أوروبا أرخص من الرياض
8:45 م - 24 نوفمبر 2014
ريم علي
في إعلان بإحدى الصحف، عُرِضَت عمارة بمساحة 100 متر في الرياض بقيمة 900 ألف ريال في حي قديم من اﻷحياء ذات الشوارع الضيقة المكتظة بالعمالة التي لا يمكن أن تعيش فيها العوائل ولا تستطيع السيارة أن تدخلها بسهولة، فالعائلات أصبحت تتهرب من وسط المدينة نتيجة انتشار العمالة واستقرارهم بها، ومع ذلك تُعرَض بمبلغ فلكي، وبالصفحة نفسها إعلان آخر عن بيع أرض 700 متر في أميركا بـ45 ألفا.
ركِّزوا على فرق السعر، أرض في أميركا حيث الطبيعة وجمال المنظر بسعر بخس، وعمارة بمساحة صغيرة في أردأ حي يطلب صاحبها مبلغا خياليا! مع العلم أن أرضا بمساحة 700 متر في أحد أحياء الرياض ستكلف الملايين، لذلك لا توجد إلا أقلية من العوائل تستطيع أن تشتري المساحات الواسعة، فاضطر البعض إلى شراء منزل دبلوكس صغير 250 مترا ملاصق لجاره، شباك مطابخهم وحمامتهم يجمعها منور مشترك، وسطحهم مطل على بعض، لكن في زمن لا يأمن فيه اﻹنسان على نفسه ولم يعد يثق بأحد، أصواتهم تتداخل وتقل فيها الخصوصية، في بلد كبير مترامي اﻷطراف، كأن عدد السكان مئات الملايين، بيت لا يُطِلّ على نهر ولا شاطئ أو في الريف، بل يطل على أراض جرداء شهباء لا تسرب عليهم إلا الغبار، ولكي تحصل على بيت كهذا يجب دفع مبلغ يفوق المليون غير فوائد البنك، والسمسار، لكن يبقى أفضل من عدم الحصول على مسكن.
وعندما تتجول في اﻷحياء المستحدثة البعيدة التي أحيانا تكون خالية من أبسط الخدمات ومجرد بيوت متناثرة وتستغرب من وجود من يبني منزلا سكنيا فيها، تفاجأ بأنها سرعان ما تمتلئ بالمشترين، لأنهم لم يستطيعوا السكن في الأحياء الأقرب وأحياء الطبقة الميسورة، ناهيك بقيمة البناء التي تقصم الظهر، فكيف يستطيع موظف بسيط أو حتى لو راتبه جيد تأمين سكن بالملايين وبمساحات ضيقة!
وبنظرة سريعة، تكتشف أن بعض أحياء الرياض مقسَّمة حسب أصول سكانها، فقبائل معينة وأهالي مدن لهم نقطة تجمّع في أحد الأحياء، إما في الشرق وإما في الغرب وإما في شمال الرياض وجنوبه، غير وسط البلد الذي يستقر فيه العمالة.
أما لو فكرت في أن تحصل على سكن قريب عند «المملكة» و«الفيصلية»، فستدفع كل عمرك حتى تطل على البرجين كأنك ستطل على الحرمين الشريفين! لكن، ما زال يسكن فيها سكانها القدامى الذين وُفِّق آباؤهم في اختيار المكان بأبخس الأثمان، مع وجود مَن ضعف منهم وخرج من منزله وأجره بسعر لم يحلم به على شركات صغيرة جدا.
لماذا لا نطور من أشكال البناء ونهيئ مباني اقتصادية، أو حتى من الأكواخ الخشبية القوية كما في دول العالم المتقدمة التي صمدت أمام الأجواء الباردة وكثافة الأمطار والثلوج، بدلا من إرهاق المواطن بمبالغ خيالية يدفع كل زهرة شبابه وهو يسددها، وبيوت تتأثر بالمطر والعواصف، فقطرات من المطر كافية لامتلاء البيوت والشوارع..
أجمل البيوت الأوروبية وأفضل الأراضي الغنية بالتربة والزرع والمياه لا يمكن أن تقارَن بما عندنا لا بالشكل ولا بالسعر، انظر إلى الإعلانات: بيوت قديمة لها 20 سنة وتباع بسعر يفوق المليون وعليها أقساط البنك العقاري ليورِّط المشتري بنتيجة إهماله الالتزام بالتسديد، لماذا كل هذا؟! هل تستحق الأراضي والفلل هذه المبالغ؟! أين وزارة التخطيط! أين المعماريون!
مع كل هذه المساحات الشاسعة والرزق الوفير بالأراضي لا يمكن أن يحصل الناس على بيوت تؤويهم إلا بصعوبة، وبمبالغ خيالية لا تناسب ظروف المعيشة، ولو وجدوا يجدون في نهاية المدينة، حتى إن الرياض مستمرة في التمدد من شمالها إلى شرقها إلى غربها إلى جنوبها..لا نعرف ما نهايتها، مَن المستفيد الأول من غلاء الأراضي؟ الأراضي كانت في البداية لِمَن! كيف تحولت أراض ناشفة من متر بالريالات إلى متر بالألوف؛ لا لميزة فيها أبدا إلا أنها في آخر حي من أحياء الشمال! وكيف تحول بيت هدام عليه قروض إلى كنز ﻷصحابه! وزارة الإسكان أين هي من السماح للمواطن ببناء البيوت اﻷوروبية المريحة والجذابة، التي تتوافر فيها كل سبل المعيشة؟! لماذا لا تجلب الشركات المتطورة لتغيير نوعية السكن والمناسب للأسر السعودية!