لاأريد أن أموت...
**********
ملف مرفق 1533
لاأريد أن أموت...
**********
مازلت أستيقظ قلقة وسط رعبي الشديد, حيث أن الأخبار جعلتني أنام ولاأنام..أفيق ولاأفيق..أجد الضحايا فيها مضرجين بدمائهم يرفرفون قبل الموت!
أجلس أبكي وحدى كالمجانين...
وكأنه بيدي مفاتيح حل القضية! وماأطال النوم عمرا...
ذلك أنني بت أخشى النزول وجلب بعض الحاجيات التي صرت أخجل من طلبها من زوجي , و الذي بات يأتي كل يوم عائدا من عمله الراكد كالا من نفسه المتعبة أكثر من جهده هناك...
يشكر الله كل يوم أنه حصل على بعض الدريهمات..وأعود للسؤال في سري:
-ماهذا الذي يحصل من حولنا؟ أكتب علينا الجهاد جميعا ليوم الدين؟ ام مازلنا ساذجين نتخبط خبط عشواء بلا وصول لمرمانا؟.
هل مازال سم المؤامرات يسري في جسدنا النحيل ومامتنا؟
لم أكن لأبوح بأن مبلغا بسيطا خبأته لليوم الأسود أنقذني من المماحكة مع زوجي العزيز.....وأخشى ماأخشاه أن يطول هذا اليوم...
ذلك عندما عدت أدراجي من عند البائع أبو اسماعيل, كان صوت الرصاص من بعيد عاليا جدا وينذر بالموت المحتوم كل يوم, لكن شجاعتي دبت في روحي و جعلتني أتغير كثيرا عما قبل...
كان يقول لي البائع أبو اسماعيل :
-لاتأتِ إلي وسوف أرسل لك صبي المحل لما تهتفين لنا, لكن السماء الزرقاء والتي صرت أحلم برؤيتها فعلا جعلتني أخرج من مخبئي ضيقا..
فقصص الأموات والضحايا باتت على كل لسان وكأن النساء وجدن تسلية جديدة لتلوكها الألسن ويالها من قصص حارقة..ورغم هذا كن يقلن:
-لانريد أن نموت هكذا كالبهائم..أو كذباب المطابخ..منذ متى بات الإنسان رخيصا؟ تلك الروح والجسد المحكم الصنعة؟.
غفت عيني قليلا وأنا أنتظر سالم ابني ذو الست سنوات وزوجي..بعد أن نام هذا الصغير و بعد أن أرضعته لبنا نزقا خالي الدسم..
ركنته جانبا وعدت أنظر من شرفتي حائرة , بسؤالي:
ماهو دوري الآن وسط هذه الدوامة البشرية؟.
لقد لوح لي ملك الموت من جديد وبصوته الرعب الاجش... في حلمي أظنه , وكأنه يطلبني..أفقت بعصبية صائحة:
-لاأريد ان أموت الآن قبل أن أضم ولدي إلى صدري.. و قبل أن أطمئن على زوجي...قبل أن أرى بلدي بخير...وأن..
تذكرت دينا ماليا كان لصديقتي نهلة معي, وكيف ماطلت في رده إلى أن تعسرت الأمور,فكان لزاما علي أن أتصل بها بعد غياب...
كان يصدر من هاتفها صوتا خاص يوحي بعطل ما,فأتاني قلق جديد..يا للخيبة..أين أنت يانهلة؟يا صديقتي الصدوقة؟...ماذا جرى في هذه الدنيا؟
-لا لاأريد أن أموت الآن..وكالبهائم...لا ليس هكذا ...على الأقل البهائم تهب لحمها غالبا للبشر ..ونحن فطسنا بلافائدة وبلاذنب..
نعم ..أريد أن تكون ميتتي مشرفة, ولكن كيف؟.
اتصلت بي أمي في الأمس , تؤكد علي وتصر على أهمية عدم خروجي من المنزل وتطمئن على عودة سالم...
كالعادة حاولت التصنع بالهدوء وقلبي يغلي كالمراجل, وأنا أرفض متابعة الأخبار رأفة بابني سالم ...الذي امتص قلقنا وكأنه حمامة السلام مقيدة وعاجزة عن الهجرة ترفرف بنزق للخروج من قفص الاتهام..
لقد بات نومه قلقا مثلي ومثل سامي..
يكفي ماسمعته عن جيراني من خيبات وقصص مؤلمة ,تقطع نياط القلب..بات الموت قاب قوسين وأدنى بل هو سهل جدا ,كأنك تقتل بعوضة!..
-إلى متى ياوطني سأبقى أراك جريحا إلى متى؟لقد قرأت جل التاريخ كثيرا من أيام المناذرة والغساسنة ..لا بل قبل ذلك..ونحن كما نحن!
لم تعد بي طاقة للقراءة من جديد..فيبدو أننا نعيد القصص بكل أريحية وانفتاح حضاري رائع.....لكأننا..حيوانات ناطقة..وربما أدنى من ذلك بكثير..
أفقت من أحلام اليقظة من جديد.. وملك الموت يناديني صائحا
-هلمي إلي...
هل أنا واهمة؟هل هو وسواس؟هل هي ملامح إيمان؟
تصفحت بريدي الألكتروني..فوجدت مافيه من جمل إطراء تجاوزت الإطراء في زمن الضياع والخيبة أمر يندى له الجبين...
ماذا يعني هذا ؟
*********
كان زوجي حينها قد قرر الرحيل إلى مكة بلا سابق إنذار....
بات موتي في صحبة الأخيار أفضل..فقد كتمت عليه أمر أحلامي وكأنها حقيقة , ولاأدري فعلا لم..
عندما وصلنا وبعد فترة وجيزة..كان الهاجس قد اختفى...وعاد منزلي هادئا تماما!!!!!!!
لكن مشاعري لم تهدأ أبدا ...
فقد حل محل مشاعري الأولى مشاعر الشوق للوطن...والذي لن يهدأ أبدا..
ريمه الخاني 31-1-2012