الى وزارتي الثقافة في ارمينيا والعراق...بقلم آرا سوفاليان
كانت هناك دولة ستار حديدي أخرى في الشرق الأوسط وهي العراق، ولم نكن نعرف عن العراق شيئاً باستثناء ناظم الغزالي والمنّ والسلوى، وكنا نعرف أن هذا الجانب مغلق ولا يمكن مجرد التحدث عنه ولا نعرف ولا يمكننا أن نعرف عنه شيئاً ولعقود طويلة، وقتلوا ناظم غزالي وأنقطع المنّ وانقطعت السلوى، ويا زارع بزر القروش ازرع لنا حنّة وجمالنا غرّبن وا ويلي للشام وما جنَّ...وتم اغلاق الحدود فبقيت جمال العراق في الشام ونسيت موطنها...ومحملات دهب وفوق الدهب حنّة...ولم نرى من العراق لا دهب ولا حنّة!!!
وفجأة تفتح الحدود ويدخل سوريا بضعة ملايين من اخوتنا العراقيين ويعود ناظم الغزالي في ثوب الهام المدفعي، إلهام المدفعي الذي لم نكن نسمع عنه شيئاً في السابق...ويمكن لأي موسيقي تحسس العبقرية في أي موسيقي آخر ولمسها بيديه وهذا ما حدث لي مع الهام المدفعي...والسر معروف...إن سبب نجاح المدفعي ومن هو في حكم المدفعي، هو العودة الى الفولكلور الشعبي المتعلق بالبلد، والمدفعي عاد الى الفولكلور العراقي الجميل، والفولكلور بالنسبة لأي شعب من الشعوب هو صندوق يحوي الكنوز، قد يكون غارق في البحر وعليه طبقة من الرواسب ومهدد بالضياع التام والتلاشي كما كان سيحدث للفولكلور الأرمني لولا بعض السواعد الأرمنية المخلصة التي احسنت استغلال العلم والثقافة في الاتحاد السوفياتي السابق وأخذت نصيب ارمينيا منهما كآرام خاتشادوريان.
وصل الى يدي سي دي يحوي الكثير من أغاني إلهام المدفعي المأخوذة من الفولكلور العراقي والمطعّمة بالاسلوب الغربي في الهارموني وإضافة أكورات جميلة على الكيتار وريتمات أعجمية فقلت في نفسي لا بد أن إلهام كان يعمل كعازف كيتار في فرقة غربية ثم قلت هيهات ان تتحقق في عصر صدام هذه المقولة...ولكن حدث ما توقعته فلقد كان الهام وفرقته قد سجلوا بعض الاغاني الغربية بصوت الهام فعرفت ان ما توقعته كان صحيحاً فالمدفعي لم يكن عازف كيتار في فرقة غربية فحسب بل عازف كيتار ومغني وعلى مستوى متقدم.
وكالعادة فإن العبقري يقع دوماً في مشكلة مع التمويل، ولذلك فإن تسجيلاته الجديدة كلها، مباشرة وبواسطة ميكسر متصل بأجهزة الصوت وهذه الطريقة تختلف عن التسجيل في الاستديو حيث لا يمكن في التسجيل المباشر تلافي الأخطاء لا من العازفين ولا من الطريقة المعتمدة في توزيع الصوت واقتسام الحصص ونقاء المدخلات...والنتيجة هي تسجيل رديء وكانت بعض تسجيلات المدفعي تندرج في هذا الاطار.
احببت هذه الموسيقى الرائعة وسرحت فيها فعرفت انها تشترك مع الموسيقى الأرمنية في شيء واحد "أنها مأخوذة من نفس المنهل" الموسيقى الفولكلورية العراقية التي تتوافق مع المقامات الغربية والريتمات الأرمنية هي موسيقى تتطابق مع الموسيقى الأرمنية في كل شيء...ولأن ارمينيا متقدمة جداً في الموسيقى "عزف وتوزيع وتسجيل واستديوهات رقمية متطورة" جال في فكري الخاطر الآتي: لماذا لا يتم تخليد هذه الروائع الكنوز بتآلف يحوي " الهام المدفعي ومن هو في مرتبة إلهام المدفعي من المطربين العراقيين وموسيقيين أرمن وموزعين أرمن وستوديو أرمني" فيتم انقاذ هذه الكنوز بطريقة عظيمة خاصة وان الموسيقيين الأرمن سيعزفون موسيقى يعرفونها ويألفونها لأن مشابهاتها تسري في دمائهم.
آرا سوفاليان
كاتب إنساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 06 11 2012
arasouvalian@gmail.com