ، ومن حسن الحظ أن الروبوت الشاعريزيح الروبوت غيرالشاعر .
عرض : بييربوتز
ترجمة : عبده حقــي