الألوان دلالاتها - وأشكالها وأهميتها
بقلم / أكرم أبو عمرو
بعيدا عن اللغة ودهاليزها ، معنى اللون ومشتقاته ، فالألوان من بديع خلق الله سبحانه ، فالإنسان عندما يبصر النور في أيام حياته الأولي فإن أول ما تقع عليه عيناه هو الألوان ، بها يبدأ تمييز الأشياء من حوله ، وللألوان دور كبير وهام في حياتنا فمن خلالها نتعرف على الأشياء ، شكلها وأحجامها ، حدودها.. من أين تبدأ وأين تنتهي ، ولتنوع الألوان وتمايزها طعم ومذاق في هذه الحياة ، فاعتقد أننا سنكون غير قادرين على استثمار حياتنا واستغلالها في ظل لون واحد ، لو تخيلنا إن كل شي على سطح هذا الكوكب هو لون ما .. لون واحد .. كيف يكون شكل الحياة ، اعتقد انه سيكون مختلفا عما نحن فيه بل ربما نكون نحن مخلوقات أخرى غير بني البشر ، لكنها حكمة الله ، ولله في خلقه شئون، فتنوع الألوان معناه الحياة ، معناه الحراك الحيوي ، معناه التفاعل بين المخلوقات التي بدورها تتفاعل مع الخالق بالعبادة والتسبيح ، هذا عن الألوان الطبيعية التي نعرفها الأخضر والأحمر والأسود والأبيض والأصفر الخ ، لكن ومع تنامي الجنس البشري أصبح لدينا أشكالا أخرى من الألوان ، مثل اللون الإيديولوجي ، والديني ، والعرقي ، والثقافي والاقتصادي ، ألوان كثيرة لها أهميتها ودورها وانعكاساتها في حياة الشعوب والأمم .
ألوان مختلفة تتشابك وتتحد وتتكامل، وكأنها عناصر مكونة لمادة ما أو خلايا مكونة لنسيج جسم ما تجعله مادة، أو جسما نافعا وقادرا على الاستمرار، وهكذا هي الحياة حتى يرث الله الأرض وما عليها ، وهي سنة الكون التي خلقها الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يستقيم الكون بمخالفتها .
قد يقول قائل ما هذا الكلام وما علاقته بواقعنا الحاضر، أقول مهلا فالله سبحانه خلق الخلق على أساس من التعدد خلق الإنسان والحيوان والنبات ،خلق الأجناس والأعراق ، انزل الأديان وأرسل الأنبياء والرسل ، خلق اللغات ، خلق الليل والنهار، خلق الخير والشر، خلق الجنة والنار، خلق كل شيء، لم يخلق الله سبحانه وتعالى هذه الأشياء عبثا بل خلقها لحكمة يعلمها هو سبحانه ، لكن الناظم لهذا التعدد هو الإنسان وهو المخلوق الوحيد العاقل، وهو المستهدف من تعاليم الأديان الذي انزلها الله سبحانه على البشر.
أعود إلى علاقة ما ذكرنا بواقعنا ، حيث اثبت التاريخ بما لا يدع مجالا للشك عدم نجاح وقدرة اللون الواحد على السيطرة والنفوذ والاستمرار فيه ، واستشهد ببعض الفترات من تاريخنا القديم والحديث ، فعندما نشأت الدولة الإسلامية في عهد رسولنا الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه ، قامت دولة قوية واستمرت حتى عهد الخلفاء الراشدين لتتوسع ولتمتد إلى حدود خارج الجزيرة العربية ، ثم جاءت الدولة الأموية لتمتد معها الدولة الإسلامية من الأندلس غربا إلى اندونيسيا شرقا ، ثم ضعفت الدولة الأموية وصعدت الدولة العباسية على أنقاضها ،لتواصل تدعيم الدولة الإسلامية وتتطور وتكون حضارة إسلامية بلغت الآفاق علما ونورا ، ولكن ما لبث أن دب الضعف فيها واستمرت بعد ذلك اسميا في كثير من الولايات حتى تمكنت قبائل المغول التتار من القضاء عليها سنة656 هجرية ، بعد أن دمروا عاصمتها بغداد ، ترى ما سبب ضعف الدولة الإسلامية في ذلك الوقت وسقوطها المدوي ، إن من أهم أسباب الضعف والتمزق ليس اللهو والترف الذي انغمس فيه حكام الولايات فحسب كما حدثتنا به كتب التاريخ، أو حتى الابتعاد عن الدين ومنهج الله ، بل هناك سبب آخر على درجة كبيرة من الأهمية، هو عدم استيعاب الآخر، حيث كانت الدولة الإسلامية تعج بالعجم من أبناء الشعوب الغير عربية، الذين شعرو ا في بعض الفترات بالغبن والظلم من الحكام، فكانوا كالسوس ينخر في أركان الدولة، وساهموا بشكل كبير وحاسم في بعض الأحيان في تقويضها ، واليوم نتغنى بوجود نحو 1500 مليون مسلم في هذا العالم، وننسى أن هناك ما يقارب أل 4500 مليون نسمة غير مسلمين ثلاثة أضعاف عدد المسلمين ، خليط من المسيحيين بمذاهبهم المختلفة، والوثنيين، واليهود وغير ذلك ، وما حدث للدولة العباسية حدث للدولة الأموية في الأندلس ، وفي تاريخنا الحديث شاهد آخر بعد أن قامت دولة الاتحاد السوفيتي في أعقاب الثورة البلشفية عام 1917 ، أصبحت دولة قوية عسكريا واقتصاديا بل أصبحت القوة الثانية على وجه هذه الأرض ، ولكنها لم تستمر أكثر من نحو سبعة عقود من الزمن حتى تفسخت وذهب الاتحاد السوفيتي أدراج الرياح ، والسبب في اعتقادي هو أيضا عدم القدرة على استيعاب الآخر الذي كان طوال تاريخ الدولة متربصا بها حتى حانت الفرصة لينقض عليها ، إذن فالتاريخ يشهد بأنه لا يمكن أن تستقيم الأمور في مجتمع ما أو عند قوم ما بسيطرة لون واحد مها استخدم من مبررات وأسباب، خاصة إذا كانت الأسباب دينية أو عرقية أو اقتصادية والمجتمع كله على شاكلة واحدة من هذه الأشياء ، على صعيدنا الفلسطيني لا يمكن استقامة الأمور تحت هيمنة وسيطرة لون واحد ، لا يمكن أن تستقيم الأمور لحماس بدون فتح ، ولا يمكن أن تستقيم الأمور لفتح بدون حماس ، وفي كل الأحوال مشاركة الطيف الفلسطيني ، لا بد من استيعاب الآخر خصوصا إذا كان هذا الآخر جزء أساسي من مكونات المجتمع ، إن إنكار الآخر معنا التفكك والشرذمة والضياع ثم الاندثار مهما رفعت من شعارات ومهما اتخذ من أساليب.
اليوم فرص كثيرة سانحة لاستعادة الوحدة واللحمة الوطنية ، فرصة لطي صفحة الماضي البغيض ، وخصوصا بعد مرور ثلاث سنوات على الانقسام ، فرصة لكي نفتح قلوبنا لبعضنا البعض ، ولننظر من نافذة واحدة ، نافذة المصلحة الوطنية العليا ، مستفيدين من بعض الظروف السائدة الآن ، ومنها تداعيات حادثة أسطول الحرية ، وما أعقبها من تفاعل دولي مع مسالة حصار غزة ، وشيء آخر هو تعثر المفاوضات مع حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف .
نعم المطلوب الآن وقفة جادة فنحن شعب ما زلنا تحت قبضة الاحتلال ، وما زال الاحتلال يحاصرنا من كل اتجاه ، وهو ماض في تهويد القدس وتوسيع المستوطنات ، وما زالت قطعان المستوطنين تعيث في أرضنا الفلسطينية فسادا ، فرحين بانقسامنا وفرقتنا واختلافنا وهي بمثابة فرصة ذهبية لعدونا لمواصلة مشاريعه الاستعمارية.
ربما تكون منطقتنا مقبلة على صراعات دولية وإقليمية لا ندري ما هي نتائجها والطريق الوحيد لمواجهتها للحفاظ على مشروعنا الوطني ومكتسباتنا وانجازاتنا هو وحدتنا ، وحدتنا فقط .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
Akrmabuamer7@hotmail.com