رسالة إلى الحلاج لمْ تُقرأْ بعدْ
ممالكُ صمتكِ اقفرتْ نواديها /// وأزهرَ غيثُكِ سرَّاً بما فيها
نفوسٌ تتلو في الليلِ معاصيها /// وترتاحُ إذا فُرجتْ مآسيها
يحنُّ في رُباكِ العشقُ من زمنٍ /// وأبقى للهوى عهداً أُناجيها
لأنتِ من جمالِ الكونِ أَنجمُهُ /// وقدْ فاحَ الشذى بالكأسِ صافيها
رحلتُ في مساماتِ الهوى عَمِداً /// وعُشقاً كانَ في التكوينِ يُعطيها
جبلتُ الروحَ من وجدٍ ومن سهرٍ /// وصرَّعتُ بيوتَ الشعرِ أُقفيها
أميسُ الأرضُ في الأوطانِ قدْ زَهُدتْ /// وبالعُشاقِ قدْ جبُلتْ أمانيها
تُهيىءُ في مداراتِ الهوى وطناً /// وتسكُنني إذا جئتُ منافيها
أنا بحارُها في عُشْقها دمثٌ /// خمورٌ من بقايا الفجرِ أَسقيها
سقتني العِشقَ من كأسٍ مُدلهةٍ /// ورحتُ ذلكَ(الحلاج) أرويها
أنا في الكونِ والكونُ بيَّ ابتدأَ /// إذا غبتُ فمنْ يُعشبْ بواديها
تصوَّفتُ وصلصالي يُنازعُني /// وأُبدي العشقَ في جلِّ معانيها
خُرافةُ نفسي في نفسي أُحطمُها /// وأُبدعُ وحيَّها أَسقي فيافيها
سقى اللهُ هدوءاً كانَ يَسكُنني /// وأرويهِ بقايا الروحِ أَشقيها
عواصفُ من بناتِ الروحِ تغمرُني /// وأركبُ موجها أسفنْ أَعاليها
تصدَّرتُ قواميسَ الهوى وطناً /// وسافرتُ إلى شُطآنِ عينيها
جمعتُ ذاتي من بعضي أُلملِمُها /// وحطمتُ قيودَ السجنْ أُعاديها
وأسكرُ مع جفونٍ لمْ تنمْ أبداً /// وأشربُ خمرةً ملّتْ خوابيها
وأزهرتُ جدائلَ عُشقِ قافيتي /// وناصيتُ فحولَ الشعرْ أُلاقيها
أنا منْ زلزلتْ أحلامُهُُ مُدُناً /// وهزَّ اليمَّ فانداحتْ شواطيها
أنا من يَعْشقِ الصمتَ بمعبدهِ /// وقدْ قالَ الهوى ما كُنتُ أَعنيها
صلبتُ الحُبَّ في عينيها أُغنيتي /// ورحتُ دمعةً تهجرْ مآقيها
على كفيَّ نيرانٍ أُؤججهُا /// فتحملُني كطفلٍ من بواكيها
رأيتُ فيها مايُشقي الغِوى سبباً /// ورحتُ في بحارِ العُشقِ أفنيها
تعلمتُ المواويلَ المُهجنةَ /// تجرعتُ سموماً منْ أفاعيها
وشرعتُ بحّاَر العُشقِ أزمنةً ً /// تعبدتُ بها وحياً وراعيها
صلبني الشوقُ في فجرِ صبابتها /// على أعوادِ ناقوسٍ بواديها
وحنتْ روحيَّ الولهى لمقدمها /// متى يا أيُّها الوهابُ تُعطيها
ستنبجسُ مياهُ العهدِ من قِممٍ /// ونشربُها كخمرٍ من معانيها
نرتِلُها زماناً كُنَّا أطفالاً /// عجيناً فوقهُ الصُلبانُ نبكيها
لعقنا دمنَّا ،الشُهداءُ مابرحوا /// وقافلةً تتابعُ سيرها ليها
وكمْ من قهرنا المجبولِ بالدمعِ /// سقينا تُربةَ الأجدادِ نرويها
بنصفِ ذراعنا المبتورِ كُنَّا إذْ نُصارعُ ثُلةَ الحيتانِ نرميها
تلوحُ من سنا الستينْ مُعجزةٌ /// وأبقى أنشدُّ عُشقاً تلاقيها
فنونُ الروضِ ماهبتْ نسائمهُ /// ولا عُرسُ الهوى إلاَّ لِنُهديها
حلمتُ أنها العشرونَ تلبَسُني /// فرحتُ الصبَّ تأسرني مغانيها
سئمتُ الكذبَ في نفسي مصارعةً ً /// وكمْ أشقتني في الفجرِ شواديها؟
سئمتُ الشاعرَ طلسمْ وأحجيةً ً /// فلا فُكتْ ولا سُمِعتْ أغانيها
هي في عُمريَّ آلافُ أزمنةٍ /// وحسناءٌ لعوبٌ في تثنيها
سأحرقُ كلَّ أكداسي لعودتها /// وأُشْعِلُ شمعةَ الروحِ ِ وأفديها
سأبقى في دفاترِعُشقِها صباً /// وأعبرُ جسرها حبواً أُلاقيها
ستأتي عندَ أبوابي تُسائِلُني /// وأَزعمُ أني بالحُبِّ سأرُضيها
بحبِ الواحدِ الفادي أُرتِلُها /// عسى أنْ يغفرَ الرحمنُ عاصيها
هي عشتارُ في نفسي تُصالِحُني /// وجلجامشْ إذا بالعِشبِ يُغريها
هي الشُهداءُ للحقِ إذا انتقلوا /// وأرجعوا شمعةَ الروح ِ لباريها
هي الآياتُ في الأجيالِ قدْ حُفِرتْ /// متى يافجر ُتُشرقْ في دياجيها
***
اسحق قومي
شاعر وأديب سوري مقيم في ألمانيا