دمشــق حبيبة القلب ومسن الفــؤاد .. تلك المدينة الهادئة الوادعة الجميلة التي تعودنا أن نمشي في أسواقها وحاراتها بعد منتصف الليل وحتى ماقبل الفجر .. دون أن نشعر بحرج أو نحس بقلق .. تلك المدينة الحبيبة أصبحت مع تقدم العولمة (والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه) مرتعا (وإن كان ليس واسعا) للجنسيات من كافة دول العالم .. فهاهو النيبالي .. وهناك الفيتنامي .. وثمة أندونيسي أو أندونيسية تنتحي جانبا من الرصيف لتبيع أو تشتري أو ترمف الناس بنظراتها التي تمزج العطف بالريبة، والحق في اكتساب الرزق بمكامن النوايا.. وهكذا
الحمد لله .. ألا يعلم أحدنا أن الكبر والتفاخر هو اصل مصائب الإنسانية كلها. وأن إبليس اللعين ماسلكه في جهنم إلا كبره وعنجهيته؟؟
لطالما كانت باريس مربطا لخيلنا .. معظم أهل الشام .. الذين يأبى أحدهم حتى هذا اليوم أن يعترف بأنه خلق عادي من خلق الله .. .. فالعادات الغريبة تنضم إلينا بقدرة قادر .. وكأن الله هو المسؤول عما اقترفته أيدينا !!. فالسيدات في هذه الأيام تختال بمرافقة الخادمات من شرق آسيا إلى المطاعم متفاخرة ونفسها مملوءة بالثقة حين يراها الآخرون تخصص مقعدا بعيدا لخادمتها (تفصله عن مقاعد أفراد أسرتها ليس أقل من بضعة أمتار) لتقول للناس: انظروا فأنا زوجة من يقتني الدولارات التي لاتقتنوها أنتم. كيف لا .. وخادمتها لاتتقاضى راتبها إلا بالدولارات. وعليه فقد وجب حتما أن تستقدمها دون اي اعتبار لخلفيتها التي لايمكن لها ولالجميع سكان دمشق أن يعلموا شيئا عن تلك الخلفية. وياليت مغزى اصطحاب الخادمة هو لإطعامها أو إكرامها .. فلربما كان ذلك .. إلا أن غالب الظن يشير إلى أن اصطحابها هو بهدف حمل الأولاد أومتابعتهم في ساحات الألعاب التي تقع في زاوية المنتزه. ولكن التوغل في التفكير يدفع الفطن الحساس إلى رؤية سبب أوجه يعود في الغالب إلى شكل الخادمة المتميز الذي ينبىء الناس بأصولها ليقول: هذه خادمتي وأنتم ليس لكم خادمة .. ولطالما يذكرني هذا الكلام بقول أبي سفيان: "العزى لنا ولاعزى لكم" .. حسبنا الله
أما أصحاب البيوت المتهتكة المتهالكة منذ أمد قريب في ضواحي دمشق، وقد أصبحت في مركزها الآن .. قد بدؤوا في الخروج من قماقمهم بعد أن أحــالت الأقـدار بيوتهم تلك إلى محاضر بناء تحوي عمارة أو عمارتين قيمة الشقة الواحدة فيها تساوي خمسين مليون ليرة سورية على الأقل (مليون دولار أو يزيد) .. ياسبحان الله
ولعل من أغرب مانرى إصرار الكثير من أصحاب الأعمال الذين ورثوا أعمالهم عن المكافحين من آبائهم أو أجدادهم دون أن يكون لهم اي دور في تأسيس هذا العمل .. يصرون على ركوب السيارات الفارهة في الوقت الذي أبى مؤسس العمل بذاته (الأب أو الجد) أن يقتني أكثر من دراجة أو دابة تقله من بيته إلى موقع عمله .. لابل أكثر من ذلك .. فهم لديهم عقدة السيارات الألمانية لأن قدر التفاخر الذي يعكسه اقتناء مثل هذه السيارة يكون غير مسبوق. ولايلبث ضمير هذا الوارث الذي ليس له أي فضل على العمل (لابل ربما يبدده رويدا رويدا) يعذبه كثيرا مع حلول الشهر العاشر من السنة حين يعلم أن (بي ام دبليو أو مرسيدس) قد اصدرت الموديل التالي .. وهو بالتالي .. قد توجب عليه وجوبا السعي الحثيث لإدراك الموديل الجديد.
لاتلوموه أيها الأحباب .. فلديه كل الحق .. لأن مافاض من أرباح هذه السنة ليس له مخرج لديه .. فبالله عليكم أليس من الواجب أن يستثمر هذا الفائض في صفقة "منفخة" يري فيها أهل الشام أن حوضه لايستوي إلا على أرائك مقاعد تلك السيارات الألمانية التي تحفظ تلقائيا وضعية الجلوس التي لايتناسب موضع القعود من جسمه إلا على أساسها؟؟
وإذا ماذكر أحد ما، أمامه، وضع الجار أو القريب أو ابن الأخ أو ابن الأخت أو ابن العم أو غيرهم .. ووضح له جزء يسيرا من معاناتهم .. تدب فيه فجأة كوامن الإيمان بالقضاء والقدر ليقول: الله يعينهم. وأقول أنا هنا: (برافو) أيها المؤمن .. لقد اصبت كبد الحقيقة عندما أسلمت الأمر للقضاء والقدر. والحق لديك مكتمل (ماشاء الله) لأنك لست مكلفا أبدا من قبل الله .. فالرزق على الله .. ولكل نصيب .. هذا هو منطقك أيها العزيز
إن اصحاب الخيول الذين كانوا (وربما برأيهم مازالوا) يبيتون خيولهم في باريس مازالوا يشعرون بهذا الوهم الذي أحال الكثير منهم إلى رماد لم تذروه الرياح بعد .. ولكن لابد من أن تبدده الوقائع يوما ما بعد أن يشعروا بالوهم الذي أنتجه التفاخر العجيب الذي سكن نفوسهم
نسينا قيمنا، وعلت أفكارنا المستحدثة فوق مبادىء الله. ولربما تجرأ (في يوم ما) أحدهم ليقول لله: إن أفكارنا العلمية الحديثة أصبحت البديل لكلامك .. فلنترك كتابك مزينا بأحلى الزينات ومكتوب بأرقى الطرق ليزين خزائن متاحفنا .. وهنا أيضا سيكسبون نقطة أخرى لصالحهم ضد مدينة مربط خيولهم .. إذ يمكنهم بذلك أن يشعروا أصحاب الأرض التي ربطوا خيولهم فيها بأن متاحفنا تتجاوز "اللوفر" الذي يقع عند أقصى مربط خيولنا .. تلك المرابط التي يجب أن يعلم أهل باريس حتما بأنها تمتد من أول المدينة ويأتي عند طرفها البسيط المهين متحف "اللوفر" الشهير
يادمشق .. ياحبيبة القلب .. لقد امتلأت بالناس من شتى أصقاع الأرض، وياليت من يأتيك يحرص على نقائك ويعلم أنك كنت ومازلت بكرا عذراء يخدش الحياء وجهك الجميل حتى لو تلقيت نظرة عابرة من أحد أبنائك .. فكيف سيكون حالك (أيتهاالحبيبة) لو رمقك غريب بنظرات الريب ....؟؟ لابل دنس حياءك الممزوج بالكبرياء .. كبرياء الثقة بربك وأبنائك .. دنسه بأفعاله وأساليبه .. اساليب الخفة .. التي يحدثنا عنها هذا المقال
إنني أثني على هذا الموقع الذي أشعر في كثير من الأحيان بشفافية الكثير من مواضيعه وصدق نقل مراسليه لأن الحقيقة تثلج صدور المخلصين
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض
"الرعد"
هشـــام الخـــاني
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=129837