رحلةُ الأزمنةِ /2013
**(( طالما ظلَّ مُغادراً حاضرَهُ الموجعَ وأيامَهُ التعبى رحـــيلاً إلى حيث
ضفافِ شواطيءِ الماضي وأنفاسِه الباكياتِ الساحراتِ المترعاتِ ببهجةِ ريْعانِ الصِّبا ،
عهدَ كانت لهُ زَوْرةٌ يتيمةٌ كلّ عامٍ إلى أربُعِ جــدّهِ لأمّـــه ، إذ الحنينُ لها أضعافُ أضعافِ
الحنينِ إلى مغاني جدّه لأبيه ! .
كان كلّما دلفَ مُسلّماً راحَ يتأمّلُ بلوحـــةٍ مُعلّقةٍ على الجدارِ يمين صالة ِ الضيوف مكتوب
عليها " لئن شكرتم لأزيــدنّكم " ، لم يكُ يدرك فحواها وإن كانت عيناه لا تفارقها قراءةً ،
وإذ هو غارقٌ في حيائهِ المعهود وصمته البليغ تمتدّ لهُ اليدُ البيضاءُ المِعطاءُ ،
إنّها يمينُ جدّتهِ وهيَ تضعُ في كُمّـــهِ شيئاً من دراهمِ الزمنِ الجميل ، فالحفيدُ الزائرُ تداعبُ مُحيّاهُ
نسماتُ العيدِ وألوانُ السعادةِ ! .
لم يطل به العهد حتى غادره الجميع ، فلم يعد هنالك للذاكرة من ربيع ،
وإذ هو بين النائم واليقظان إذا بالروح تطوف حول هاتيك الديار ، تجول بين الطرُقاتِ وفوق السطوح ،
ثم تعرُج إلى " السَّدّةِ " القديمةِ ومنها تنزل إلى النهر كيما تخطّ على الطين تأريخَ تأشيرةِ المرورِ وإن
كان سوف يجرفهُ الماءُ صوبَ معالم النسيان !، ينظر متسائلاً : المنازلُ تغيّرت وجوهُها ، لكن لِمَ الطرُقاتُ
هي الطرُقاتُ ؟! ثمّ ما لي لا أرى أحـداً هنا سوى بقايا أعشاشٍ ورجع صدى زقزقاتٍ تهافتت عليها مدامعُ عوالمِ
السائلين ونهنهاتُ بقيّةٍ باقيةٍ من وجاعِ السنين ؟.
ولمِ تبدّلتْ وتبدّدت وتلبّدت لحظاتُ العمر من اليُسر غمّاً وعسراً ؟.
إذا بالهاتفِ من الفضاءِ يناديه قائلاً : تذكّر أيّها الرازحُ تحتَ أحلامِ الخريف ما قرأتَ ذات صفاءٍ على تلك اللوحـــةِ
على الجدار ، وحينها تنتفي عنك الشكوك لترتدي عندها بُرد اليقين ،
وتؤوب مغادراً إلى حيث ضفاف الماضي ، ولكن لتصنع منها هذه المرة آيةَ العبورِ إلى منتجعِ الحاضر وآخر محطات المستقبل .))**