المقيمون والقبول في الجامعات

د. محمود نديم نحاس

نشرت الصحف أن وزارة التعليم العالي وجهت الجامعات بتخصيص 10% من المقاعد الدراسية في كل جامعة للطالبات والطلاب المقيمين في المملكة انطلاقاً من حرصها على إتاحة الفرصة أمامهم لمواصلة دراستهم، على أن تراعى شروط ومعايير القبول من حيث النسبة المئوية لشهادة الثانوية العامة وإجراء الاختبارات المطلوبة.
إنها ولاشك لفتة طيبة من الوزارة أن تهتم بالمقيمين في المملكة والذين يشارك أباؤهم في بناء نهضتها ويتمنون لها كل خير. وقد جاءتني رسالة من صديق مقيم يعمل في التعليم منذ أربعين سنة، ذكر في بدايتها أن القضية لا تعنيه شخصياً، فقد أنهى أبناؤه وبناته المرحلة الجامعية، لكنه من خلال عمله في التعليم يرى أن هذا القرار حكيم وأنه يتمنى أن تزداد نسبة المقاعد المخصصة للمقيمين لما لها من آثار إيجابية على المملكة. ففي رأيه أن المقيمين يسهمون في البناء ويشعرون بقدسية المملكة الحاضنة للحرمين الشريفين، وهم مستعدون لحمايتها بأرواحهم، ولا يقل حبهم لها عن حبهم لبلدانهم، بل يفوق. ويرى أيضاً أن تواصل المقيمين مع أشقائهم المواطنين على مقاعد الدراسة يتيح فرصة أكبر لتبادل الخبرات بين الشعوب. ومن ناحية أخرى فإن قبول المقيمين المتفوقين يثير التنافس في الوسط التعليمي ويسهم في تحسين مستوى المشاركة والتفاعل والتحصيل.
ويضيف: رغم أن مراحل التعليم ما قبل الجامعي تساهم في تكوين شخصية الإنسان، إلا إنها تعد من مراحل الطفولة، في حين تساهم المرحلة الجامعية مساهمة أكبر في تكوين شخصية الإنسان، لأنه في هذه المرحلة لم يعد لأحد وصاية عليه، لا في البيت ولا في الوسط التعليمي، فيرتبط الطالب بجامعته، والبلد الذي يعيش فيه، ارتباطا وجدانيا وثيقا وإيجابيا لأنه نابع من نفسه، وتصبح علاقته بزملائه المواطنين ذات روابط طيبة وقوية.
ثم إنه من المعلوم عالمياً أن خريجي الجامعة يحتفظون بذاكرة طيبة تجاه البلد الذي درسوا فيه مرحلتهم الجامعية أو الدراسات العليا، حيث تنمو لديهم روابط ووشائج قوية تستمر مدى الحياة. وهذا ملحوظ على كل الناس، فما من أحد تجلس معه إلا ويحدثك عن كثير من المظاهر التي رآها في بلد الدراسة. ويرى صاحبي أن لو كانت بلد دراسته هي البلد التي يقيم فيه فإنها ستزيد من اللحمة التي تربط بين المملكة وبين الدول التي ينتمي إليها هؤلاء المقيمين. ويذكر كيف أن فرنسا مثلاً تقدم المنح الدراسية لدول العالم، من فلسفة أن من يتخرج من فرنسا سيرتبط بها وبلغتها وسيكون لديه ولاء لها، ويستمر هذا الولاء حتى بعد عودته إلى بلده. ولذا فإن كثيرين من هؤلاء يفضلون الشركات الفرنسية للقيام بالتوريدات أو المقاولات التي تحتاجها شركاتهم التي يعملون فيها في بلدانهم.
وينهي صاحبي رسالته بأن دولاً عربية مجاورة تخصص نسبة كبيرة من المقاعد الدراسية في الجامعات لغير مواطنيها لقاء رسوم دراسية منخفضة دون أن تضحي بشروط القبول، بل إنها تتنافس على قبول الطلاب ذوي المعدلات المرتفعة، بهدف رفع اسم الجامعة من خلال مستوى طلابها وخريجيها.
ولقد ذكرتُ لصاحبي أن الجامعات السعودية تقدم منحاً دراسية للمرحلة الجامعية وللدراسات العليا لطلاب من خارج المملكة. لكنه يرى أن عددها مازال محدوداً وأنه يطمح للمزيد.