صحن سلطة
( بقلم- محمد فتحي المقداد)*
قد تكون وأنا أزعم أن السُلطة جاءت من التّسَلُط, الذي يأتي من الغلبة بالقوة, أي أن هناك غالب ومغلوب , قويٌ ومستضعف , مستهدف مهدد بعصا السلطة, والتي يكون صاحبها سلطان تسلط بقبضته أولاً على راكبي السلطة, من خلال الفتات الذي يرميه لهم أمام أفواههم, فركضوا لاهثين لإسكات عضّة البطن, وهكذا تمسكوا بمكتسبات إشباع البطن الذي استحال إلى نَهَمَةٍ , بحيث أصبحوا رباطاً وثيق...اً حول سيّدهم , الذي حوّلهم إلى عصاً غليظة طائعة تضرب أعداء السلطان, المجاهرين بعدائهم والذين يُعتبرون مُتهورين بجرأتهم التي كسرت حالة التسلط من جراء المظالم التي ارتبط مصيرها بمصير السلطان صاحب السلطة, وبالتالي أصبح هؤلاء الأتباع المنتفعين هم العصا الغليظة القادرة على القهر لأبناء طبقتهم التي استضعفها سيّدهم, وكذلك أصبحوا القلعة التي يتحصّن خلفها السلطان والذي يسعى كل يوم لتجنيد المزيد من هؤلاء المستضعفين,ومنهم الذي حظي بقربه من سيّده السلطان لأنه تنازل عن مقومات إنسانيته التي أصبحت من القماءة والدناءة ما يكفي لاعتقاد سيّده به أنه أصبح عبداً مأموراً يأتمر بأمره و لا يستطيع رفض أية مهمة سيكلفه بها, وبذلك يخلع عليه شيئاً من الألقاب والرتب ويغدق عليه المال ويمدّ له أسباب التسلط على مَنْ هم دونه, وعند ذلك يكون قد أصبح قائداً للسلطان.
وفي لحظة هاربة من واقعها من الواقع, وأنا أجلس على طاولة في أحد المطاعم, جاءني النادل بصحن سَلَطَةْ بشكله المنسق الجميل, تأملت بِبُعدٍ فلسفي تلك الخلطة من الخضار المختلفة الشكل و الطعم, جيء بها وجعلوها وجبة ضرورية مرافقة للوجبة الرئيسية, وقد كان للملح والحامض والزيت الدور الرئيسي في جعل ما اختلف من الخضار شكلاً ولوناً, طعماً ومذاقاً وحدة متناسقة مستساغة, لفت انتباهي مرور رجل سُلْطَة حِذاء طاولتي ببزته الأنيقة والمُرافقة التي تتبعه, رجعت لتأمل صحن السّلَطَة وصاحب السُّلْطة, فتبيّن أنهما يرتبطان بشكل أو بآخر على أنهما خليطٌ غير متجانس أصلاً, ولكن بوتقة الصحن والسلطان هما اللتان مزجتا الخليط بحيث يكون مقبولاً من الجائع الذي ينتظر وجبته وصاحب السلطان الذي ينتظر بدوره صحن السَّلَطَة.
-------------------------------
انتهى
بصرى الشام 23-6-2011See More