الدين الموروث .. صفر (مكعب)
جمال جمال الدين
لا قيمة لاعتناق الدين عن طريق الوراثة .. وهذا النوع من الانتساب لدين معين لا يمنح أياً من أصحابه عند الله تعالى مزية عن غيرهم من الأديان الآبائية الأخرى .. وإيماننا بعدل الله المطلق الكامل يقتضي منا أن نؤمن أنه تعالى أعطى لجميع البشر فرصاً متساوية للنجاح في امتحانهم الدنيوي الذي يقرر مصيرهم في الآخرة, أو أنه عز وجل سيحكم عليهم وفق الفرص التي أتيحت لكل منهم .
فهل ينسجم إيماننا هذا مع ادعائنا أنه جل وعلا يمكن أن يميز فئة من الناس أو قوماً معينين في بيئة معينة أو طائفة محددة بالعقيدة الصحيحة لدينه الحق دون غيرهم؟ ..
وكيف نصدق أن يولد هؤلاء المحظوظون ويعيشون على الحق والصواب, بينما يحرم من هذه الحظوة ذوي الطالع السيء من بقية خلقه ؟.
وهذا هو موقف البشر يسجله لنا كتاب الله الكريم يفاخرون بما لديهم ويستخفون بما لدى الآخرين: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .
ولكن الله تعالى يقرر أن كل الآبائيين هم على درجة واحدة ومستوى واحد .. وكل من يؤمن منهم بالله واليوم الآخر على طريقته ودين آبائه ويعمل صالحاً فلا خوف عليه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} .. ولكنه يؤكذ أيضاً أنه {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} .. وكل فئة عندها من تشرك به مع الله في دينه وفي تقديسه .
ونرى اليوم أن جميع متبعي الأديان المقلدين لآبائهم يقولون أن لا أحد على شيء سواهم ومن يتبع دينهم الموروث .. بل من يتبع عين الفرقة والجماعة التي ولدوا فيها .. أما الباقون فهم ضالون جاهلون ويتعجبون من أمرهم كيف لا يفكرون جيداً ليصلوا إلى ما عندهم !.
فهل يعقل أن يكون الحق حصرياً عند طرف واحد يتوارثونه فيما بينهم جيلاً بعد جيل ويكون معدوماً عند غيرهم؟ ..
وإذا كان مكان ميلادنا هو الذي وضعنا على طريق الحق لنفوز بالجنة .. فما ذنب أولئك الذين يولدون (في نظرنا) في عائلات منحرفة شاذة أو كافرة مشركة, وكانوا وسيبقون هم وكل الذين يخلِّفونهم من الضالين والمغضوب عليهم إلى يوم الدين؟!!. .. ثم يساقون إلى عذاب السعير؟.
إذا كان الحق هو ما ورثناه عن آبائنا .. فكيف تتاح الفرصة لنسبة تصل إلى 99% من جماعتنا فيتبعون الحق أو على الأقل يعتقدون به بينما يضع الله تعالى (الفرق الضالة) في ظروف تجعل من الصعب عليهم أن يصلوا إلى الحق بسبب ما ورثوه عن عائلاتهم من أفكار وتجعل أكثر من 99% منهم يعيشون في الباطل والضلال كما يبدو لنا؟ ..
هل هناك عاقل يمكن أن يصدق ذلك؟ ..
هل نشم في ذلك رائحة للعدل؟ ..
كيف يحاسبهم عز وجل على ما يبدو لنا أنه أجبرهم عليه؟.
وكيف ينسجم إيماننا بعدل الله مع اعتقادنا أنه تعالى قد حدد مصيرنا بمساقط رؤوسنا وأسماء عائلاتنا وسيحاسبنا في آخرتنا على دين اختاره لنا غيرنا دون إرادتنا؟.
بل كيف نصدق نحن (أمة محمد) روايات خرافية كاذبة عن شفاعة الرسول لنا فقط لأننا ولدنا في عائلات تنتمي إلى أمته وليس في أمة أخرى مهما كانت كبائرنا ومهما ظلمنا وأشركنا وانحرفنا وأفسدنا؟.
وهل هناك مخرج من هذا التناقض بغير الاقتناع أن الاعتقاد الوراثي المدَّعى عند الجميع لا يساوي عند الله شيئاً ؟ .. أو أن الله سيعفو عن كل آبائيتنا جميعاً بفضل منه وكرم إذا آمنا به كل على طريقته وكان عملنا صالحاً.. وأن الدين الآبائي إن لم يكن فاسداً فهو دين عاجز وناقص .. وأن الآبائيين جميعهم على دين واحد ولا أحد منهم على شيء من دين الله .. وأنه عندما يقلِّد إنسان عائلته ومحيطه فيما يعتقدون به أو يمارسونه دون علم ولا دليل, ودون أن يشغِّل عقله ويفكر ولو لمرة واحدة .. فلا ينفعه تقليد دينه ولا يضيف له شيئاً يميزه عن غيره حتى وإن كان صحيحاً .. اللهم إلا إذا كان من أبناء الأنبياء والمرسلين.
إن الله تعالى عندما يتهم الآبائيين بالضلال والانحراف فهو يتهم كل من يتبع آباءه سواء كانوا سنة أو شيعة أو مسيحيين أو بوذيين؟ .. فاتباع دين الآباء دون مراجعة ولا تقويم هو عين الضلال والانحراف {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}.
وربما يعفو الله تعالى عن الجميع .. أي عن جميع المؤمنين الصالحين الذين يتبعون آباءهم على ما هم عليه ولا يبحثون عن حقيقة ما يرضي الله عز وجل.
أما الذين يرضى الله عنهم حقاً من أصحاب اليمين فهم قلة قليلة { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ .. وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ} .. والسابقون السابقون هم { ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ .. وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ}.
وعندما يكون همُّ الشخص الآبائي - كما هو عادة - التزام الطريقة التي تسعد أهله وأقاربه وعشيرته وأصحابه, والسير على شاكلتهم, وأن يبقى على العهد مع من ولدوه وربوه وعلَّموه .. فما علاقة هذا الاتباع بالله عز وجل وما علاقته بدينه؟.
وكم هو مسكين ودرويش من تجاوز سن الرشد ولا يزال يتبع معتقد عائلته كما هو دون بحث ولا تفكير ولا تقويم .. وكم يستحق الشفقة من كان سبب إيمانه الوحيد بدين من الأديان هو أنه جاء إلى هذه الحياة فوجد أهله وعشيرته وطائفته يتبعونه .. لقد أقال عقله .. وفقد إنسانيته .. وأصبح في أحسن الأحوال مجرد يد عاملة إضافية لخدمة تلك العشيرة والطائفة .. فإن كانوا على ضلال فهو يتحمل المسؤولية معهم .. وإن تصادف أن كانوا على حق, فلن يكون له بذلك أي فضل أو مفخرة أو ربما ثواب .. وما لم يتفكر ويصل إلى الحق بنفسه, فلا معنى لإيمانه واعتقاده .. ولو تفكر ووصل إلى ما يطابق دين آبائه, فلنا أن نشك أيضاً بطريقة تفكيره .. لأن فهم دين الله يجب أن يتطور مع الزمن وعلى الدوام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.