الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وعلى آله وصحبه
أمــا بعــد
قال ابن القيم في كتابه القيم
" الاعلام الموقعين عن رب العالمين " مانصه ( 4/177-179 ) :
** * من أفتــى الناس وليس أهــلا للفتـوى آثم
الفائدة الثالثة والثلاثون : من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ، ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضا .
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله : ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية ، وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب ، وليس له علم بالطريق ، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة ، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس ، بل هو أسوأ حالا من هؤلاء كلهم ، وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى ، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنه ولم يتفقه في الدين ؟ !
وكان شيخنا رضي الله عنه شديد الإنكار على هؤلاء ، فسمعته يقول : قال لي بعض هولاء : أجعلت محتسبا على الفتوى ؟ فقلت له : يكون على الخيارين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب ؟ !
وقد روى الإمام أحمد وابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا " من افتى بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه "
وفي الصحيحين من حيدث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال ، ولكن يقبض الله العلم بقبض العلماء ، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا ، فسئلواا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا "
وفي أثر مرفوع ذكره أبو الفرج وغيره " من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الارض "
وكان مالك رحمه الله يقول : من سئل عن مسألة فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار , وكيف يكون خلاصه في الآخرة , ثم يجيب فيها .
وسئل عن مسألة فقال : لا أدري , فقيل له : إنها مسألة خفيفة سهلة , فغضب , وقال : ليس في العلم شيء خفيف , أما سمعت قول الله عز وجل : ** إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } فالعلم كله ثقيل , وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة وقال : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك , وقال : لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه , وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد , فأمراني بذلك , ولو نهياني انتهيت , قال : وإذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصعب عليهم المسائل , ولا يجيب أحد منهم عن مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه مع ما رزقوا من السداد والتوفيق والطهارة , فكيف بنا الذين غطت الذنوب والخطايا قلوبنا ؟ وكان رحمه الله إذا سئل عن مسألة فكأنه واقف بين الجنة والنار .
وقال عطاء بن أبي رباح : أدركت أقواما إن كان أحدهم ليسأل عن شيء فيتكلم وإنه ليرعد .
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم ** : أي البلاد شر ؟ فقال : لا أدري حتى أسأل جبريل فسأله فقال : أسواقها }
وقال الإمام أحمد : من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لأمر عظيم , إلا أنه قد تلجئ الضرورة .
وسئل الشعبي عن مسألة , فقال : لا أدري , فقيل له : ألا تستحيي من قولك لا أدري وأنت فقيه أهل العراق ؟ فقال : لكن الملائكة لم تستحي حين قالوا : ** لا علم لنا إلا ما علمتنا } .
وقال بعض أهل العلم : تعلم لا أدري فإنك إن قلت لا أدري علموك حتى تدري , وإن قلت : أدري سألوك حتى لا تدري .
وقال عتبة بن مسلم : صحبتابن عمر أربعة وثلاثين شهرا , فكان كثيرا ما يسأل فيقول : لا أدري .
وكان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتي فتيا ولا يقول شيئا إلا قال : اللهم سلمني وسلم مني .
وسئل الشافعي عن مسألة , فسكت , فقيل : ألا تجيب ؟ فقال : حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب , وقال ابن أبي ليلى : أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول , وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه .
وقالأبو الحسين الأزدي : إن أحدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر .
وسئل القاسم بن محمد عن شيء , فقال : إني لا أحسنه , فقال له السائل : إني جئتك لا أعرف غيرك , فقال له القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي , والله ما أحسنه , فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه : يا ابن أخي الزمها , فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم , فقال القاسم : والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به .
وكتب سلمان إلى أبي الدرداء رضي الله عنهما وكان بينهما مؤاخاة : بلغني أنك قعدت طبيبا فاحذر أن تكون متطببا أو تقتل مسلما , فكان ربما جاءه الخصمان فيحكم بينهما ثم يقول : ردوهما علي , متطبب والله , أعيدا علي قضيتكما . }
لا ينبغي لطالب العلم
ان تخلو مكتبته من هذا الكتاب
كتاب /اعلام الموقعين عن رب العالمين
لإبن القيم الجوزية
تحقيق عصام الدين الصبابطي
دار الحديث الطبعة الأولى 1414ـ 1993
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
منقول للفائدة