زواج «لم الشمل»: ابتكار جديد في دنيا اللجوء السوري
محمد إقبال بلو
AUGUST 9, 2015
أنطاكيا – «القدس العربي»: تعرض المجتمع السوري خلال السنوات الماضية لحالات اجتماعية جديدة، طارئة في مختلف المجالات، منها ما يتعلق بالطعام والشراب، ومنها ما يتعلق بالشؤون الاجتماعية. وتأقلم المواطن السوري فيها بحسب الظرف الاستثنائي الذي يمر به، لتتحول مع مرور الزمن إلى عادات دارجة. لكن ظاهرة جديدة غير متوقعة تبرز عند البعض من جيل الشباب السوري ومن الجنسين، وهي زواج لم الشمل، حيث ولدت تلك الفكرة نتيجة الرغبة الملحة من قبل هؤلاء في الهروب من واقعهم المرير الذي صنعته الأحداث المرعبة التي تمر بها سوريا.
زواج لم الشمل ظاهرة قد تكون قديمة، فكثير من المغتربين، أو ممن حصلوا على لجوء في إحدى الدول الأوروبية كانوا سابقا يتزوجون بفتيات موجودات في الداخل السوري، أو في إحدى مناطق اللجوء المحيطة بالبلاد. ويتم ذلك عبر وكيل للشاب يتقدم لخطبة الفتاة دون وجود صاحب العلاقة وبتوكيل منه، ليتم عقد الزواج الرسمي الموثق، وليقوم الشاب بإجراء معاملة لم الشمل لجلب زوجته إلى البلاد التي يقيم فيها، ليعيشا معا كزوجين من دون أن يعرف أحدهما الآخر أو يلتقي به قبل ذلك. ورغم غرابة الأمر إلا أن هذه الحالة ما زالت ضمن المنطقي والمعقول بالنسبة لما يحدث مؤخرا.
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مئات الصفحات الخاصة بالمغتربين واللاجئين في الدول الأوروبية، على غرار صفحات السوريين في ألمانيا أو السوريين في السويد وما إلى ذلك. وتعتبر تلك المجموعات أو الصفحات طريقة للتواصل وتقديم المساعدة لمن يحتاجها. لا سيما تلك المساعدة التي تتعلق بطرق الوصول إلى تلك الدول، أو الإجراءات الرسمية التي يحتاجها المرء لتجهيز ما يحتاجه من أوراق داخل الدولة التي يقيم فيها. إلا أن إعلانات جديدة بدأت تنتشر في تلك المواقع والصفحات تتعلق بعروض زواج ينشرها شبان أو فتيات بعضهم ينشرها مع صورته وإمكاناته وثقافاته وخبرته، وكأنه يقدم للطرف الآخر سيرة ذاتية لقبوله كزوج أو كزوجة، والهدف ليس الزواج مطلقا بل الحصول على لم الشمل من ثم الانفصال لا أكثر.
ونشرت الشابة «مرح»، إعلانا على إحدى مجموعات الفيسبوك قالت فيه «مطلوب شاب عازب يعمل لي لم شمل، ونعمل أوراق زواج ويطالعني لعنده، بس بشرط إنو ما رح نتزوج مجرد أوصل لعنده لازم ننفصل وكل واحد يروح بطريق، وياريت اللي عجبته الفكرة يحدد السعر المطلوب والمبلغ اللي بدي أدفعه، بشرط يكون الحكي منطقي والتكاليف معقولة».
والطريف في هذا الإعلان أن الفتاة وضعت صورتها مرفقة به إلا أنها لم تكن صورة واضحة المعالم، بل كانت صورة تعبر عن شكلها الخارجي، ليتساءل المعلقون عن جدوى وضع صورتها، وهل سيهتم من يقبل بالعرض بشكلها كونها لن تكون زوجة له، ولا يتعدى الموضوع أن يكون صفقة، كما لقيت الكثير من السخرية من آخرين، في حين دافع البعض عن الفكرة ووجدها عملية منطقية لا تمس أيا من الأخلاق والقيم أو تسيء إليها.
في المقابل كانت العروض التي نشرها شبان أكثر عددا وإلحاحا، والمقابل دعم مادي، في حين لم يطرح أحد فكرة التعارف أو الزواج الحقيقي بالطرف الآخر، إلا صاحب أحد الإعلانات ويدعى ماجد، أعرب عن نيته بالزواج بالفتاة التي تقدم له تلك المساعدة في حين وافقت هي، وأكد أنه سيلتزم بدفع المبالغ المترتبة عليه فور حصوله على فيزا لم الشمل من السفارة. الجدير بالذكر أن هنالك حالات مختلفة أخرى تتضمن صفقات مادية وتهدف إلى السفر لأية دولة أوروبية، منها عروض تتعلق باستعارة جواز السفر والإقامة من شخص حصل عليهما في إحدى دول أوروبا، بشرط التشابه في شكل الوجه، حيث يرسلهما المالك إلى من اتفق معه في الدولة التي يقيم فيها وغالبا تكون اليونان تلك الدولة، كون الدخول والخروج منها لا يتطلب اختاما توضع على الجواز، ويتم دفع المبلغ المتفق عليه، ووقد نجحت الكثير من المحاولات التي استخدم أصحابها هذه الطريقة.
حلم الشبان والشابات بالخروج من الحال البائسة التي يعيشونها يدفعهم إلى ابتكار وسائل جديدة، قد لا تكون منطقية أحيانا، لكن المثل المعروف يصور ما يحدث تماما، فــ «صاحب الحاجة أرعن».
محمد إقبال بلو