سياسة الترحيل الجديدة في "كونفدرالية عبد الله/عباس"
نؤكدُّ بداية على أن الدعوة إلى "أردنية الضفة الغربية"، وعلى أن رفع شعار "وحدة الضفتين" أيا كان شكل الوحدة بينهما، هما دعوة وشعار لا قيمة ولا معنى ولا شرعية لهما، إلا إذا تحققا وتجسَّدا على أنقاض النظامين الوظيفيين "الفلسطيني" و"الأردني" الحاليين. وهما يفقدان شرعيتهما من ثمَّ – أي الدعوة والشعار – إذا جاءا خدمة لهذين النظامين، بل هما يتحولان إلى أدوات فاعلة في أيِّ مشروعٍ لرفد العلاقات الإمبريالية الصهيونية الوظيفية بمقومات الديمومة والاستمرار، إذا تبناهما النظامان الوظيفيان الأردني والفلسطيني، لأن تبنيهما من قبلهما لن ينطوي إلا على شكل من أشكال ترحيل الأزمات دون أيِّ حلول حقيقية لها، ودون أيِّ تأهيل للمشهدين الأردني والفلسطيني على نحوٍ يجعلهما مشهدين قادرين على احتضان مشروعي التغيير والتحرير.
وبالتالي فـ "فاروق القدومي" و"الأمير الحسن ابن طلال" بحديثهما السابق عن "أردنية الضفة الغربية"، وبعدهما "الملك عبد الله بن الحسين" و"محمود عباس" بتأسيسهما لـ "الكونفدرالية"، أربعتُهم غيرُ مؤهلين لأيِّ حديثٍ يتعلق بحلول حقيقية لقضايا الشعبين الأردني والفلسطيني، وكل ما يفعلونه لا يستهدف إلا الحديث عن إنقاذ وظيفيات يمثلونها. فأردنية الضفة الغربية لا ينجزُها إلا شعبٌ أسقطَ الوظيفيات، ولا تنجزها وظيفيات تريد أن تُسْقِطَ قضية، وتدمرَ شعبا، وترهن مصير وطن وأمة، أو تريد أن تَخرج بالترويج لها من أزمة.
في فضاء الإرهاصات الأولى لتأسيسه لشَرَكِ "الكونفدرالية"، أكد "سلام فياض" تعقيبا منه على واقعة حصول فلسطين على مسمى "عضو مراقب" في الأمم المتحدة، أن شيئا لن يتغير بدون مشاركة أمريكية كبيرة في العملية السياسية. لكن الأمريكيين كانوا معارضين لمشروع "العضو المراقب"، حيث أكدت ممثلتهم في الأمم المتحدة "سوزان رايس" ذلك قائلة: "إن الإعلان الكبير اليوم سيختفي سريعا، وإن الفلسطينيين سيستفيقون في اليوم التالي ليجدوا أنه لم يحصل تغيُّرٌ على حياتهم". وفي المجمل ترى الكثير من التعليقات "أن القرار ما هو إلا قرارٌ رمزي".
ونحن نعتبره أقل من ذلك بكثير، لأنه قد يكون أرضية قانونية تنسخ وتلغي قرارات أممية أهم منه على نحوٍ واضح. فنحن نتساءل بالفعل: كيف تسمح أيّ جهة فلسطينية لنفسها بأن تتجِهَ إلى الأمم المتحدة لتستصدرَ منها قرارات تنطوي على أقل بكثير مما انطوت عليه قراراتٌ سابقة، كنا ومازلنا نعتبرها معتدية على حقوقنا، ونقبلها إن قبلناها من باب التجاوز ومن باب واقعية القبول بالشرعية الدولية، لأنها قد تكون طريقنا إلى الشرعية التاريخية؟!
أليس قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو القرار 181 لعام 1947، يعترف بحق الفلسطينيين في دولة عربية فلسطينية على جزءٍ كبير من أرض فلسطين التي تمَّت الإشارة إليها في صكِّ الانتداب البريطاني، وهي دولة كاملة العضوية، وليست مجرد "عضو مراقب"؟!
فإذا كنا قد تركنا البندقية وقررنا اللجوء إلى المفاوضات وإلى القرارات الدولية في هذا الرهان المستحيل على استرجاع حقوقنا المغتصبة، ألم يكن من الأجدى والأنفع والأقوى، الإصرار على مرجعية هذا القرار الذي لا يستطيع أيٌّ كان أن يعترض علينا عند اللجوء إليه بوصفه مرجعية من مرجعيات الشرعية الدولية لاستعادة الحقوق المعترف بها على أرض فلسطين؟!
وإذا كان الردُّ على سؤالنا ذاك هو بالقول بأن إسرائيل ما كانت لترضى، وبأن الولايات المتحدة ما كانت لتوافق على هذه المرجعية، فهل هما وافقتا أصلا على ما هو أقل منها ورضيتا به؟! بل هل هما ستقبلان بأيِّ مرجعيات نقيم عليها مطالبنا، حتى لو كانت في مرحلة معينة أقل من سقوف عروضهما؟!
إن العبرة في تحقيق نتائج ملموسة على الأرض بشأن الحقوق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ليس هو حجم المطالب، ولا هو المرجعيات القانونية والسياسية التي نقيم على أساسها تلك المطالب، بل هو القدرة على فرضها، فلا فرق بين مطلب وآخر إلا بقدر ما نكون متمكنين من تحقيقه وإنجازه أيا كان حجمه، بحيث أن مطالب كبيرة بدون قدرة على تحقيقها، هي فرقعة وقرقعة في فراغ، وهي من ثمَّ أقل قيمة من مطالب قليلة مرفقة بالقدرة على تنفيذها؟!
وبالتالي وفي ظل أوضاع كهذه، وفي ضوء طبيعة الصراع ذاته من حيث القوانين التي تحكمه على وجه الحقيقة، أوليس من الحكمة لمن يريد اللجوء إلى التفاوض الأبدي لاسترداد حقوقه، أن يقيمَ تلك الحقوق على الشرعية الدولية، تاركا بعد ذلك للزمن وللمتغيرات فرصة تحقيقها على أرض الواقع؟! فمادمتُ لن أنجزَ شيئا بالتفاوض، ولن أخسرَ شيئا بتوسيع دائرة مطالبي، فلماذا لا أوسعها مادمت سأبقى ضمن الشرعية؟!
إن من يعملون على تقليص دائرة مطالبهم إلى ما هو أقل بكثير من حقوقهم التي تقررها الشرعية الدولية – ونحن هنا لا نتحدث عن الحقوق التي تسندها الشرعية التاريخية – هم مَنْ يفترضون أن جوهرَ المشكلة في ظل الاختلال في موازين القوى، يكمن في حجم المطالب، وليس في ميزان القوى المختل ذاتِه. وهؤلاء يخطئون في تصور مُّكَوِّنات الصراع، وينحرفون في توصيف الفعل المؤدي إلى حسمه، ويجدون أنفسهم مضطرين دائما إلى التراجع عن السقف السابق تجاوبا مع ما راحوا يقتنعون بأنه حقائق جديدة لم تعد تنفع معها السقوف السابقة، تاركين للعدو المساحة الكاملة في تشكيل فلسفة الصراع، وفي صياغة معادلاته على الأرض.
وبالتالي فليس من السهل اعتبار أن ما أقدم عليه "محمود عباس" مما كان يلوِّح به دائما ليسفرَ لنا عن هذه الورقة الجديدة التي ستضاف إلى ألاف الأوراق في أدراجنا وأدراج العالم المغلقة، بعيدٌ عن تنفيذه لأجندةٍ ماَّ لها علاقة بما يحدث في الإقليم عامة وفيما يخص القضية الفلسطينية خاصة. فما هي هذه الأجندة التي بدأت إرهاصاتها بدعوةِ حقٍّ يُراد بها باطلٌ نعق به "الأمير حسن"، ليستدركَ عليه "فاروق القدومي" فيما جعله يبدو وكأنه أول المتحررين من وهم "الهوية الفلسطينية"، ليتمَّ القفز بعناصرها – أي بعناصر تلك الأجندة – من الحديث عن "أردنية الضفة الغربية" إلى الحديث عن "كونفدرالية" بين "دولة أردنية" و"مسخ دولة فلسطينية" فيما راح يعِدُّ له كل من "محمود عباس" و"الملك عبد الله"؟!
إن السلطة الفلسطينية بوصفها المُخْرَج المسخ الذي أنجبته "أوسلو"، استنزفَت كلَّ إمكانات توليدها لأكاذيبٍ وتسويفاتٍ وترحيلاتٍ جديدة. أي وبتعبير أدق، لقد انتهى دور اتفاقية "أوسلو" في قدرتها على تزويد حالة "اللاحرب واللاسلم" القائمة بأيِّ مُخرج جديد مقنع وقادر على الإسهام في عدم التأثير على الوضع الفلسطيني والأردني باتجاه عدم دفعه نحو إعادة إنتاج نفسه بشكل ثوري جديد قد يؤثر سلبا على حالة "اللاحرب واللاسلم"، خاصة مع تداعيات الربيع العربي على الساحة الأردنية.
وبالتالي ومادام اللجوء إلى "الخيار الإسرائيلي" بالانزلاق إلى "أوسلو" في فلسطين، بعد قرار "فك الارتباط" الذي تم اتخاذه في الأردن، كان يهدف إلى استدراج الجسد الفلسطيني الخارجي إلى مقتله للبدءِ في عملية ذبح القضية الفلسطينية وتصفيتها بشكلٍ ممنهج ومدروس، عبر كلِّ ما يتاح من استنزاف حالات التوالد الممكنة في الخيار الأوسلوي، فإنه قد الآوان لغلق هذا الملف باستكمال عملية الذبح عبر تصفية "السلطة الوظيفية الفلسطينية" بعد أن أدت دورها على مدى عشرين عاما، ولم تعد قادرة على تقديم المزيد.
ولكن تصفية "السلطة الوظيفية الفلسطينية" ودفن مرجعية "أوسلو" حتى إسرائيليا، بعد أن لم تعد إسرائبل قادرة على الاستفادة منهما، ليس من شأنه أن يحقِّقَ لإسرائيل نتيجة بناءة وفعالة على صعيد "القضية الفلسطينية" التي تُعْتَبُر قضية عصيَّة على التغييب المطلق. ويجب لترحيل آفاق حلولها النهائية إلى المستقبل، طرح صياغات جديدة لها قابلة لإنجاز ذلك الترحيل، كي لا تتجسَّد وتتخلَّق عبر صياغات مختلفة غير مسيطرٍ عليها من خارج دائرة الهيمنة والتوجيه "الإمبريالية والصهيونية والوظيفية".
تجري الأمور وتتتابع الأحداث على قدمٍ وساق، لاستكمال إغلاق ملف "أوسلو" الراهن، وملفا "الهوية الفلسطينية" و"منظمة التحرير الفلسطينية"، بالطريقة نفسها التي تمَّ فيها إغلاق ملف "الهيئة العربية العليا لفلسطين" وكافة مُخرجاتها، بعد حرب فلسطين عام 1948، وإدخالها في أتون معادلات "مؤتمر أريحا". إن العمل جارٍ على إعادة إنتاج القضية الفلسطينية في الحاضنة الأردنية القادرة على فتح ملف "أوسلو ضَفاَّوي" جديد يضمن ترحيل أوهام الحلول، والتلاعب بسقوف المطالب والعروض، عقدا أو عقدين قادمين من الزمن فيما يتعلق بالضفة الغربية.
ولقد تجلَّت المؤشرات الدالة على المشروع "الأوسلوي الضَّفاَّوي"، المنفصل عن المشروع "الأوسلوي الغزاوي"، والممهِّد لصورة مشوَّهة عن "مؤتمر أريحا" التاريخي، لاستنساخ أسوأ ما فيه، ممثلا في العمل على احتواء الفعل الفلسطيني وتغييبه وتصفيته، دون استنساخ أفضل ما فيه، ألا وهو نموذج الوحدة الحقيقية التي أنتجها، منتجا بها شعبا وطنيا ثائرا على الوظيفية، بسبب أن النسخة الجديدة المراد إنتاجها من هذا المؤتمر، والمنطواة في مشروع "أوسلو الضفاوي"، لا مكان فيها لأرضٍ أو لديمغرافيا يمكنها بتوحُّدِها الحقيقي أن تُنْتِجَ لنا الأردن الذي عرفناه في الفترة من عام 1952 وحتى عام 1968، والمناهض لثقافة العصبية والمقاوم للمشروع الصهيوني الإمبريالي الوظيفي، إن فشلت السياسة فبالمقاومة المسلحة. فالمشروع المراد إنتاجه هو مشروع ترحيلي، لا همَّ له سوى وضعنا على بداية طريق مُتَوَهَّمَة النتائج، لن نتحرك فيها خطوة إلى الأمام على سِكَّة الحلول الحقيقية، وذلك ضمانا لبقاء القضية تحت السيطرة ليس إلا..
نقول.. تجلت المؤشِّرات والإرهاصات الأولى الدالة على المشروع "الأوسلوي الضفاوي" في التالي..
– تصريحات "الأمير حسن" حين أشار ولأول مرة رغم أنه أحد صُناَّع السياسة الوظيفية للأردن إلى جانب أخيه على مدى عقود، إلى أن الضفة الغربية أرضٌ أردنية. فلفت الانتباه إلى أن هناك لعبة بدأت تُحاك فصولها في الخفاء بشأن الضفة الغربية في علاقة ماَّ لها بالأردن!!
– تعقيبات "فاروق القدومي" على تصريحات "الأمير حسن"، والتي كشفت لنا عن شخصٍ مخضرمٍ وجدَ في تصريح الأمير حسن فرصةً سانحةً للتعبير عن قناعته بوهم "الهوية الفلسطينية" على قاعدة "أردنية الضفة الغربية"، مؤكدا لكل المراقبين مخاوفهم بشأن مشروعٍ يُدّبَر بليل يستهدف استنساخ أسوأ ما في "مؤتمر أريحا"، وهو ما أشَّرت عليه بوضوح تصريحات القدومي التي جاءت لتؤكد على عدم اعتراضه على "أردنية الضفة الغربية" إذا أعيدت كاملة ومُحَرَّرة إلى الأردن، ودون أن يكون ذلك على حساب "حق العودة". ما جعل الاعتقاد بأن هناك لعبة تعمل على تصفية "القضية الفلسطينية" و"عودة الأرض المحتلة" و"حق اللاجئين في العودة"، لم يكن الحديث عن أردنية الضفة الغربية إلا مقدمة لها ليس إلا.
– تصريحات محمود عباس التي مهَّد فيها لإمكان التنازل عن حقِّ العودة، الذي يُعتبر عنصرا أساسيا سينطوي عليه المشروع الجديد "أوسلو الضفة"، مؤكدا مخاوف "فاروق القدومي" مما يقف وراء تصريحات "الأمير حسن" على وجه الحقيقة، ومتقدما خطوة في مسيرة صدم الفلسطينيين والأردنيين بالمشروع الجديد.
– مسرحية "دولة فلسطين المراقب" في ظل استمرار كارثة "اتفاقية وادي عربة"، وهي المسرحية التي اكَّدت بما لا يدع مجالا للشك على أن القادمَ كارثي، وهو كان بالفعل، عندما بدا بالفعل أن مشروع "الكونفدرالية" بين "الأردن" و"دولة فلسطين العضو المراقب الذي يخضع للاحتلال" كان جاهزا منذ زمن، وهو يتقدم بأسرع مما تصور الجميع.
إن فكرة مشروع "أوسلو الضفة" القائمة على إدخال القضية في مرحلة طويلة قادمة من الترحيلات، في ظل حقيقةٍ واقعة يحرص الجميع على الحفاظ عليها، ألا وهي اتفاقية "وادي عربة"، التي لا يمكن الحفاظ عليها إلا بتجاوز كلِّ ما قد يشير إلى أردنية الضفة.. إن هذه الفكرة اقتضت في ظل ذلك، أن تُرْفَدَ بمهزلة "الدولة المراقب"، التي تمثل واحدة من أكبر الخدع التي تمهِّد إجرائيا لمشروع "أوسلو الضفة" الجديد هذا، ألا وهو "الكونفدرالية".
فمشروع "أوسلو الجديد" في الضفة الغربية..
* إذ ينطوي على إقحام "النظام الوظيفي الأردني" في اللعبة القادمة من رأسه إلى إخمص قدميه، باعتباره الطرف الوظيفي الوحيد القادر على القيام بذلك.
* وبسبب استحالة إقحام هذا النظام في اللعبة ضمن ظروفٍ شبيهة تماما بظروف "مؤتمر أريحا" التاريخي جغرافيا وديمغرافيا، نظرا لانعدام أيِّ فكرةٍ لضمِّ أرضِ وسكانِ الضفة إلى الأردن في المشروع الجديد، بأيِّ شكل من أشكال الضمِّ المُنْتِجَة لأيِّ مستوى من مستويات السيادة، ما يوجب أن لا يتمَّ التعامل مع الضفة الغربية باعتبارها أرضا أردنية محتلة.
* ولأن "الكونفدرالية" التي هي الإطار الأنسب لتمرير مشروع الترحيل الجديد من خلالها – باعتبارها الإطار الذي يحافظ على منجزات النظام الوظيفي الأردني التي ترتبت على قرار فك الارتباط على الصعيدين الأردني والفلسطيني، ويُصَفِّي القضية الفلسطينية تصفية كاملة دون تحقيق أيِّ إنجاز لهذه القضية لا على صعيد "الهوية" ولا على صعيد "الدولة" ولا على صعيد "حق العودة" – لا يمكنها أن تتمَّ إلا بين الدول وليس بين دولةٍ وجزء منها.
فقد كان لزاما وجودُ وهمِ "الدولة" في "أوسلو الضفة" الجديدة الذي هو "مشروع الكونفدرالية"، مثلما كان "أوسلو 1993" قائما على وجود وهم "الهوية" فيه، لتمكين المشروع من أن يأخذ طريقه إلى التمرير.
ومن هنا جاءت فكرة "الدولة المراقب" التي حظيت باعترافٍ دولي، لتكون هذه الفكرة هي البوابة التي ستخدعُ الأردنيين والفلسطينيين على حدٍّ سواء، بأن هناك مشروعا جديدا ينطوي على فكرةِ إعادة بعض الأرض عبر وحدةٍ بين دولتين.
ومن هنا وبناء على ذلك أيضا، فإن مشروع "أوسلو الضفة" الجديد الذي يُلَوِّح بالكونفدرالية، هو مشروعٌ ترحيلي لا مكان فيه لأيِّ حلول تعيدُ الأرضَ لأصحابها، لأن إسرائيل التي لا تفكر بإعادة الضفة الغربية أو أيِّ جزءٍ منها إلى الفلسطينيين تحت أيِّ ظرفٍ، إنما ستنخرط في اللعبة الجديدة ألا وهي لعبة الكونفدرالية، ليس لأنها تفضل إعادة الضفة إلى حاضنة تجعلها في أيدٍ أمينة هي أيدي الأردنيين، بل لأنها لا تنوي إعادتها لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء من حيث المبدأ، وتعرض نسخة أوسلوية جديدة مغطاة بورق سلفان "الكونفدرالية"، لتحافظ على "وادي عربة" من جهة أولى، وكي لا تستفز الطرف الفلسطيني الغارق في وهو إنجاز "الدولة"، بعد أن أعيته السباحة تخبطا في بحور وهم "الهوية" من جهة ثانية.
وما الانتقال بالتالي من الإيحاء بفلسطينيتها عبر مشروع "غزة أريحا أولا" – وهو المشروع الذي تطلب قرارا أوهمونا بأنه قرارٌ تاريخي مثل قرار "فك الارتباط" ليمهِّدَ له – إلى الإيحاء بأردنيتها عبر مشروع "الكونفدرالية" الراهن – وهو المشروع الذي تطلب كي لا يَمَسَّ "وادي عربة" التي هي مُنْتَج "فك الارتباط" الشرعي، قرارا يُراد إقناعنا بأنه قرار تاريخي، مثل قرار "الدولة العضو المراقب" ليمهِّدَ له – سوى نوعٍ من التلاعب بسقوف العروض والمطالب لأجل ترحيل الحلول، وترحيلها فقط.
وهو ما يعني أن رفضَنا مشروعَ "أوسلو الضفة" الجديد الذي يُعدُّ له على قدمٍ وساق، إنما يقوم على تولُّد القناعة بأنه ليس مشروعا لإعادة الضفة الغربية المحتلة إلى الأردن، ولا هو مشروع سيحافظ على حق العودة، مع أننا في المحصلة لسنا ضد أيَّ مشروع تعود بموجبه الضفة الغربية إلى الأردن عودة حقيقية منطواةً على كامل معاني السيادة والاستقلال، كما كان عليه حالُ السيادة الأردنية عليها قبل حرب حزيران عام 1967، إذا تمت مثل هذه العودة دون أن تمسَّ أيا من الحقوق المترتبة للهوية الفلسطينية وللدولة الفلسطينية ولللاجئين الفلسطينيين كما تقررها الشرعيات المعترف بها، لأن هذا هو في الأصل جوهر العناصر الأساس في مشروع "التغيير" و"التحرير" الذي نعمل على تجسيده.
علاقة مشروع "كونفدرالية عبد الله/عباس" بظاهرة "الحراك الشعبي الأردني"
إذا كان ما يخطط له صُناَّع مشروعي "الكونفدرالية" في الضفة الغربية، و"أوسلو حماس" في قطاع غزة، من مردود سياسي على القضية الفلسطينية هو تصفيتها وترحيل أيِّ حلول لها، عبر إدخالها دوامات العروض والمطالب الجديدة المنطواة في هذين المشروعين، فإن ما يُخَطِّط له صُناع ذينك المشروعين على صعيد المردود السياسي في الأردن، الذي يشهد حراكا شعبيا متذبذبا بين التقدم والتراجع، وبين الصعود والهبوط، وبين القوة والضعف، منذ قرابة العامين، إنما يهدف إلى تصفية ذلك الحراك أو تلجيمه على أقل تقدير.
إن كلَّ الأطراف المعادية للحراك الشعبي، أو غير المعنية ببرنامجه، أو غير المطمئنة له على مستقبل برامجها وأجنداتها ومصالحها، تتحرك أو تُحَرَّك لتشكيل الساحة الأردنية بما يتماهي مع متطلبات المشروعين اللذين يُعَدُّ لهما في "غزة" وفي "الضفة"، بصرف النظر عن وعي الأطراف الفاعلة والمتفاعلة على هذه الساحة بهذه الحقيقة أو عدم وعيها بها، وبصرف النظر عن وعي الحراك الشعبي نفسه بهذا العنصر المركزي الذي يمثل بوصلة التجاذبات على الساحة الأردنية، أو عن عدم وعيه به.
إن أيَّ مساسٍ بوظيفية النظام عبر المساسِ بآليات الحكم، ممثلة بالدرجة الأولى في صلاحيات الملك التي تتمترس خلفها كلُّ المؤسسات الأخرى للنظام، أو عبر المساس بالبُنية الاقتصادية الطبقية الرأسمالية للنظام، بما قد يؤثر على تمركزات الثروة والسلطة، فيدفع بها إلى اتخاذ أشكالٍ جديدة غير معنية بالاستجابة للدور الوظيفي للنظام، في سياق تمريره لأيَّ مشاريع ترحيلية جديدة تتعلق بالقضية الفلسطينية وبالأرض المحتلة عموما..
نقول.. إن أيَّ مساس بوظيفية النظام هذه، يُعتبر بالنسبة للتحالف الطبقي الحاكم خطا أحمر لا يجوز الاقتراب منه، إلى درجة وصوله إلى حدِّ المحظورات، إلا في حالة واحدة هي، تمكُّن التحالف الطبقي الحاكم من خلال ارتباطاته الصهيونية الإمبريالية، وأبواقه وزوائده الدودية الداخلية، من إعادة إنتاج الدولة ومؤسساتها، حتى مع هذا النوع من الإصلاحات، بما يكفلُ بقاء الهيمنة الفعلية لمُخرجات الليبرالية السياسية مُتَحَقِّقة في الليبرالية الاقتصادية لفترةٍ طويلة قادمة، باعتبارها – أي تلك المُخرجات – بمثابة الضمانة الوحيدة لتحقيق اختراقاتٍ وظيفية وطبقية مناهضة للبرنامج الوطني الأردني بفضائه القومي القائم على مشروعي "التغيير" و"التحرير".
ولأن "الحراك الشعبي" هو الظاهرة الوحيدة الجديدة التي – وإن كانت ما تزال تحبو في اتجاه اكتشاف نفسِها وبلورة رؤاها وبرامجها وإنجاز أُطُرِها وهياكلها وبناها التنظيمية – لن تقبلَ عندما تُنْجِز ذلك الاكتشاف وتنجزَ متطلباته، بأقل من إعادة إنتاج كلِّ شيء في الدولة وسياساتها ومؤسساتها وآليات اتخاذ القرار فيها، وفي النماذج الاقتصادية الكفيلة بتحطيم البُنية الطبقية للنظام، عبر إحداث حالة طلاق حقيقية بين الثروة والسلطة، فإن هذا الحراك الشعبي هو المستهدف من خلال كلِّ ما يحدث على الساحة الأردنية، كي لا يتحول إلى حالة متقدمة تمهِّد لفعل ثوري على الأرض.
وفي سياق التجاذبات السياسية التي تشهدها الساحة الأردنية لتحقيق هذا الهدف، تجد كلُّ الأطراف المتجاذبة والمتصارعة على الأرض، إما في إمكاناتها الذاتية وكاريزما بضاعتها الدينية – الإخوان المسلمون – أو في مخزونها الوطني التاريخي – الأحزاب اليسارية والقومية – أو في أدواتها الأمنية والعصبية المتغوِّلة – النظام الوظيفي الطبقي – ما تعزِّزُ به مواقعَها، أو ما تتمسك من خلاله بمطالبها، لتحقيق أكبر قدرٍ من الإنجازات في المعادلات القادمة.
لا مصلحة لأيٍّ من تلك الأطراف الثلاثة السابقة في أن ينمو الحراك الشعبي ويتطور ويتأطر ويتبرمج بطروحاته الجذرية والواضحة والثورية، إلى الدرجة التي تحوِّلُه إلى رقم صعب وفاعل ومحدِّدٍ لسيرورة الأحداث السياسية في البلاد، لأن ذلك سيجعل البضاعة السياسية والاقتصادية المهترئة أساسا، لتلك القوى غير ذات قيمة. ولذلك فكلُّها تلتقي على ضرورة تحجيم الحراك أو تحويله إلى ظاهرة مقزَّمة أو القضاء عليه، أو تجاوزه والقفز عليه إن أمكن، إذا لم تضمن أن يكون أداة لها أو صهوة جواد تركبه نحو أجنداتها ومشاريعها السياسية الضيِّقَة.
ولكن من يمتلك تأثيرا في الحراك الشعبي أو التقاء ميدانيا معه، فهو غير مستعدٍّ لتقديم العون في ذلك للطرفين الآخرين بدون أن يقبض الثمن. ولكلٍّ أجندتُه الخاصه، ومشروعه السياسي الضَّيِّق الذي يقيمُه على ادعاءاتٍ واقعية، وعلى مخاوف من الديماغوجية في الشارع. وهو في مقابل أن يسهم بما يقدر عليه في مشروع إنهاك الحراك وتغييبه وتحجيمه تمهيدا لإفشاله، يطالب بالثمن المتناسب مع حجم ما سيقدمه من خدماتٍ في هذا الاتجاه.
ولأن الإخوان المسلمين هم الأكثر قدرة على تمرير أكبر المنافع للنظام في اتجاه هذا الهدف باعتبارهم هم من يمثل الكتلة الحراكية الأكبر في الشارع، فهم يطالبون بأعلى أجر يرون أنفسهم يستحقونه. ولأنهم يستقوون بحالةٍ إقليمية جعلت من نظرائهم في عديد دول الربيع العربي حكاما فعليين للبلاد والعباد، فإنهم يعتبرون أنفسهم في الخندق القوي القادر على تقوية شروط المقايضة ورفع سقوفها.
خلاصة القول إذن، أن إعادة إنتاج القضية الفلسطينية في حواضن أوسلوية جديدة، تحدثنا عن مُكَوِّناتها ومواصفاتِها سالفا، تقتضي تحجيم الحراك الشعبي على الساحة الأردنية لكي يتمَّ بذلك تحجيم أجِنَّة الثورة الأيديولوجية التي تؤشِّر على حواضن فكرية جديدة، سوف تُفْشِل مشروعَ "لوغو الهويات"، و"ثقافة العصبية"، و"الدولة الوظيفية"، و"الليبرالية السياسية"، و"الليبرالية الاقتصادية"، وكلَّ أشكال "التزاوج بين الثروة والسلطة"، وكل أشكال الطلاق التاريخي بين "البرنامج الوطني الأردني" و"شقيقه "الفلسطيني"، وسوف تؤسِّس لمشروع "التغيير" في الأردن عبر هدم قرار "فك الارتباط" وكل ما بُنيَ عليه، لإنجاز مشروع "التحرير" في الأرض المحتلة عبر وضع مدلول ثوري تحرُّري لدلالة أردنية الضفة الغربية. وهو ما يعني حتمية فشل المشروعين الأوسلويين الجديدين في "غزة" و"الضفة".
لذلك فالتغيير الجوهري في بُنية النظام الوظيفي الطبقي الأردني مرفوضة ليس من قِبَلِ النظام نفسه وحسب، بل حتى من قِبَلِ بعض القوى الفاعلة في المعارضة.
وقد أثبتت تلك القوى ذلك الرفض بتسويقها في المشهد الإصلاحي بل حتى التغييري في الأردن، لمركزية كلٍّ من "الانتخابات" – غير الماسة بالبنية الديمغرافية وبالتركيبة العصبية للمجتمع من جهة – و"الملكية الدستورية" – غير الماسة بالليبرالية الاقتصادية، بل والمساعدة على إعادة إنتاجها بشرعية تشارُكِيَّة وتعدُّدِيَّة هذه المرة من جهة أخرى – بوصفهما – "الانتخابات" و"الملكية الدستورية" – أعلى سقف محتملٍ للتغيير في الأردن، لأن بقاء التغيير ضمن هذا السقف لا يتجاوزه، هو الضمانة الحقيقية لتمرير مشروعي "أوسلو غزة" و"أوسلو الضفة" القادمين، واللذين تتماهى تلك الفئات من المعارضة مع مُخرجاتهما السياسية والاقتصادية، لأنه السقف القادر وحده على إعادة إنتاج الليبرالية الاقتصادية والرأسمالية المحلية دون المساس بنظام إنتاج وتوزيع الثروة، وبعلاقة التزاوج الأثيمة بين الثروة والسلطة، وهي الأمور المطلوبة من قبل النظامين الوظيفيين الأردني والفلسطيني، ومن قبل تلك الفئات المعارضة على حدٍّ سواء في المشهدين الفلسطيني والأردني القادمين.
ولأن إعادة إنتاج الليبرالية الاقتصادية والرأسمالية المحلية، مرتبطة بإشغال الشعبين من جديد بعملية ترحيلٍ طويلةِ الأمد للحلول، تُخَفِّف من حدة كلِّ الاحتقانات المحتمل أن تتسبَّبَ هي – في حال عدم الترحيل المنطوي على أكبر قدر من الخداع والتضليل – في إعادة الإنتاج تلك على قواعد ثورية غير مُسَيْطَر عليها وظيفيا وإمبرياليا وصهيونيا، فإن مناكفة الحراك الذي يمثل وحده الظاهرة التي من الممكن أن تجسِّد تلك الحالة، يُعتبر هدفا إستراتيجيا من وراء مشروع "كونفدرالية عبد الله/عباس".
ومن هنا يغدو الرهان الشعبي منصبا نحو تطوير وتفعيل حالة الحراك المتذبذبة في الأردن، لتصبحَ حالةً مؤطَّرَة تمتلك برنامجها المجسِّد لمشروعها الحضاري النهضوي العروبي الثوري، وهو البرنامج الذي يخولها أن تكون طليعة منظمة لقيادة التغيير في هذا البلد. على أن يكون الحراك الشعبي الأردني مسنودا بحالة من الحراك المماثل في الضفة الغربية، فيلتقي المشروعان هنا وهناك على قاعدةٍ واحدة وأساس، هي التغيير والتحرير، عبر اختراق المشروع الأوسلوي الجديد ممثلا في وهم "الكونفدرالية"، وإفراغه من ثمَّ من عناصر قوته وعوامل إسناده الصهيونية والوظيفية.
كيف يتم تجسيد رفض مشروع كونفدرالية "عبد الله/عباس"؟!
إن "الضفة الغربية" أرض أردنية بموجب وحدة الضفتين في الدولة الأردنية الثالثة التي هي "المملكة الأردنية الهاشمية" التي دشنها "مؤتمر أريحا" عام 1948، والتي ثبَّت أساساتها "قانون تجنيس التأسيس" لعام 1949، ليرسِّخَها بشكل كامل دستور عام 1952.. هذا كله صحيح وندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة، ولكن ضمن السياق التالي، والسياق التالي تحديدا بلا انحراف عنه قيد أنملة..
1 – الضفة الغربية أرض أردنية، يتحمل الأردن مسؤولية تحريرها وإعادتها إلى حظيرة الوطن، وليست محلا لأيِّ مشروعٍ يستكملُ به كلٌّ من النظام الوظيفي والمعارضة الديكورية المتماهية معه في الأردن – وإن نافسته هذه المعارضة على جزءٍ من كعكة السلطة والحكم – احتواء أجِنَّة التغيير التي بذرها الحراك الشعبي في الأردن على مدى سنتين، ولا هي محلٌّ لأيِّ مشروع يُدْخِل به النظام الوظيفي الفلسطيني قضيةَ فلسطين في متاهات ترحيلٍ جديدة. ولأن مشروع "كونفدرالية عبد الله/عباس" يستهدف ذلك أردنيا وفلسطينيا، عبر الإبقاء على اتفاقية "وادي عربة" المشؤومة سيدة الموقف في صياغة حاضر ومستقبل هذا الوطن، لتُسْحَبَ عن الضفة الغربية صفة أردنيتها، ولتفقدَ القضية الفلسطينية صفة مركزيتها، فإنه مشروع يجب أن يكون مرفوضا جملة وتفصيلا من قبل كل أنصار المشروع الوطني القائم على حتمية تغيير النهج السياسي والاقتصادي والثقافي للنظام الأردني، حتى لو فرضت سيرورة الأحداث السياسية أن تمام ذلك لا يتأتى إلا بإسقاط النظام.
2 – الضفة الغربية أرض أردنية، تقتضي أردنيتها الإسقاط الفوري لاتفاقية "وادي عربة" جملة وتفصيلا، فهي اتفاقية لا تقوم على هذا الافتراض، وإنما تقوم على افتراضٍ آخر مفاده أن الضفة الغربية ليست أرضا أردنية، وبالتالي فكلُّ الترتيبات التي كرَّستها هذه الاتفاقية المشؤومة هي ترتيبات لا أساس فيها لأيِّ اعتبار لكون الضفة الغربية أرضا أردنية. وبالتالي فإن أيِّ اعتبار لأردنية الضفة الغربية يقضي فورا بإسقاط هذه الاتفاقية. ومن هنا فإن مواجهة مشروع "كونفدرالية عبد الله/عباس" تنطلق من التأكيد على أردنية الضفة الغربية ونفي فلسطينيتها، وهو ما ينتج عنه أن العلاقة بها لا تقوم على الكونفدرالية حتى لو تحرَّرت من الاحتلال، بل على العودة البسيطة المباشرة إلى حضن الوطن الأم، أما وهي تحت الاحتلال، فالعلاقة بها هي علاقة العمل على تحريرها بالمقاومة.
3 – إن الضفة الغربية ما تزال أرضا محتلة، وعندما نقر بأنها أرضٌ أردنية، فنحن نقر بأنها أرضٌ أردنية محتلة، ولا يمكن للتعامل مع المحتل أن يكون قائما على قواعد "الصلح" و"المسالمة"، بل على قواعد "الحرب" و"المعاداة". وبالتالي فإن الإعلان عن أردنية الضفة الغربية، يعني في أول ما يمكنه أن يعنيه، إعلان حالة الحرب مع "إسرائيل" فورا وبدون تأخير حتى ينسجم الأمر، وحتى يكون للإعلان عن أردنية الضفة معنى وقيمة. أما مشروع "كونفدرالية عبد الله/عباس" فهو يريد تكريس حالة "السلم" و"التطبيع" و"اللاحرب" مع العدو الصهيوني بتحويل قضية الضفة الغربية برمتها في النهج الترحيلي المنطوى في ذلك المشروع، من قضية أرض أردنية محتلة يجب العمل على تحريرها، وعلى إعادة إنتاج الثقافة المجتمعية الأردنية لتصبح ثقافة مقاومة، إلى قضية "دولة فلسطينية" مسخ لا وجود لها إلا في الوهم، يراد لنا أن نعيش بخصوصها وهما آخر رديفا للأول، هو أنها سوف تتوحد مع الدولة الأردنية كونفدراليا، ليتمَّ إسقاط كل المسائل الرئيسة العالقة في القضية الفلسطينية بالغرق في متاهات التفاوض التي لا تنتهي حول حيثيات هذا المشروع.
4 – إن أردنية الضفة الغربية تعني قطعا وبلا أيِّ تحفظ قانوني أو سياسي، أن أيَّ فعل لغير الدولة الأردنية فيها – أي في الضفة الغربية – من النواحي السياسية والإدارية والقانونية، هو فعل غير مشروع ويعتبر خارجا عن القانون، ويعتبر ممارِسُه مُهَدِّدا لسلامة الأراضي الوطنية ووحدتها، وبالتالي فيجب التعامل معه على هذا الأساس. وهو ما يعني أن "السلطة الفلسطينية" سلطة غير شرعية وخارجة عن القانون، ويجب أن تحاسب على هذا الأساس ووفق هذا المنظور باعتبارها سلطة تتعامل مع العدو، أي أنها "سلطة خائنة" لقضية الأردن التي يجب أن تتمثل في تحرير الضفة الغربية من المحتل لإعادتها إلى حظيرة الوطن. وهو ما يعني قطعا وبالتأكيد سقوط المبررات السياسية والقانونية التي مهدت لظهور هذه السلطة كجهة معتدية على إدارة الضفة الغربية بصفتها أرضا أردنية، وعلى رأس كلِّ ذلك "اتفاقية أوسلو". ومن هنا وعلى هذا الأساس تسقط كل الذرائع التي يقوم عليها مشروع "كونفدرالية عبد الله/عباس".
5 – إن كلَ ذلك يعني بالضرورة أن تعود إلى الوجود كافة المؤسسات القانونية والإدارية التي كانت قائمة قبل اتخاذ القرار اللعين "قرار فك الارتباط، والتي كان قيامها مستندا إلى حقيقة أن الضفة الغربية هي أرض أردنية محتلة، وعلى رأس كل ذلك "وزارة شؤون الأرض المحتلة" بكل ما يعنيه ذلك ويؤدي إليه من تبعات قانونية وسياسية وإدارية واقتصادية ومالية.. إلخ.
6 – إن الإعلان عن أردنية الضفة الغربية يقتضي فورا إسقاط كافة مرجعبات مشاريع التسويات الحالية وعلى رأسها مرجعية "مدريد"، وعدم اعتراف الأردن بها مطلقا، لأن الأردن إذ يعلن عن أن الضفة الغربية هي ملك له، وأنها يجب أن تعود إلى حظيرة الوطن محررة تحريرا كاملا وبكل معاني السيادة الوطنية، وإذ هو يعترف في الوقت ذاته بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرة وتحرير أرضه وتجسيد هويته وإقامة دولته، فهو – أي الأردن – معني بالتأكيد على أن هذا لن يتم إلا بالنقطتين التاليتين..
أ – الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
ب – التأكيد على أن مهمة منظمة التحرير وكافة المؤسسات المنبثقة عنها تتمثل في العمل على تحرير فلسطين المحتلة عام 1948 لإقامة الدولة والهوية عليها، وأن يعلن – أي الأردن مرة أخرى – عن دعمه المطلق وغير المشروط لمنظمة التحرير وبكل الوسائل المتاحة لإنجاز هذه المهمة التاريخية. وهو ما يقتضي التعاون المطلق بين الطرفين لتحرير كل من الأرض الأردنية المحتلة "الضفة الغربية"، والأرض الفلسطينية المحتلة "فلسطين المحتلة عام 1948".
7 – وبالتالي ولكي تستكمل واقعة الإعلان عن أردنية الضفة الغربية معانيها ودلالاتها الحقيقية، تجب العودة فورا وبدون أيِّ تأخير عن "قرار فك الارتباط" المشؤوم وإلغاء كل ما ترتب عليه من تداعيات ومشكلات قانونية وإدارية، باعتباره الأساس الذي مهَّد لكل تلك الكوارث.
ولأننا ندرك جيدا أن نظاما يرفض الحد الأدني من الإصلاح، وما فتئ يُجَسِّر الأردن ليكون ممرا لعبور الصهيونية إلى الفضاء العربي بدون أيِّ تكاليف، وعلى حساب الحقوق الوطنية والقومية للشعبين الأردني والفلسطيني، ليس نظاما مؤهلا ليمثِّل الدعوة إلى "أردنية الضفة الغربية"، فهو من باب أولى نظامٌ غير مخوِّل بالتصرف بخصوص علاقة الأردن بها بأيِّ تصرُّفٍ يتعارض مع حتمية أردنيتها غير القابلة للمساومة، فإننا نؤكد على أن كلَّ من ينادون بأردنية "الضفة الغربية" – ونحن منهم وبإلحاح – ومستعدون للموت لأجل هذه الفكرة العظيمة، لا يمكنهم أن يكونوا صادقين أو مخلصين أو نزيهين أو بريئين من بصمات خدمة المشروع الإمبريالي الصهيوني الوظيفي، إلا إذا التزموا بكون النقاط السبعة السابقة كاملة وغير منقوصة، من النتائج المحتمة لذلك الإعلان. وفي غير هذه الحالة فنحن أمام مؤامرة حقيقية قد تكون أخطر من كل المؤامرات السابقة.
فلنحذر الكذابين الجدد