القدس امرأة وثلاث عشاق
د. فايز أبو شمالة
هي مدينة القدس؛ امرأة وثلاث عشاق، الأول يعشقها سراً وعلى استحياء، والثاني يعشقها جهراً وأمام وسائل الإعلام فقط، أما الثالث؛ فقد شغفه حبها، فجرد سلاحه واستعد، وحماها بدمه، وتوسع فيها بماله وأكاذيبه، وذاب فيها وجداً وعبادة وتدفق في شوارعها نبضاً !.
لقد استحوذ اليهود على المدينة المقدسة بالقوة واللين، وتركوا ما ظل من أطرافها للسلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية، لقد تمسك اليهود بالوجود والنفوذ وبالسطوة والسلطة في القدس، وتركوا البواقي للأردن والفلسطينيين، يتفاهمان بشأنه، يتوحدان، يتناقشان، يلتقيان، ويوقعان الاتفاقيات، ويتقاسمان المسئولية، فطالما كان صلب القدس وأصلها ممسوكاً بقبضة اليهود القوية، فلا يهمهم كثيراً اسم الجهة التي ستقوم بمسح حذاء المدينة المقدسة.
عشية ذكرى نكبة مايو 1948، تؤكد كل التقارير أن القدس لم تعد عربية، ولا هي إسلامية، والقدس يا أيها الفلسطينيون والأردنيون لا هي فلسطينية ولا هي أردنية، القدس يا أمة لا إله ألا الله قد صارت يهودية، بموافقة أردنية فلسطينية وتحت الرعاية الأمريكية، ومن لا يصدق فيكفي أن يعرف أن في القدس ثمانمائة ألف يهودي، أي ما يعادل 65% من سكان المدينة، يستولون على معظم الأراضي، بحيث لم يبق للعرب إلا 13% فقط من أرض القدس!
ومن لا يصدق، ليقرأ الاتفاق الذي رددته الاذاعة العبرية، والذي يقول: توصلت إسرائيل إلى اتفاق مع الاردن والسلطة الفلسطينية بوساطة امريكية؛ ينص على شطب مشاريع قرارات تدين إسرائيل بسبب نشاطاتها في المناطق، وما وُصف بمحوها الطابع العربي للقد. مقابل أن توافق إسرائيل على السماح لوفد خبراء عن اليونسكو بالقيام بجولة تفقدية في عدة مواقع اثرية في البلدة القديمة من القدس.
وليستمع من لا يزال يعاند الواقع إلى رياض المالكي، الذي يرى في الاتفاق نصراً فلسطينياً في منظمة 'اليونسكو'، ويقول: النصر هو انتزاع تعهد إسرائيلي مُلزم باستقبال بعثة خُبراء دوليين من عدة مرجعيات دولية، لزيارة القدس المحتلة، ومعاينة الأوضاع في الميدان، ورفع تقرير للمديرة العامة لمنظمة 'اليونسكو' فور انتهاء الزيارة!.
ما أحلى هذا النصر الفلسطيني! إنه لذيذ الطعم، لذلك طالبت السلطة الفلسطينية بأن يحتفل العرب بالنصر السياسي والدبلوماسي الفلسطيني، وأن يفرحوا بالهزيمة الإسرائيلية النكراء التي تضيفها الدبلوماسية الفلسطينية على سجل الهزائم الإسرائيلية المتراكمة.
افرحي يا قدس، يا مدينة مغتصبة، افرحي، فقد انتصرنا في الأمم المتحدة، وانهزمت إسرائيل، ولا يهمنا بعد ذلك ما يجري على الأرض من تهويد جامح فاضح، وليأخذ اليهود الأرض، ليسيطروا على كل شيء، فيكفينا أننا نحقق الانتصارات، ويكفي الشعب الفلسطيني برود أعصابه، وصبره، وانتظاره انتصارات دبلوماسية أخرى؛ تضمن لمن ظل على قيد الحياة من الفلسطينيين أن يصلي العشاء الأخير على رمال الصحراء الكبرى أو في جزر القمر.