( أخبار الزمان بين القدس وعمّان )
رواية قصيرة
الحلقة الرابعة وقبل الأخيرة
تتابعت الأعوام ومرّت السنين ، وطوى الزمان صفحاته المجيدة
بعد أن حقق البطل الناصر صلاح الدين ، نصره العظيم في حطين ،
فطرد الصليبيين الغزاة واستردّ منهم القدس زهرة المدائن ، ثم
جاء بعده خبر الانتصار الكبير للسلطان المظفّر قطز مع صاحبه
ركن الدين بيبرس ، على المغول والتتار في عين جالوت .. وبعده
كان الإنتصار الإسلاميّ المُدوّي للخليفة والسلطان العثماني محمد
الفاتح على البيزنطيين، الذي فتح به مدينة القسطنطينية التي كانت عاصمة الصليب الكافر ، وجعلها منارة من منارات الإسلام
الخــالــدة ! .
أجل يا أُخوة ويا أصدقاء ، فقد طوى الزمان كل تلك الصفحات المجيدة
وأكثر ، وأتى على السيوف العربية حين من الدهر، ضعفت فيه
وغفلت بل تخاذلت عن أعدائها ، فكان أن تسللت قطعان القرَدَة
والخنازير تحت جنح الليل البهيم ، الى محارم الأرض العربية
المُـقدّســة .. فلسطين وما حولها .
وراحوا يُنزلون بأهلها المُسالمين ، والخالية أيديهم من السلاح
الجرائم الفظيعة والمذابح القاسية ، دون أن يعترضهم أحد من
أقوياء العالم المُتحضّر، الذين يتباكون دائماً على حقوق الإنسان
وحياته الثمينة ! .
من عمّان العاصمة الجديدة للمُلك الهاشميّ التليد ، والتي كانت
ولا تزال تُطلّ بعينيها الفتيّتين الجميلتين على مساجد القدس
وكنائسها الحزينة ، قَدِمَ المَلِك عبدالله الأوّل بن الحسين ليُصلي
الجمعة مع الناس في المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ..
وبينما كان يصعد الدرجات ليدخل حرم المكان المقدّس مع مُرافقيه ، وإذ برصاص الغدر والخيانة لله ورسوله ولحرمة الأقصى ينطلق نحوه كسهم الشيطان ... فوقع المَلِك الهاشميّ المسلم عبدالله الأوّل شهيداً على باب الأقصى الباكي ، وقد تكفّن بدمه الذي صلى خاشعاً لله .
وبعد أن أشعل الصهاينة الأشرار النار في أرجاء أولى القبلتين وأحرقوا منبر صلاح الدين .. ركضت الأعوام مُعذّبة تتقاذفها ريح
السموم ،وقد ثبّت اليهود وجودهم القذر فوق صدر الأرض المُغتصبة .. وبكت السيدة العذراء حسرة وألماً ، وهي تُحاول لملمت جسدها الذي تمزّق فسال منه الدمُ غزيراً ، وراح يصرخ
ويفور في الطرقات والساحات وفوق الأسوار مُستغيثاً بنخوة كل
المؤمنين الأشراف .
فما لبثت أرواح الشهداء البررة أن إنطلقت مُنتفضة في وجه الظلم
والإحتلال فواجه الحجر الدبابة والمقلاع واجه الرصاص ! .
وماجت شوارع الضفة الغربية وغزة هاشم بثوّار الحجارة من شيوخ ونساء وشباب وأطفال وبنات ، وعلى مرأى من العالم
كلّه راح جنود القتل والجريمة يُطلقون رصاص أسلحتهم الغادرة
على الأرواح الشهيدة بلا رحمة أو ضمير .
وتراكض المُجاهدون من كل حدب وصوب ليدافعوا عن مُقدّسات
الأرض والسماء فواجهوا بصدورهم العارية جرائم إسرائيل واستكبارها .
وكان محمد الدرّة الطفل العربي المُحاصر في قلب المُواجهات الدامية ، يُحاول أن يختبئ في حُضن أبيه الجريح ، فصوّب إليه الجنود المُتوحّشون رصاص حقدهم المُفترس .. فذهب شهيداً يشكو الى الله ضياع طفولته البريئة ! .
ومضت الأحداث تتلاطم وتتصادم كأمواج البحر الهادر، وصمد
أهل الحق والأرض صمود الجبل الراسخ في مكانه ، غارسين
جذورهم العربية الأصيلة في أعماق الوطن السليب لا يهزّهم هجوم الموت عليهم ولا الإفتراس اليهوديّ لهم .
وسط ذلك الصراع الأبديّ المُحتدم بين قوة الحق المُضيء وقوى
الشرّ والباطل المُظلم ، ظهر هناك فجاءة طفلان عربيّان خالدان عُمَريّان ، لم يعرفهما أو يراهما أحد من قبل ، كانا قد رضعا من
نور الشمس الساطعة وتغذّيا بثمرة الوحي المُحمديّ ، وخرجا من
رَحِم الأرض الطهورليبدآآ على الفور مع إخوانهم الثوّار المُنتفضين ، معركة الجهاد والتحرير .....
وحين رميا أوّل حجر لهما في سبيل الله ، قتلا به ضابطاً صهيونيّاً
خسيساً كان مُنهمكاً في ضرب فتاة فلسطينية جريحة تُوشك على
الموت ، وما أن حدث ذلك حتى انطلق الرصاص الإسرائيلي المجنون خائفاً يبحث في كل إتجاه عن هذين الطفلين اللذين
اختفيا قبل أن يُمسك بهما الجنود المرعوبين ! .....
وبعد يوم وبعض يوم ، فجّر الطفلان العربيّان الخالدان ( مسلم وعبدالله ) قنبلة حجريّة قتلا بها عقيداً إسرائيليّاً وثلاثة ضبّاط
وعدداً من الجنود ، فقامت القيامة داخل الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة ، وأخذت تحفر في الأرض وتُنقّب وتبحث وتُفتّش
في كل مكان وزمان عن ذينك الطفلين مسلم وعبدالله اللذين
ألقيا الرعب والفزع في قلب الكيان اليهوديّ المسخ ، وتركاه في
حالة من التخبّط والتحيّر العجيبين .. !
في مدينة بيت لحم ، وفي بُقعة قصيّة بعيدة، وتحت بقايا جذع
ضخم قديم لنخلة متكسّرة ، توجد مغارة تاريخيّة مباركة ، اختفت
عن عيون الأعداء ، كان الطفلان النورانيّان يختبآآن فيها بعد كل فعل بطوليّ يقومان به لدحر العدوّ المغتصب عن الأرض والعرض
والمقدّسات ...
وبينما هما يُنهيان فريضة الصلاة ، إذ ظهر أمامهما سيّدٌ جليل
يشعّ من وجهه الأبيض النقيّ نور الملائكة في السماء ! ...
( تابعوا الحلقة القادمة والأخيرة يرحمكم الله )
بقلم : ايهاب هديب:
الطبعة الأولى 2005
جميع الحقوق محفوظة بأمر الله