بسّام كوسا : رغبة التطهُّر
المصدر بسّام كوسا
جريدة بلدنا
13 / 03 / 2007
بعد أن فارت الدراما السورية، وبعد دخول هذه المهنة متعددة الاختصاصات، أعداداً كبيرةً من الراغبين أو الموهوبين أو المتطفلين عليها، وبعد تخريج المعهد العالي للفنون المسرحية مئات الخريجين والخريجات، وبعد دخول نقابة الفنانين عدد هائل من اللاخريجين واللاخريجات من أي شيء كان، وبعد هذا الكم الهائل من المسلسلات سنوياً، وهذا الانشطار والانتشار النووي للدراما السورية على الفضائيات والأرضيات العربية.....
لا بدَّ أن يكون هناك شيء ما من السلبيات، وشيء ما من الإيجابيات.
وبما أنني لست من النوع الذي يرتكن إلى الإيجابيات، اعتقاداً مني أن هذا مضيعة للوقت، واستعراض للعضلات، كما يفعل بعض مديري المؤسسات، بنشر إنجازاتهم الوهمية، التي تكاد توازي إنجازات أكثر الدول تطوراً وعظمة.
فقد آثرت أن أُبدي رأيي بنقطة محددة، تخص نسبة معينة من الفنانين والفنانات.
إنه مجرَّد رأي، ومن لا يعجبه رأيي هذا، فبإمكانه أن ينصحني بالذهاب إلى طبيب نفسي لأتعالج من أمراضي النفسية المزمنة، كما نصحني أحد أعمدة الثقافة والإبداع في مؤسساتنا، وذلك عندما أبديت رأيي ببعض سلبيات إدارته لهذه المؤسسة، التي لم تعد تخفى إلا عليه.
لقد قرأت عدداً كبيراً من اللقاءات الفنية في صحفٍ محلية وعربية كانت قد أجريت مع زملائنا الفنانين والفنانات، وما لفت نظري مجموعة من النقاط، لن أوردها جميعاً، إلا أنني أود أن أضع إشارات استفهام عديدة تحت نقطة واحدة فقط.
هذه النقطة تدل على ما هو بعيد كل البعد عن نزاهة البعض والترفع الساذج.
إنه سؤال بسيط يأتي بصيغته الآتية:
- هل لكم أصدقاء في الوسط الفني؟
نسبة كبيرة يجيبون بطريقة من ينفي عن نفسه تهمةً شائنة.
فيأتي الجواب بالصيغة الآتية:
- لا.. فهذا الوسط لا يمكن أن تبنى فيه علاقات صداقة، فكل أصدقائي من خارج الوسط الفني!
قد لا يكون الجميع أصدقاء الجميع، وهذا أمر طبيعي.
ولكن، أليس في جواب حاسم كهذا الشيء الكثيرُ من التعسف، ورغبة واضحة بإلقاء ما يشبه التهمة على الآخرين، بأن مساوئ هذا الوسط لا علاقة لنا بها؟!
وأن هذا الوسط (الموبوء)، والمشكوك بأمره، نحن معفيون وبريئون منه؟!
تكرار الجواب بهذه الطريقة، دفعني للتأمل بهذه النقطة، وبعد إحصاء بسيط، نكتشف بأن هذه النسبة الكبيرة هي حكماً تشكل النسبة الكبيرة من الوسط الفني. وأن هذه النسبة، هي المسؤولة عن إيجابيات وسلبيات هذا الوسط، فبالمحصلة كلنا مسؤول عنه.
وببعض التمحيص، نكتشف تلك الطرق الملتوية التي سلكها قسمٌ كبير من هؤلاء لدخولهم هذا الوسط، الذي أصبح من غير المشرّف أن يُنشئ أحدنا صداقة فيه -على حد رأيهم- في حين باتت سيرهم معروفة ومكشوفة، للرائح والغادي، لمن في داخل هذا الوسط أوخارجه!
وأصبحت طرق تعاطيهم مع هذه المهنة تفقأ العين لرداءتها.
فصداقاتهم، وصداقاتهن، مع بعض مديري شركات الإنتاج، ومع أصحاب الشركات ( محليين، وأشقاء عرب ) وصيغة علاقاتهم وعلاقاتهن مع بعض المخرجين، والمتنفذين في هذه المهنة، لم تعد تخفى على أحد.
أما الذي يخفى فهو أعظم.
إنها رغبة رديئة بالتطهُّر والترفع، البعيدَين عن النبل وشرف المهنة.
ولمن يعلم ولا يعلم أقول: إن وسطنا الفني، يشبه أي وسط مهني آخر في الدنيا.
فهو يحوي بداخله، الجيد والسيئ، الفهيم والبهيم، المثقف والأمي، فيه الباحث المبدع، وفيه الدهان الحرِّيف، فيه النبيل والانتهازي.
إنه وسطنا الإبداعي والمهني، الذي علينا أن ندافع عنه، نحبه ونحترم عيوبه، ونسعى جاهدين للتخفيف من هذه العيوب، انطلاقاً من ذواتنا.
ولمن يعلم ولا يعلم أقول: هنا في وسطنا الفني هذا، أناس يتشرَّف المرء بأن يصادقهم، وهناك فنانات أقل ما يمكن أن نفعله لأجلهن هو أن نضعهن على هاماتنا إكليل نزاهة وموهبة وأخلاق واحترام.
وهم وهنَّ مصدر فخر لنا ولهذا البلد.
لذلك أجد أنه من العار علينا، أن ننظف أنفسنا بإلقاء أدراننا وأوساخنا على الآخرين.
فمن لا يحب ولا يحترم وسطه المهني، ولا يسعى دائماً لأن يرفع من شأنه، هو ليس جديراً به.
أنا لازلت مع نقد العيوب والسلبيات في حياتنا، ولكن بعيداً عن رغبة التطهر على حساب الغير.