المبالغة بحماية الأطفال
تعطي نتائج عكسية وتولد شخصيات ضعيفة
عن الشرق الأوسط
نشوى الحوفي – القاهرة
العديد من الآباء والأمهات لا يعرفون الاسلوب الأمثل للتعامل مع الأبناء وقت حدوث الأزمات، مثل وقوع الطلاق بين الأبوين وزواج أحدهما أو كلاهما، أو وفاة أحد الأبوين فجأة في حادث أليم وما شابه ذلك، على الرغم من أن أقصر الطرق دائما هو الوضوح والصراحة. تقول(وفاء)، وهي أم لثلاثة أبناء، أكبرهم فتاة في الخامسة عشر من عمرها، تليها فتاة تصغرها بعامين، ثم طفل في الثامنة من عمره «بدأت المأساة حين مات الأب في حادث سيارة أثناء سفره للخارج للعمل، أخبرت البنتين، لكني لم أستطع اخبار الصغير ذي السنوات الست خوفا على مشاعره حيث كان شديد الارتباط بوالده، وأقنعته بأن والده لا يستطيع التحدث في الهاتف أو المجيء لظروف عمله، وصدقني. مر عامان وسؤاله عن أبيه لم ينقطع، وفي لحظة ضيق أخبرته انه قد مات منذ عامين. لم أدرك أني أصبته في مقتل، حيث فقد النطق لعدة أيام، ثم عاد للحديث مرة أخرى ولكنه ازداد انطوائية، واصبحت تنتابه نوبات خرس وضيق في التنفس كلما سمع بموت أي أحد حتى ولو لم يكن من أقربائه». وتقول الدكتورة منال عمر، استشارية طب النفسي للأطفال: «بإخفاء هذه السيدة خبر وفاة الأب عن ابنها لمدة عامين وإخباره بطريقة مفاجئة، جسدت في ذهن الصغير فكرة أن من يسافر يموت، وبالتالي عندما يخبره أحد أنه مسافر، فهذا يعني بالنسبة له انه مات، ولكنهم لا يريدون إخباره. ليس هذا فقط، فالصغير بات لا يثق في ما تخبره به أمه رغم حبه لها، لأنها لم تبلغه بطريقة مناسبة خبر وفاة والده، وكان الأجدر بها عندما علمت بوفاة الأب أن تحضر أبناءها الثلاثة وتخبرهم جميعا بالخبر، وتشعرهم بمسؤوليتهم تجاه بعضهم البعض. فمأساة كثير من الأسر انها تستصغر أبناءها وتريد حمايتهم بأي شكل، في حين ان التعامل مع الاطفال بتوفير المعلومات الصادقة بأسلوب مناسب يجنبهم الآثار السيئة للصدمات.
يجب على الآباء والأمهات أن يدركوا ان الطفل قادر على استيعاب الأحداث المحيطة به، ويستطيع التعامل معها وفقا لقدراته الفطرية الخاصة. فالأطفال لا يشبهون بعضهم في مدى استيعابهم للأزمات، هناك طفل يبكي وينهار وقد يصاب بصدمة عصبية تحتاج إلى علاج، في حين ان هناك طفلا آخر في نفس الظروف ويستقبل الأزمة أيضا بحالة من الخوف أو الفزع، الذي سرعان ما يزول».
وتنصح الدكتورة منال عمر الآباء والأمهات بأن يتحدثوا الى ابنائهم عند وقوع أي مشاكل اسرية مهما كان حجمها. ولا يختلف الأمر عندما يشعرون بأن أحد الأبناء يمر بأزمة خاصة، حيث عليهم أن يسألوه عن التفاصيل باسلوب لبق بعيد عن أسلوب التحقيق. فالحديث عن الأزمة يهون حجمها في نفوسهم، ويساعدهم على النظر إليها من وجهة نظر أخرى بعيدا عن السوداوية التي تنتج عادة عندما لا يجد من يسمعه أو يتحدث إليه.
وتحذر الدكتورة منال الآباء والأمهات من التمادي في حماية الأبناء، لان هذا يجعلهم أكثر ضعفا ويفقدهم قدراتهم على مواجهة الأحداث.
وعن تكرار الأعراض التي تصيب بعض الأطفال عند تعرضهم لأزمة أو حادثة لدى رؤيتهم حادثا مماثلا أو شيئا يذكرهم بالأزمة، تقول الدكتورة منال عمر: «لا يدرك الصغير أو الكبير الذي تعرض لأزمة من دون أن يتحدث عنها أو يعالج من آثارها انها تقبع بداخله في انتظار أي مثير لاخراجها مرة أخرى، وهذا ما حدث لطفل السيدة وفاء، فالسفر بات يخيفه لأن ارتبط في ذهنه بموت الأب، لذلك من المهم جدا أن يتعلم الآباء والأمهات كيف يختارون كلماتهم بدقة عند إخبار الأبناء صغار السن بأي خبر مماثل، حتى لا يتسببوا لهم في صدمة ترافقهم العمر كله.