من أجمل ماقرأت ..
إنّهم الآباء !
منذ ثلاثة أشهر تزوجتْ أختي، وفي طريق عودتنا من حفل زفافها إلى البيت، قال أبي بدموع على هيئة كلمات: زواج البنت مختلف عن زواج الولد، عندما يتزوج ابنك تشعر أنك ازددتَ، أما عندما تتزوج ابنتك فإنك تشعر أن قطعة قد نقصت منك !
ما زالت تلك الكلمات ترنّ في أذني ، وكلما نسيتها جاء حدث ما ليذكرني بها، منذ أيام فقط رأيتُ صورة خاتم منقوش عليه: "أنا أحببتكِ أولًا"، ولا أذيع سراً إذ أقول أني تسحرني الخواتم التي يُنقش عليها كلام باللغة العربية، وأشعر بحشرية غريبة لأعرف سبب اختيار تلك الجملة، والقصة التي وراءها ! المهم أن الخاتم المنقوش عليه: أنا أحببتك أولًا، أهداه أب لابنته يوم خطوبتها!
أعادني هذا الخاتم إلى كلمات أبي التي ترنّ في أذني وأنا أنظر إلى بناتي في انتظار اليوم الذي سيقطعن فيه لحمي!
ثم ما كدتُ أخرج من قصة خاتم الخطوبة حتى قرأتُ البارحة خبرًا ينضوي تحت لواء ما نحن فيه!
"جاريث جالهان" أمريكي من فرجينيا، يبلغ من العمر أربعة وأربعين عامًا، أو هي كل ما استطاع بلوغه من عمر! اعتاد "جاريث" كل يوم أن يكتب كلمات مُحفزة لابنته على مناديل يضعها في علبة طعامها عند ذهابها إلى مدرستها الثانوية، شَعرَ "جاريث" أنه ليس على ما يرام، فذهب إلى المستشفى، وأخبره الأطباء أنه مصاب بالسرطان في مراحله الأخيرة، وأن أيامه معدودة ! فكتب ثمانمئة رسالة تكفي ابنته حتى تخرجها من الثانوية، وأوصى زوجته أن تضع كل يوم رسالة لابنته كما كان يفعل، وبالفعل مات "جاريث" وبقيت رسائله لابنته!
عاطفة الأمهات تجاه أولادهن تغنّى بها الشعراء، وكتب عنها الأدباء، وهم محقون فالدنيا أم ! هكذا قال الأوائل ونحن على آثارهم، فماذا عن الآباء؟ هذا الحب المستعر في قلوبهم ولا تلتفت إليه الأقلام لأن الأب رجل، والرجال أصلب من النساء وأكتم لعواطفهم، ولكن الذي لا يرى من الحُبّ إلا ما يطاله الإعلان فهو أعمى! إن حبّ الأب لابنته خصوصًا لخصه أعظم أب في تاريخ البشرية منذ ألفٍ وأربعمئة سنة، يوم اعتلى المنبر وقال: "إن ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها"
وليس ببعيد عما نحن فيه، كان الزوج الذي اعتاد أن يسيء لزوجته، يداعب ابنته الصغيرة، فقال له زوجته: ماذا لو أهانها زوجها غدًا؟
فقال: سأقتله!
فقالت له: أنا أيضًا ابنة رجل يُحبني
فاتقوا الله في قلوب الآباء!
#أدهم شرقاوي