مَنابِعُ الْـخَيْرِ قَدْ تُـحْصى لِـمُجْتَهِدِ = وَخَيْرُ مَشْهَدِنا اسْتَعْصى عَلى الْعَدَدِ
كَالزَّهْرِ أَنْواعُهُ تُـحْصى وَإِنْ كَثُرَتْ = وَالْعِطْرُ إِحْصاؤُهُ يُعْيي لِكُلِّ يَدِ
يا مَشْهَدَ الْـخَيْرِ يا دَوْحًا يُظَلِّلُنا = طولَ الزَّمانِ بِلا ضيقٍ وَلا نَكَدِ
فـي كُلِّ رُكْنٍ تَرى لِلْخَيْرِ أَلْوِيَةً = تَعْلو بِأَيْدٍ عَنِ الْـخَيْراتِ لَـمْ تَـحِدِ
شَرْقٌ وَغَرْبٌ جَنوبٌ وَالشَّمالُ بِها = أَطْرافُ جِسْمٍ نَما فـي رَوْضَةِ الرَّغَدِ
وَطالَ فَرْعًا عَلى أَصْلٍ يُسانِدُهُ = وَامْتَدَّ فـي الزَّمَنِ الْـمُمْتَدِّ فـي الْعُقُدِ
وَجادَ مِنْ ثَمَرٍ كَالشَّهْدِ مَطْعَمُهُ = وَطاعِمُ الشَّهْدِ لا يَلْوي إِلى الْـهَبَدِ
فَارْفَعْ لِـمَشْهَدِنا فـي كُلِّ مُـحْتَفَلٍ = وَابْرِزْ مَـحاسِنَها لِلْخَلْقِ وَاسْتَزِدِ
وَافْخَرْ بِأَهْلٍ بَنَوْها مُنْذُ نَشْأَتِها = لَـمْ يَبْخَسوها فَحَلَّتْ ذِرْوَةَ الْكَبَدِ
أَمْوالَـهُمْ بَذَلوا عَنْ طيبِ خاطِرِهِمْ = كَدُّوا وَلَـمْ يَسْأَلوا عَنْ راحَةِ الْـجَسَدِ
اَلْبَذْلُ شيمَتُهُمْ وَالْـخَيْرُ مَنْهَجُهُمْ = وَالصَّبْرُ عُدَّتُهُمْ فـي حُلْكَةِ الشِّدَدِ
كانَ الْإِخاءُ ظِلالًا وَسْطَ هاجِرَةٍ = أَوَوْا إِلَيْها جَميعًا ساعَةَ الصَّهَدِ
كانَ التَّكافُلُ رَغْمَ الْفَقْرِ فِطْرَتَهُمْ = وَالْكُلُّ جيرانُ حَتَّى آخِرِ الْبَلَدِ
بابُ الْـمَعونَةِ قانونٌ لَهُ خَضَعوا = عَنْ طيبِ نَفْسٍ بِلا إِجْبارَ مِنْ أَحَدِ
وَسَلْ مَواسِمَ صَيْفٍ عَنْ تَعاضُدِهِمْ = وَسَلْ عَنِ الزَّرْعِ وَالْـمِقْثاةِ وَالرَّجَدِ
وَصَبَّةُ السَّقْفِ بِالباطونِ ما بَدَأَتْ = إِلَّا تَقاطَرَ كُلُّ النَّاسِ لِلسَّنَدِ
كانوا خَلِيَّةَ نَحْلٍ فـي تَعاوُنِهِمْ = وَالْكُلُّ لِلْكُلِّ يَسْعى سَعْيَ مُـجْتَهِدِ
وَاسْأَلْ إِذا لاحَ صُبْحُ الْعيدِ فَرْحَتَهُمْ = وَعَنْ طَوافِ جَماعاتٍ بِلا نَفَدِ
مِنْ كُلِّ حَيٍّ تَرى وَفْدًا يَطوفُ عَلى = حَيٍّ وَحَيٍّ وَحاراتٍ يَدًا بِيَدِ
حَتَّى وَإِنْ بَرَزَتْ يَوْمًا مُـخاصَمَةٌ = فَقُلْ تَـخاصُمُ أَمْعاءٍ مَعَ الْكَبِدِ
هٰذي الْـخلائِقُ يا جيلَ الشَّبابِ سَرَتْ = يَوْمًا بِمَشْهَدِنا فـي الْكَهْلِ وَالْوَلَدِ
فَخُذْ بِها الْعُمْرَ زادًا وَارْجُ مَنْهَلَها = وَرِدْهُ صِرْفًا تَعِشْ عُمْرًا بِلا كَمَدِ
وَاحْذَرْ مُعاداتَها أَوْ مَنْ بِها عُرِفوا = فَسيرَةُ الْـجَدِّ نَهْجٌ بَيِّنُ الرَّشَدِ
وَالنَّاسُ قَدْ جُبِلوا مُنْذُ الْقَديمِ عَلى = رَفْضِ الْقَديمِ وَحُبِّ الْـمُحْدَثِ الْـجَدِدِ
وَكَمْ قَديمٍ تَـجَلَّتْ فيهِ مَأْثِرَةٌ = تُزْري بِكُلِّ جَديدٍ عُدَّ فـي الزَّبَدِ
فَلا تُفَرِّطْ وَأَوْلِ الْأَصْلَ تَكْرِمَةً = فَأَنْتَ فَرْعٌ لِذاكَ الْأَصْلِ، لا تَئِدِ
وَكُنْ لَهُ خَيْرَ مَوْلودٍ لِوالِدِهِ = بِرًّا وَعَطْفًا وَإِنْصافًا بِلا أَمَدِ
أَنْتَ الْوَريثُ لِتاريخٍ نُسِبْتَ لَهُ = أَنْتَ السَّفيرُ فَلا تَنْقُلْ كَمُنْتَقِدِ
وَانْظُرْ لِكُلِّ شُعوبِ الْأَرْضِ ما بَرِحَتْ = تَرْعى مَفاخِرَها يَقْظى بِلا رَقَدِ
حَتَّى الْأُلى عَبَدوا الْأَوْثانَ ما ادَّخَروا = جُهْدًا بِنَشْرِ ثَقافاتٍ وَمُعْتَقَدِ
فَانْشُرْ تُراثَكَ فـي عِزٍّ وَفـي شَمَمٍ = وَافْخَرْ بِأَنَّكَ عَبْدُ الْـخالِقِ الصَّمَدِ
وَاحْذَرْ عُقوقًا لِـمَنْ آوَتْكَ فـي صِغَرٍ = وَما اشْتَكَتْ مِنْكَ طولَ الْعُمْرِ فَاتَّئِدِ
فَكَمْ عَدَوْتَ صَغيرًا فـي مَسارِبِها = وَكَمْ رَكَضْتَ قَوِيَّ السَّاقِ وَالْعَضُدِ
وَلَـمْ تَزَلْ لَكَ حِضْنًا فاضَ مَأْمَنَةً = كَحِضْنِ أُمِّكَ مَهْدًا عَزَّ فـي الْـمُهُدِ
زَيْتونَةٌ فَوْقَ أَرْكانِ الْـجَليلِ سَمَتْ = مُـخْضَرَّةَ الْـحَبِّ وَالْأَغْصانِ لِلْأَبَدِ
وَتِلْكَ مَشْهَدُنا الزَّهْراءُ جَوْهَرَةٌ = وَحَقُّها الْـمَدْحُ وَالْاِيثارُ يا وَلَدِي
*المشهد هي قرية الشاعر، وقد القيت القصيدة أول أيام عيد الفطر في الأمسية الاحتفالية التي أقامتها جمعية الفيحاء في القرية.