منتشرون في شوارع وأسواق المدن التركية خاصة تلك الحدودية منها، من الصعب تمييزهم عن الأطفال الأتراك فمعظمهم أتقن اللغة التركية رغم صعوبتها، لاسيما أولئك الذين دخلوا سوق العمل رغم سنهم المبكرة نتيجة الحاجة التي أجبرت أهاليهم على تشغيلهم في المحال التجارية كتلك المنتشرة في سوق أنطاكيا القديم «أوزون شارج» أو السوق الطويل.
يعاني الكبار صعوبات كثيرة في موضوع الاندماج بالمجتمع التركي أهمها اللغة، حيث يقف جهلهم بلغة أهل البلاد حاجزاً دون الاندماج، ويكون هذا الحاجز غالباً سبباً في عدم التفاهم ونشوء خلافات كبيرة نتيجة سوء الفهم من كلا الطرفين، أو تأويل خاطئ لما أريد قوله، فيما ينطلق الصغار ومن هم دون عشر سنوات بالحديث مع الجميع، ويحظون بإعجاب المواطنين الأتراك، فالتركي يحترم بشدة من يتقن لغته من الأجانب بل ويشعر أن ذلك إعلاء وتعظيم للغة التركية، وبالتالي للمواطن التركي. والأمثلة كثيرة على أهمية اللغة وتقديمها كل التسهيلات في مختلف نواحي الحياة.
الطفل «عبدو» يحدثنا عن موقف طريف حدث معه قائلا: «بدأت قوات الشرطة في السوق الطويل في أنطاكيا تجمع الأولاد السوريين للتحقيق معهم في حادثة سرقة حدثت في السوق وصاحب المحل الذي سرق شيء من بضاعته اتهم الأولاد السوريين العاملين في المحال المجاورة، وكنت واحدا من المتهمين كوني سوريا».
ويضيف: صاح بي رجل الشرطــــة التركي مطالباً أن أتقدم لأقف مع الأولاد المتهمين، فقلت له: بان تورك، أي أنا تـــركي، وتابعت السير إلى البيت بشكل طبيعي، ولأنني أعرف اللغة التركية وتعلمتها جيداً لم أتعرض لموقف الاتهام هذا».
يحاول السوريون في المدن التركية الاندماج بالمجتمع التركي بوسائل عديدة، كإقامة علاقات مع المواطنين الأتراك، بل وبعض العلاقات تطورت لتصبح صلات قربى عن طريق الزواج من الطرفين، رغم أن الشائع أكثر هو زواج التركي من فتاة سورية، إلا أن العكس يحدث أحياناً، كما وبدأنا نلاحظ أمراً هاماً بدا وكأنه تقبل من طرف السوريين لاعتبار أن هذه البيئة التي أتوا إليها لاجئين ستكون بيئتهم الدائمة، وأن هذا المجتمع لا بد أن ينصهروا فيه ليكون مجتمعهم، إذ بدأ الكثير من السوريين يسمون أطفالهم بأسماء تركية.
أم غسان سيدة سورية تقيم في أنطاكيا، سمت مولودتها الجديدة «دينيز» أي بحر، وتقول إن «الاسم جميل جداً لفظاً ومعنى وقد أعجبني، ثم إنه يبدو بشكل جلي أننا سنقيم هنا لسنوات طويلة، وقد لا نعود إلى ديارنا أبداً، وما الضير أن نسمي أطفالنا أسماء مألوفة في هذا المجتمع الجديد الذي قد يمضون حياتهم كلها فيه وبين أهله».
وفي هذا السياق تواردت أنباء عن تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدايا ثمينة كانت عبارة عن سبائك ذهبية، لعائلة سورية أنجبت ثلاثة توائم، فما كان من والد الأطفال الذكور الثلاثة إلا أن سماهم «رجب» و»طيب» و»أردوغان» لشدة إعجابه بالرئيس التركي، وتقديراً وعرفاناً منه بما قدمته الحكومة التركية للاجئ السوري من مـــيزات لم تقدمها له أية دولة أخـــرى في العالم، باستثناء دول الاتحاد الأوروبـــي والتي أصبح الوصول إليها أمراً شبه مستحيل لمن لا يمـــلك المال الكثــير من أجل تذليل عقبات الطريق والوصول إلى هناك، بينما يصل الأراضي التركية من سوريا خلال ساعات مرحباً به حتى ولو كان دون وثائق.