من سقوط "العدالة" إلى "التكريم" .. وبلبلة "بلي"
حين قرأت الضجة المثارة حول مؤتمر للإعلام سوف يقام في (جدة)،وأحاديث عن تكريم بعض(الفنانات) .. دارت بي الدنيا .. فأمسكت بتلابيب التأريخ أهزه .. لم يغضب بل نظر إليّ مبتسما .. ابتسامته تنم عن معرفة بتقلبات الزمن وما يحدث من رفع وخفض ... بقدرة خالق الكون سبحانه وتعالى ..
نعم لم يغضب .. بل ابتسم .. وأكثر من ذلك (غمز) لي بعينه!!
فانهالت المعلومات .. لو سكبتها هنا لملأت عدة طروس !!
كانت هناك (الرميكية) تغوص في الطين تملا جرتها من الماء .. فيراها المعتمد بن عباد،فتأسر قلبه .. فيتزوجها .. فتحن إلى (الطين) فيصنع لها (طينا) من أنواع الطيب والبخور .. تغوص فيه بقدميها ..
(سبحان من لا يتغير ولا يتبدل)
يلوح لي المعتمد بن عباد .. في سجنه بـ(أغمات) .. يوم العيد ينشدني لنفسه :
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا *** وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةُ *** فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة .... في لبسهن رأيت الجوع مسطورا
(سبحان من لا يتغير ولا يتبدل)
غمزة أخرى بعين التأريخ .. فهمت مغزاها .. هرعت إلى (قصة الحضارة) .. فإذا بمؤلفه يقول عن الرومان :
( وكان كل مواطن يتخذ التمثيل حرفة له يفقد بذلك حقوقه المدنية، وهي عادة ظلت قائمة إلى أيام فولتير) {ص 207 جـ 1 مجلد 3 (قصة الحضارة) / ول ديورانت / ترجمة : محمد بدران / القاهرة : طبعة جامعة الدول العربية}.
وبغمزة أخرى من التأريخ أذهب إلى سنة 1632 – أي قبل مولد فولتير والذي ولد سنة 1694 – حيث (سدد البوريتانيون أعنف ضرباتهم للمسرح، حين أرسل اشد أنصارهم جرأة وشجاعة،وليم برين، إلى الصحافة ( 1632 ) مقالة (( سوط الممثلين )) وكان برين محاميا، ولم يدّع النزاهة والتجرد، وقدم إلى المدعي مذكرة من ألف صفحة، وبالاقتباس من الكتب المقدسة، ومن كتابات آباء الكنيسة بل حتى من كتابات الفلاسفة الوثنيين، أثبت أن المسرحية من عمل الشيطان . ف إنها بدأت كصيغة أو شكل لعبادة . إن معظم الروايات ممتلئة بالتجديف والدعارة والفحش، زاخرة بعناق العشاق، والإيماءات الخليعة، والموسيقى والأغاني والرقص الذي يثير الشهوة، وإن كل أنواع الرقص من عمل شيطاني، وكل خطوة فيه إن هي إلا خطوة إلى الجحيم،وإن كل الممثلين مجرمون فجرة كفرة ) { ص 89 – 90 جـ 1 جلد 7 / (قصة الحضارة) / ترجمة : محمد أبو درة }.
ومن هناك إلى هنا .. إلى مصر رائدة السينما في العالم العربي .. وقد كان الممثل – في بداية القرن العشرين – يسمى (مشخصاتي) .. وكانت شهادته لا تقبل في المحاكم الشرعية .. لأنه (ساقط العدالة) ... وما هي إلا عقود .. تلتها عقود حتى أصبح "المشخصاتي" هو"نجم النجوم" .. وهو المثال الذي يحتذى،ويتقاتل الناس على التصوير معه ..
(سبحان من لا يتغير ولا يتبدل)
"بلي" .. والبلبلة
وما هي إلا عقود أخرى .. أي في أيامنا هذه .. حتى أصبحت صورة (الشيخ) مقرونة بصورة (المشخصاتي) أستغفر الله بل (الممثل) .. والجامع بينهما .. (النجومية) و(خدمة بلي).
وحق للأستاذة حليمة مظفر – وقد لاحت لها الفرصة – أن تسخر من "الدعاة" ... فكتبت تقول :
(بين ليلة وضحاها خرج الناس صباح السبت الماضي من بيوتهم، وإذ بهم يشاهدون إعلانات مصورة في كل شارع أمام أعينهم "يا للهول".. إنها ابتسامة عريضة لم يعتادوها لبعض نجومهم من الدعاة.. يقفون مع من أطلقوا مرات عليهم أحكاما عبر خطبهم وتغريداتهم للتحذير منهم، وتاجروا بسمعتهم ليكتسبوا شعبية بين الناس، ووصفوهم بالمنحرفين أحيانا، والليبراليين الفاسقين أحيانا، وبأدوات الشيطان أحيانا، لأنهم من ملهيات الحياة! لكنهم في ذاك الصباح، على غير العادة؛ هم وقوف جنبا إلى جنب مع الرياضيين والإعلاميين والفنانين والكتاب.. يرفعون أيديهم إلى آذانهم يقولون لنا "كلمني على.."! وهي خدمة "اتصالية" مدفوعة تشبه "تويتر".){الرسالة رقم (2551)من رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية}.
من يستطيع أن يلومها وقد سنحت لها فرصة السخرية من الدعاة ؟!!
في كل الحال .. بين ماضي الفن .. وحاضره ... وهذا التغير الضخم .. لا نقول إلا :
(سبحان من لا يتغير ولا يتبدل)
تلوحية الوداع :
يقول علي عزت بيجوفيتش :
(يتحدث البرفسور "نيل بوستمان"عن التوسع الأمريكي : تم هنا بفضل التلفزيون خلق شكل استعماري أكثر فاعلية من أي شيء آخر في التاريخ. يعتقد البعض أن الإنجليز كانوا في هذا غير مسبوقين. يرسلون السفن أولا،ثم المشاة والقادة،وأخيرا البابوات والوسكي. نحن لا نرسل شيئا من كل ما ذكر،إلا الفيديو فقط!) { ص 199(هروبي إلى الحرية) / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة}.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة