لماذا تخاف أميركا من كوريا الشمالية وهي قادرة على سحقها عسكرياً؟
.
تشير تقارير أمنيّة-إستخبارية واردة من كوريا الشمالية إلى أنّ بيونغ يانغ تستعدّ لتجربة أحد الصواريخ الباليستيّة في الأيّام القليلة المقبلة، وكذلك لتجربة نوويّة جديدة، في الوقت الذي تراجعت فيه واشنطن عن إجراء تجربة صاروخيّة كانت مقرّرة سابقاً، إنطلاقاً من قاعدة Vandenberg الجويّة في ولاية كاليفورنيا الأميركية. فلماذا تخاف أميركا مما لا تخشاه كوريا الشمالية؟ وأين تقف الدول الآسيويّة المحيطة بالكوريّتين؟ وما هي إحتمالات إندلاع مواجهة عسكريّة في آسيا؟
أولاً: إنّ الولايات المتحدة الأميركية القادرة عملياً على سحق كوريا الشماليّة عسكرياً، وحتى على إبادتها من الوجود، تخاف من أي مواجهة عسكريّة مباشرة مع بيونغ يانغ. والسبب أنّ الضرّر المعنوي والمادي وخصوصاً الإقتصادي الذي يمكن أن يلحق بها في حال سقوط أي صاروخ باليستي في أراضيها، أو تعرّض أيّ من قواعدها أو مصالحها الآسيوية للقصف، يفوق بأضعاف الضرر الذي يمكن أن يلحق بكوريا الشمالية في حال تعرّضها لسقوط عشرات وحتى مئات الصواريخ! فكأنّ الصدام المرتقب هو تضارب وعراك بين شخص يرتدي بزّة فاخرة وآخر يرتدي ثياباً ممزّقة، أو هو مزاحمة على الطريق بين شخص يقود سيارة فارهة وغالية الثمن جداً وآخر يقود سيارة قديمة وزهيدة سعر المبيع! من هنا، وعلى الرغم من أنّ التجربة الصاروخيّة الأميركية لا علاقة لها بالوضع بكوريا إطلاقاً، وهي تجربة مخطّط لها مسبقاً، إلا أنّ واشنطن فضّلت إرجاءها لعدم إعطاء أي ذريعة لبيونغ يانغ لتصعيد الأمور أكثر فأكثر. لكن وفي الوقت عينه، ومنعاً لأي مغامرة غير محسوبة من قبل القائد الشاب في كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، قرّرت الإدارة الأميركية أخيراً، إظهار جدّية أكبر في إستعدادها لردّ عسكري عنيف في حال تعرض مصالحها لأي إستفزاز. وهي إتخذت لذلك، تدابير أمنية جدّية في قواعدها العسكريّة في آسيا، وغيرها.
ثانياً: إنّ كوريا الشمالية تعتمد حالياً وفي المقابل سياسة لفت الأنظار وتصدّر عناوين الصحف ووسائل الإعلام الدوليّة، وهي سياسة تسمّى باللغة الإنكليزية The Headline Strategy. والهدف منها جرّ دول العالم للتدخّل لحلّ أزمة معيّنة، من خلال جعلها أزمة دوليّة تعني مجموعة كاملة من الدول بشكل مباشر أو غير مباشر. وهي لهذا الغرض، لن تتردّد بإجراء تجارب صاروخيّة وإختبارات تفجير جديدة، لدفع دول المنطقة للتدخّل. وليس سرّاً أنّ مجموعة من دول العالم تضغط حالياً، لتخفيف التوتّر ومنع تفاقم الأمور، لأنّ أي مواجهة عسكريّة سيكون لها إنعكاسات عالميّة واسعة. وقد إقترحت سويسرا أخيراً إستضافة ممثّلين عن كل من كوريا الشمالية والجنوبيّة لإجراء مفاوضات لحلّ الأزمة. وهنا تذكير أنّه في العام 1953، إنتهت الحرب في كوريا باتفاق هدنة، وليس بإتفاق سلام. وبالتالي منذ 60 سنة، يحاول النظام الشيوعي في كوريا الشمالية الوصول إلى إتفاق شامل ببنود واضحة، لكن كوريا الجنوبيّة ترفض هذا الأمر. كما أنّ بيونغ يانغ طالبت مرّات عدّة بمحادثات مباشرة ومن الندّ للندّ مع واشنطن، الأمر الذي تجنّبته هذه الأخيرة دائماً، مفضّلة في المقابل إجراء محادثات متعدّدة الأطراف.
ثالثاً: يخطئ من يظنّ أنّ الدول الآسيوية المحيطة بكوريا سعيدة بما يجري، من منطلق أنّها ضد النفوذ الأميركي في آسيا والعالم بالمطلق، وتفرح في حال تعرّض المصالح الأميركية لأي ضرّر. فحتى الصين التي هي سياسياً إلى جانب كوريا الشمالية، ترفض أيّ تصعيد ميداني، لأنّ إقتصادها هو حالياً من أقوى الإقتصادات عالمياً، وهي ترفض تعريض حركة الإستيراد والتصدير لأي إهتزاز، وترفض تعريض الإقتصاد العالمي ككل لأي إنكماش. واليابان لديها الخشية نفسها، علماً أنّ إقتصادها يصنّف – كما الإقتصاد الصينيّ – على لائحة أقوى خمس إقتصادات عالميّة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى كوريا الجنوبيّة التي يحتلّ إقتصادها المرتبة 16 عالمياً، تخشى تعرّض مصالحها الإقتصادية والمالية لأضرار خطيرة، بعكس واقع كوريا الشمالية التي ليس لديها الكثير لتخسره! حتى أنّ روسيا التي تربطها علاقة سياسيّة قويّة بكوريا الشمالية، ترفض وصول الأمور لمعركة المواجهة الصاروخيّة والعسكريّة، خوفاً على مصالحها أيضاً وليس حبّاً بأميركا.
رابعاً: لكن وعلى الرغم من أنّ دول العالم، الداعمة لواشنطن وتلك المناهضة لها، تضغط لمنع تفاقم الأمور عسكرياً، وعلى الرغم من أنّ بيونغ يانغ لا تهدف من إستعراضاتها ومن تحدّياتها إلى الوصول إلى معركة مع واشنطن ولا مع سيول، بل إلى تعزيز موقعها التفاوضي والحصول على مساعدات إقتصاديّة أكبر، إلا أنّ إحتمال إندلاع مواجهات صاروخية وربما عسكرية واسعة يبقى قائماً. فلا أحد يمكنه التكهّن بنهاية أي تصعيد، يمكن أن يبدأ بمناوشة بسيطة، مثل إسقاط طائرة إستطلاع أو تفجير صاروخ في الجوّ.
وبالتالي، مع إستكمال بيونغ يانغ إستعداداتها لإجراء تجربة صاروخية للصاروخ الباليستي BM25 Musudan الذي يبلغ مداه الأقصى 4000 كلم. ومع تحضيراتها لإجراء تجربة نوويّة جديدة، الأعصاب مشدودة، حتى ولو أنّ هذه التجارب تدخل في سياق التدريب وتعزيز القدرات، من دون أن تستهدف ضرب أيّ هدف محدّد. إلا أنّه في ظلّ الإستنفار الحالي، والتوتّر القائم، أي خطأ ولوّ عرضي، يمكن أن يفتح الأمور على مصراعيها من الناحية العسكرية.
شام تايم
.
.
آدمن