حول الجد لية في الشعر الحديث
كنت في بداية أمري أكتب الشعر التقليدي، وهاجمت شعراء الشعر الحديث في كثير
من قصائدي أقول في القصيدة التالية وهي أول تجربة لي في قول الشعر
أقول في بعض أبياتها :
يا من يطالعنا بشعر مرسلٍ
أحرقت إيقاع القريض حريقا
إن القـوافي للقريض مناعة
وقواعـد ليكـن هناك رقيقا
لا تهدم الوزن العتيق وتنثني
عنـه فإن للقريـض طريقا
أسلك طريق الشعر إنك مخطئ
وامش على الدرب السليم طليقا
كم قلت أنك مبدع متحرر
فغدوت للشعر القيط عشيقا
لكن بعد اطلاعي على الدراسات الحديثة في الشعر وجدت أن الشعر التقليدي خالٍ من أي إبداع ذلك لأنه تكرار لما قاله القدماء.وأنه يجب علينا أن نعيش عصرنا لاعصر المتنبي والبحتري ولا أن نتغنى بعيون المها كما تغناها الشاعر العباسي علي بن الجهم.
صحيح هناك من يكتب الشعر الحديث وليس شعراً وهناك من يكتبه فيه إبداع كخليل حاوي وبدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبوروأمل دنقل وغيرهم كثيرون.
وكما قلت سابقاً في بعض دراساتي الأدب له جناحان هما جناح الشعر وجناح النثر، وكما أوضحت في الكثير من الدراسات عن الشعر أننا نعتبر شعراء التراث العربي القديم من عصر ما قبل الإسلام وما بعده من العصور الزاهرة، العصر الأموي والعباسي والأندلسي جميع هؤلاء الشعراء نعتبرهم شعراء بحق من الطراز الأول، ذلك لأنهم مبدعوا عصرهم لأن كل ما قالوه من الشعر إنه بحق تفاعل زماني ومكاني مع اللحظة الحضارية التي عاشوها ذلك لأنه قادر على استيعاب تجربة العصر، عصر البساطة والوضوح والوثوقية المحيطة بعوالمهم. ذلك لأن اللحظة الحضارية التي يعيشها الشاعر هي التي تحكم النظام الداخلي في رأس المبدع شاعراً كان أم فقيها قانونيا أم فقيها دينيا أم خطيبا. أم أديباً وكما أشارأحد النقاد لو شاءت الأقدار :
- أن يكون الإمام مالك أندلسيا وابن حزم هو إمام دار الهجره هل كانت الرؤيه لتكون مختلفة عند كل منهما ؟؟ أكيد.
- لو حاول أحدهم محاكاة المتنبي في عصرنا هذا ، في نفس الفكر والثقافة والأفق هل كان ليكون له شأن المتنبي ؟؟ لا أعتقد.
- لو جاء زعيم سياسي اليوم وكان خطيبا مفوها على طريقة جمال عبد الناصر مثلا هل كان سيكون له نفس التأثير في الجماهير؟؟ لا اعتقد
- لو عاش الأديب الكبير والشاعر الحضرمي علي أحمد بكثير طول حياته في حضرموت ، هل سيكون له نفس الإبداع وكثرة هذه المؤلفات القيمة، لا اعتقد .
لذلك نقول أن المتبصر يرى حتى في المناخ تأثيرا : فتجد مثلا البلاد الحارة الغناء فيها يميل للطول والهدوء الشديد ، بعكس البلاد الباردة. لذلك أرى أن لكل زمان أفكاره ومبادئه ونظرياته. فالعالم عبارة عن حقائق سيالة كل حقيقة لها زمانها ومكانها ونظرياتها.
لكن علينا أن نؤكد أنه يجب علينا أن نعتز بالشعر التقليدي القديم وأن نقراءه كمادة تاريخية لأنه تاريخنا وتراثنا لكن لا أن نقلده، او نجتره وإلا فماذا يتبقى للشاعر الحديث من إبداع في تقليده للشعر القديم.
وأنا لستُ متحاملاً على العمود ولست (في خصومة معه ) كما يعتقد بعض أخواننا الأدباء، و أكثر قصائدي عمودية الذي يهمني في الشعر هو الإبداع والرؤيا . ذلك لأن الرؤيا في الشعر هي موجة من موجات الإبداع ينفتح عليها الشاعر على عوالم إنسانية عميقة في التعبير بما يدور في اعماقة من تأزمات وحزن وفرح. كما أنها تشكل موقفاً جديداً من العالم والأشياء، وأن الشعر الذي يتخلله الرمز والرؤيا وكذلك الأسطورة هو في الواقع شعر وجداني يتخطى كل حدود الزمان والمكان، وهو من أساسيات الوصول إلى الجودة والإبداع والموهبة الفنية الحقيقية التي تؤكد على استنفار الحس الإنساني. الكامن في أعماق النفس البشرية.