إن الأسوأ في مصر لم يأت بعد إذا استمر العقل في إجازة، وإذا واصلت الحكمة قيلولتها في أرض الكنانة”..
بقلم أسامة عكنان
ArabNyheter | 2013/07/18لا يوجد تعليقات
على ذمة قناة النيل للأخبار..بدأت في نيابة محكمة شرق القاهرة التحقيقات في شكاوى مُتَقَدَّم بها من سكان المنطقة تتعلق بتضررهم من استمرار الاعتصامات في ميدان "رابعة العدوية"..الغريب في الأمر أن ميدان التحرير المغلق والذي تقف اللجان الشعبية على كلِّ مداخله للتدقيق والمراقبة، والذي يُعتبر قلب القاهرة الكبرى بأكملها، والذي يربط شرق القاهرة بغربها، وشمالها بجنوبها، ووسطها بأطرافها ربطا حيويا، والذي تقع في قلبه أهم محطة مترو وأكثرها ازدحاما، وبجواره أهم موقف لوسائط النقل في القاهرة وهو "ميدان عبد المنعم رياض"، والذي يربك إغلاقُه كلَّ حركة المرور في القاهرة في جميع الاتجاهات، والذي يقع فيه المتحف المصري الذي يعد كنز كنوز مصر، وجامعة الدول العربية، والجامعة الأميركية، والقريب من السفارتين البريطانية والأميركية ووزارة الداخلية ومجلس الشعب والمحكمة الدستورية ومجلس القضاء العالي، ونقابة الصحفيين ومبنى الإذاعة والتلفزيون، والذي يقع فيه أهم مجمع حكومي يقدم تسهيلات خدمية رسمية لثمانين مليون مصري من جميع المحافظات، والذي تقع في مداخله أهم الفنادق الكبرى في القاهرة مثل شيفرد، والهيلتون، وسميراميس، فضلا عن ميدان عبد المنعم رياض الذي يفقد أيَّ قيمة له إذا أغلق ميدان التحرير، والذي تقع فيه مئات المحال التجارية والمطاعم وعشرات المكاتب السياحية، وعشرات العمارات السكنية التي يسكنها الآلاف من المواطنين، والذي تتفرع منه أهم شوارع مصر التجارية الحيوية مثل "طلعت حرب" و"محمد محمود" و"قصر النيل" و"القصر العيني" وغيرها.. نقول.. الغريب في الأمر، أن أحدا من سكان ميدان التحرير أو مستخدميه أم المتضررين من إغلاقه، لم يشكُ من أيِّ مشكلات من استمرار الاعتصام فيه، ويبدو أنهم لن يشكوا تحت أيِّ ظرف، رغم أن إغلاقه يؤثر تأثيرا حقيقيا على الاقتصاد المصري الذي بدأ الإعلام يرَوِّج لكون الاعتصامات في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة تسبب له – أي لهذا الاقتصاد – مشكلات هو في غنى عنها في هذه الظروف..بالأمس أيضا سمعت على قناة "النيل للأخبار" ممن تم التعريف بأنه مسؤول في مركزٍ للدراسات لا أذكر اسمه، أن هناك دراسات أجريت وهي "موثوقة" (!!) و"علمية" (!!) و"موضوعية" (!!) و"محايدة" (!!)، تفيد بأن تكلفة الاعتصامات والتجمعات والتظاهرات التي قام بها الإسلام السياسي وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين على مدى السنة الماضية تجاوزت الـ "24" مليار جنيه (!!)، وأن المسألة لم تعد متمثلة في فكرة "رشوة المعتصمين بوجبات الطعام"، بل في فكرة "من أين لك هذا" (؟!)لسنا ندري أيَ نوع من العقول يخاطب هؤلاء، وما الذي يريدونه من وراء هذا القدر من الإسفاف (؟!)سنفترض كما افترض الباحث الموضوعي سالف الذكر، أن هناك "100" ألف معتصم في ميدان رابعة أو في غيره من الميادين يعتصمون على مدار السنة. وهو ما يعني أن الإخوان المسلمين وحلفاءَهم من "تنظيمات الإسلام السياسي" ومن "المصريين المُغَرَّر بهم"، كما تقول وسائل الإعلام المصري عمن يخرج من بيته ليحتشد في ميدان رابعة العدوية، كانوا وعلى مدى الـ "365" يوما التي قضاها "محمد مرسي" في الحكم، يحشدون بشكل يومي ودون انقطاع، في هذا الميدان أو في ذاك، "100" ألف متظاهر – وهذا طبعا ما تكذبه كلُّ الشواهد، فأغلب الحشود التي كانت أسبوعية وليس يومية، تم تنظيمها من قبل الطرف المعارض لحكم الإخوان المسلمين – وأن جماعة الإخوان المسلمين كانت تُؤَمِّن لجميع المحتشدين أكلهم وشربهم يوميا على النحو الذي تم إيراده في مداخلة ذلك العبقري حين قال:"كل واحد من دول عايز ساندوتشين فول، وساندويتش طعمية، وقزازتين مية، وواحد ساقع، فيه أقل من كده؟!"..نقول.. سننطلق مما افترضه هذا المفَوَّه لا فُضَّ فوه، لنكشف عن حجم التلاعب بمصير مصر، والاستخفاف بعقول المصريين، والاستهانة بإراداتهم تجاه ما يراد لهم أن يغرقوا في اعتناقه وتقديسه من "ليبرالية جديدة"، تحت هيمنة بلطجةٍ جديدة، يقودها "الليبراليون الجدد"، ولا نقول أننا سنكشف عن حجم الاستخفاف بعقول المصريين تجاه إعادة إنتاج مواقفهم من الإخوان المسلمين، الذين لم يعودوا هم أنفسهم يحظون بتلك الشعبية التي يتصورها الكثيرون، والذين كانوا سيتهاوون لو حيل بينهم وبين أن يموتوا سريريا، لكي لا يتحمل أحد مسؤولية دمهم، بدل أن يتم إطلاق رصاصة الرحمة عليهم، فيظهرون كشهداء مقدسين وضحايا مظلومين..إن الرشوة اليومية التي أشار إليها صاحبنا تقدر قيمتها في أغلى المطاعم السياحية في "مدينة نصر" أو "مصر الجديدة" أو "غاردن سيتي" أو "الزمالك أو "المهندسين" بـ "35 جنيها مصريا..وهذا يعني أن الـ "100" ألف محتشد الذين افترض "أخونا العبقري الباحث النزيه والمحايد ذاك" تواجدهم بشكل ثابت على مدار السنة في ميادين مصر لحساب الإخوان المسلمين، سوف يتم الإنفاق على أكلهم وشربهم بما تُقَدَّر قيمته الإجمالية بـ "1,275" مليار جنيه مصري فقط لا غير..وإذا أضفنا إلى هذا المبلغ مبلغا يكافئه لخدمات الدعم اللوجيستي "خيام، لافتات، أعلام، وسائط نقل، منصات، صوتيات.. إلخ"، وهو ما يعتبر مستحيلا وغير معقول منطقيا، فإن إجمالي ما يمكن أن تُكَلِّفَه تلك الحشود الدائمة والثابتة والمفترضة هو "2,55" مليار جنيه مصري..ونحن هنا نتجاوز لغايات تجنب الجدل السفيه، عدم صحة كلِّ الافتراضات السابقة التي يترتب عليها إنفاق هذا المبلغ. حيث أن عدد الاعتصامات كان أقل من ذلك بكثير على مدار السنة الماضية، وهي كانت في الطرف الآخر أكثر بكثير مما كانت عليه في صف الإخوان وحلفائهم، لأنهم كانوا في السلطة ولم يكونوا يحتاجون كثيرا إلى الاعتصام والتحشيد كما هو حال معارضيهم، وحيث أن تكلفة الدعم اللوجيستي أقل من ذلك بكثير أيضا، وحيث أن الكثيرين من المعتصمين كانوا يتولون بأنفسهم الإنفاق على أنفسهم.. إلخ.. نقول.. أننا نورد الرقم الذي أوردناه متجاوزين "الجدل السفيه" في الموضوع برمته..أي أن أضخم مبلغ إنفاقي متصور لا يستطيع أحد إثبات تَوَفُّر عُشرِ عناصره الموجبة له، بلغ أقل من عُشْرِ الرقم الذي أورده باحثنا العظيم (!!)ومع ذلك يُرْعِد الباحث النزيه ويَزْيِد، ولأنه يعرف أن أرقامه لن تفي بالغرض التعبوي المضاد الذي جُنِّدَ لأدائه، فإنه راح يتحدث عن نفقات على السلاح الذي تم شراؤه من قبل جماعة الإخوان المسلمين لاستخدامه عند الضرورة..وهذا يعني أن جماعة الإخوان المسلمين تسلحت بما يزيد عن "20" مليار جنيه مصري خلال السنة الماضية، وهو ما يزيد عن "3" مليارات دولار أميركي (!!). أي ما يكافئ ضعفين ونصف القيمة الإجمالية للمعونة الأميركية للجيش المصري، والتي يشتري بها هذا ذلك الجيش "الطائرات، والدبابات، والراجمات، والصواريخ، والذخيرة، والسفن الحربية، والمدفعية، والمضادات الأرضية والجوية، وأسلحة الحرب الإلكترونية المتطورة.. إلخ"..أي أن الإخوان المسلمين تسلحوا تسليحا يكافئ تسليح الجيش المصري في سنة (!!!!!!!)الأمر لا يحتاج إلى تعليق..الإعلام المصري بدأ منذ أيام بالتمهيد لإمكان فض الاعتصامات السلمية بالقوة، إذا تبين أنها تسبب مضايقات وإرباكات للمواطنين ولحركة السير والتنقل، ولتدفق الأعمال التجارية..وركزت وسائل الإعلام على أن إثبات ذلك يحتاج إلى شكاوى وتحقيقات.. إلخ، كي لا يبدو الأمر تعسفيا عندما يتم التعامل بهذا المنطق مع ميدان "رابعة العدوية" وميدان "النهضة" وتجاوزه في ميدان التحرير..لم أعد أثق لا في "قادة ثوار مصر" ولا في "قادة الجيش المصري" ولا في "رؤوس القضاء المصري" ولا في "الإعلام المصري شديد النزاهة" ولا في "رجال أمن مصر"، ولا في "المعارضة المصرية"، كما لم أكن أثق قبل ذلك لا في "الإخوان المسلمين" ولا في "تنظيمات الإسلام السياسي"، ولا في "الأحزاب السياسية الديكورية المحنطة" التي لا تجيد صنع أيَّ شيء لهذا الشعب المغلوب على أمره، والتي لا تتقن سوى فن القفز على ثورات الشباب، وعلى معاناة الفقراء، بعد أن تبين لي بما لا يحتمل الشك، أن المنطق السائد في مصر الآن هو "منطق الغلبة والمغالبة" الذي سينزلق بمصر إلى الهاوية، وليس "منطق التوافق" الذي يلجأ إليه الحكماء والعقلاء في العادة عند استفحال الأزمات المنذرة بالكوارث، بعيدا عن الغرق في تفاصيل "الحق معي.. لأ الحق عليك.. الحق علي..لأ الحق معك" (!!!!!!!!!!!!!!)إلى جميع من يسيل لعابهم لرؤيتهم أَخْيِلَة "رُزَم مئات المليارات" تتربص منتظرة كي تتدفق على مصر، لتنهض بها وتحولها إلى بالوعة لكلِّ قذارات الإقليم، برشوة تُسكِتُ شعب مصر العظيم لجيلٍ كامل قادم..إلى جميع هؤلاء من الخندقين "التحرير" و"رابعة العدوية" أقول.."لا تفرحوا كثيرا، فهذه المليارات لن تهل أو تنهال عليكم ما لم تحسموا قضية الأمن الناتجة عن الأزمة الراهنة. وتأكدوا من أن قضية الأمن الراهنة لا تحسمها "الغلبة" بل يحسمها "التوافق" والتوافق فقط. فأنتم بخنادق "المغالبة" التي تتخندقون فيها في "التحرير" و"رابعة"، في "النهضة" و"الاتحادية"، تعمقون شرخ مصر وترسمون لهذه الأيقونة التي تسكن قلوب كلِّ العرب والمسلمين وأحرار العالم، مستقبلا قاتما، أشد قتامة من كل ما يخطر على بال أحد"..بدموعنا نقول لكم:"لا تجعلوا مئات المليارات التي تقتتلون على السيطرة على مصر لأجل تولي إدارتها – وأنتم تخدعون كلٌّ من خندقه كلَّ المتخندقين معه – تتحول إلى وقود لتغذية محرقة طاحنة تحرق مصر وتحرقنا معها (!!)انتظروا كم يؤلمني أن أقول بحرقة.."إن الأسوأ في مصر لم يأت بعد إذا استمر العقل في إجازة، وإذا واصلت الحكمة قيلولتها في أرض الكنانة"..