من موقعنا :الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان يحوز الفضائل كلها وهذا وصفه في القرآن الكريم ((وإنك لعلى خلق عظيم)) والمنظومة الأخلاقية كل لا يتجزأ وملاك هذه المنظومة كلها هو الصدق.الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين
والصدق هو وصف رسول الله وسمته بين أهل مكة حيث كان يدعى الصادق الأمين.
ومن يتتبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد ذلك مجسدا في شخصيته وسلوكه والدليل على ذلك واضح وجلي حيث لم يستثمر الظواهر الطبيعية التي توافقت مع وفاة ولده إبراهيم عندما انكسفت الشمس فقال الناس لقد انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقال صلى الله عليه وسلم:
(إن الشمس والقمر لاتنكسفان لموت أحد من الناس ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رآيتوهما فقوموا فصلوا).أخرجه البخاري 1/353 تحقيق الدكتور مصطفى البغا.
وهذا ما جعل العدو قبل الصديق يقف بإجلال وهو يتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنا تجد تلك المحاورة الجميلة بين هرقل وأبي سفيان ولندع الإمام البخاري يحدثنا تفاصيل تلك المحاورة الجميلة:
حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم هادن فيها أبا سفيان وكفار قريش فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال : أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان فقلت أنا أقربهم نسبت فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره ثم قال لترجمانه قل لهم: إني سائل عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه .
ثم كان أول ما سألني عنه أن قال كيف نسبه فيكم ؟ قلت هو فينا ذو نسب .
قال فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله ؟ قلت لا .
قال فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت لا .
قال فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت بل ضعفاؤهم .
قال أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت بل يزيدون .
قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت لا .
قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت: لا .
قال: فهل يغدر ؟ قلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها . قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة .
قال: فهل قاتلتموه ؟ قلت: نعم .
قال: فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه .
قال: ماذا يأمركم ؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة . فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله .
وسألتك هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه .
وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله . وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان حتى يتم .
وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .
وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر .
وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين.
وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم حتى أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه .
ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } ).
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا لقد آل أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك نبي الأصفر .
فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.أخرجه البخاري 1/7 تحقيق الدكتور مصطفى البغا.
وهذا أبو لهب الذي كان يسير وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لا تصدقوه إنه كذاب لا تصدقوه إنه مجنون يقف متوجسا ومتهيبا من دعوة محمد ولنتسمع إلى رواية ابن عساكر لنرى كيف تعامل أبو لهب مع دعوة رسول الله على ولده:
عن هبار بن الأسود قال : لما كان أبو لهب وابنه عتبة بن أبى لهب تجهزا إلى الشام فتجهزت معهما فقال ابنه عتبه: والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينه فى ربه فانطلق حتى أتى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال يا محمد: هو يكفر بالذى دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - اللهم ابعث عليه كلبا من كلابك).
ثم انصرف عنه فرجع إلى المدينة فقال: يا بنى ما قلت له فذكر له ما قال له قال فما قال لك قال قال اللهم سلط عليه كلبا من كلابك).
فقال يا بنى والله ما آمن عليك دعاءه فسرنا حتى نزلنا السراة وهى مأسدة فنزلنا إلى صومعة راهب فقال: الراهب يا معشر العرب ما أنزلكم هذه البلاد فإنما تسرح الأسد فيها كما تسرح الغنم فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سنى وحقى فقلنا: أجل يا أبا لهب قال إن هذا الرجل قد دعا على ابنى دعوة والله ما آمنها عليه فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابنى عليها ثم افرشوا حولها ففعلنا فجمعنا المتاع ثم فرشنا له عليها وفرشنا حوله فبتنا نحن حوله وأبو لهب معنا أسفل وبات هو فوق المتاع فجاء الأسد فشم وجوهنا فلم يجد ما يريد انقبض فوثب وثبة فإذا هو فوق المتاع فشم وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه فقال أبو لهب: (لقد عرفت أنه لا ينفلت من دعوة محمد).
أخرجه ابن عساكر (38/302) .
وهكذا تجد كيف كان أعداء رسول الله يشهدون لرسول الله بالصدق والأمانة رغم تكذيبهم وعدم تصديقهم لرسالته.
صلى عليك الله يا علم الهدى ما هبت النسائم وما ناحت على الأيك الحمائم.
التراث والثقافة