أديب العربية العلامة إسعاف عثمان النشاشيبي (1885 – 1948م)
واحد من أساطين الأدب واللغة العربية في القرن العشرين.
===================================
- 7 - من سلسلة عباقرة الفكر والأدب المعاصرين-
---------------------------------------------------------------
يُعدُّ الأديب والعلامة المقدسي إسعاف عثمان النشاشيبي في نظر دارسي عصر النهضة في بلاد الشام من أبرز رواد ثقافة النهضة والتنوير في فلسطين، لما يختزنه من معارف أدبية ولغوية وثقافية عامة واسعة اكتسبها من دراسته واتصاله مع مثقفي عصره في فلسطين وخارجها وقد انعكس هذا الأمر إيجابياً على واقع الثقافة والأدب واللغة أيضاً.
وُلِد إسعاف بن عثمان بن سليمان النشاشيبي (أبو الفضل)، في عام 1885م في مدينة القدس الشريف، لأسرة عريقة كان جدها الأول أحد رجال الملك الظاهر «جقمق»، وكان والده عثمان رجلاً فاضلاً من كبار أثرياء الشام فدرج إسعاف في بيت رفيع العماد، وعاش ربيبَ نعمة، في سعة من العيش وبَسطة في الرزق بعد أن وَرِثَ عن أبيه ثروةً عظيمة، وكان قد فقد إحدى عينيه في شبابه فجعل مكانها حدقة من زجاج. لم يتزوج فلا عقب له.
وتذكر المراجع الأدبية أن حلقة عثمان النشاشيبي (والد إسعاف) في القدس كانت الأشهر والأهم. فقد كانت هذه الحلقة بمثابة خزانة لجواهر عريق الأدب وحاضنة تطوره نحو الحداثة.
وكان رئيس الحلقة عثمان بن سليمان النشاشيبي من أفاضل مدينة القدس، ومن أبرز رجالات عصره في الأدب والعلم والثراء. وكان ينتظم في تلك الحلقة محمد جار الله وعارف الحسيني وموسى عقل وأسعد الإمام وراغب الخالدي والمفتي كامل الحسيني ورشيد النشاشيبي وعبد السلام الحسيني وغيرهم. وكان أعضاء الحلقة يتقارضون في جلساتها الشعر ويتذاكرون الأدب ومسائل الفقه واللغة وأخبار أدباء البلاد وأنباء الفقهاء في الولايات العثمانية الأخرى.
ويذكر أن فكرة إرسال إسعاف للدراسة في المدرسة البطريركية في بيروت قد انبثقت عن واحدة من جلسات هذه الحلقة حين اقترح الشيخ راغب الخالدي على والده الشيخ عثمان مثل ذلك وأهمية دراسة إسعاف بها لما ستقوم به من تأهيل عال له نحو المستقبل الذي يريده له.
وما أن أتم إسعاف دراسته الابتدائية في مدينة القدس، حتى انتقل إلى دار «الحكمة» في بيروت، وهناك تتلمذ للشيخ عبد الله البستاني، وأمضى في هذا الصرح العلمي ثلاث سنوات، وفي «دار الحكمة» تأثر إسعاف بأستاذه الشيخ عبد الله البستاني، وأخذ أيضاً عن محيي الدين الخياط ومصطفى الغلاييني والأمير شكيب أرسلان .
وخلال دراسته في بيروت ألمَّ باللغة الفرنسية إلمَّاماً حسناً أتاح له قراءة بعض الكتب العلمية والصحف الفرنسية .
وقد تعلق إسعاف بالأدب منذ صباه، فقرأ كتب التراث، وشغف ببديع الزمان الهمذاني، فكناه أصدقاؤه (أبا الفضل)، وأعجب بالمتنبي وقال فيه: «إن المتنبي شخص ثالث بين كل مثقفين اثنين».
وقبل إعلان الدستور العثماني سنة 1908م عاد إسعاف إلى بيت المقدس يقرأ ويكتب وينظم، وحاول أن يتصل بالطبقة المثقفة في ذلك الزمان، وقد تخرجوا في ما كان في زمانهم من المدارس الأجنبية (الفرنسية والإنكليزية والروسية) وتولوا أعمالاً مختلفة. وفي الحرب العالمية الأولى عين إسعاف أستاذاً للغة العربية في المدرسة «الصلاحية» في بيت المقدس، ومن زملائه المدرسين فيها الشيخ عبد العزيز شاويش وخليل السكاكيني. وقد اختار إسعاف قطعة أرض تطل على الطريق العام في حي الشيخ جراح وشيد قصراً، وزين أبهاءه بأمهات الكتب وأقبل على هضمها واستظهار روائعها. وكان بيته كعبة القصاد لا تزوره إلا وجدت فيه كثيرين من أهل العلم والفضل، وجعله مثابة للرائح والغادي من رجالات العرب الوافدين على مدينة القدس. وبعد الحرب العالمية الأولى عين مديراً للمدرسة «الرشيدية» في بيت المقدس، فمفتشاً للغة العربية في إدارة المعارف العامة، فنظَّم المدارس الأميرية، وأصلح التعليم وأدخل على المناهج تجديداً في الروح والأسلوب. وعمل في دائرة المعارف مفتشاً نحو تسع سنين، ثم استقال في حادث عارض بينه وبين سلطات الاحتلال البريطاني. وبقي بعد ذلك مدة سبعة عشر عاماً وهو يكتب ويؤلف ويخطب ويراسل، وعكف على كتبه وقام برحلات سنوية إلى مصر والشام، وقد انتخب عام 1932م عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق.
ذكره صاحب «الأعلام فقال: «كان من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق. انفرد بأسلوب من البيان، ونعت بأديب العربية. وكان عصبي المزاج، أبيّ النفس، حاضر البديهة، متقد الذهن، فيه انقباض وانكماش عمن لا يألف» .
أصالة وانفتاح..---------------------
يعد إسعاف النشاشيبي من أبرز علماء القدس الشريف في عصره، فقد نذَر حياته للذَّوْدِ عن اللغة العربية التي تمثّل جزءًا أساسياً من الشخصية الإسلامية. وهو يمتاز بأسلوب عربي رصين عليه من القديم الجميل شيء كثير وكان إذا خطب على منبر رقصت من تحت قدميه العيدان.
ولقد عاصر النشاشيبي حِقْبَة التراجع العربي والإسلامي، وانْقِضَاض الاستعمار الأوروبي على المشرقِ الإسلاميِّ أواخرَ القرنِ التاسعِ عَشَرَ وأوائل القرن العشرين، ورأى من قومه أقلاماً وألسنة مفتونةً تنادي بأخذ حضارة الغرب بحَسَنِها وخبيثِها، ومَنْ ينادي باستعمال الحروف اللاتينية في الكتابة إمعانًا في الانْسلاخِ من كلّ ما يمتُّ للهوية بصلة. فما كان منه إلاّ أن صبَّ نيرانَ غضبِه على المتغرِّبين المنسلِخين من إسلامهم، الداعِينَ إلى إهْدَارِ العربية ونبذها.
ومنذ عام 1908م اقبل على الصحف الفلسطينية، فكتب مقالات أدبية في مجلتي «الأصمعي» و«النفائس» ، وساهم في تحرير جريدة «المنهل»، وملأ صفحات الصحف والمجلات الأدبية في فلسطين ومصر وسوريا، بألوان من أدبه نثراً وشعراً، ثم لم يرض عن طبقته في الشعر فتركه. كما نشر فصولاً أدبية طريفة في بعض صحف مصر وسوريا. وكتب مجموعة من المقالات في جريدة «فلسطين» تناول فيها موضوعات مختلفة، وكان في كتابته يمثل الاتجاه المحافظ الذي يميل إلى التأليف والزخرفة في الكتابة، وقوة التعبير وجزالته. ويرى أن العودة إلى تقليد القدماء هي الأساس الذي يجب أن يسير عليه الأدباء. ورغم اتجاهه المحافظ فقد كان على اطلاع واسع بالثقافات الأخرى، وكان يكثر من الاستشهاد بأقوال الأدباء الفرنسيين والأمريكيين، ويقدر أهمية التطور الذي حققته المدنية الغربية.
وقد «أسست معارف الثقافات ذات المنابت المختلفة لتفاعلات مختلفة ولكنها حيوية في آن واحد معاً. وقد انعكس ذلك بشكل مباشر في وجود التيار التقليدي الكلاسيكي الذي كان يتزعمه إسعاف النشاشيبي، والتيار التجديدي الرومانتيكي الذي كان يتزعمه خليل السكاكيني. وكان في وجود هذين التيارين إغناءٌ للآداب وإثراء للغة العربية أيضاً
ولقد تعزز الإثراء والإغناء بشكل أكبر نتيجة تبني قطبيه (النشاشيبي والسكاكيني) وأتباع كل منهما لضرورة الإصلاح وموجبات التغيير في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والثقافية، والانخراط في حركة النهضة القومية باعتبارها الأسلوب الممكن لمثل ذلك. وهذا يعني أن كلا التيارين يدعو إلى التجديد والتجويد ولكن بمنظورين ومفهومين مختلفين يتقاطعان أحياناً كثيرة في المواقف التي تتصل بضرورة التطوير.
و«كان من أبرز ما اهتمت به صحف البدايات في مجال تطوير اللغة وحداثتها، نشر الأبحاث والدراسات التي كان قد أعدها إسعاف النشاشيبي، وخليل السكاكيني.
وبرغم مدى جدية هذا الاختلاف في الرؤى حول أساليب الكتابة الأدبية خصوصاً وأنه قد أسفر عن استقطابات بينة كانت لها تجليات إنتاج أدبي متنوع وباهر أسس لتواصلية الثقافة الفلسطينية في مراحلها المختلفة، فإن مجلة «النفائس» قد استوعبت الاتجاهين معاً، وقبلها فعلت مجلة «الأصمعي». ومثلها فعلت جريدة «فلسطين» أيضاً».
ويشير الأستاذ محمد سليمان إلى أنه: «بقدر ما يبدو الاتجاهان متصالحان ومتعايشان بسلام في إطار حاضنة واحدة، فقد كان رمزا هذين الاتجاهين صديقين وفيين طوال حياتهما ولم تحدث بينهما خصومة أدبية، وذلك لأن كل واحد منهما كان أصيلاً في اتجاهه ويكمل الآخر من ناحية فنية... وكما كان لكل من الأديبين النشاشيبي والسكاكيني أسلوبه الخاص في الكتابة دون أن يحدث الاختلاف في الأسلوبين خلافاً وخصومة بينهما، فإنه في مجال النقد الأدبي كان لكل منهما أسلوبه المختلف عن الآخر، والمستمد من نفس المسوغات التي أسس عليها كل منهما أسلوبه في الكتابة».
ولقد كان النشاشيبي حريصاً على الدعوة لمذهبه النقدي في كتاباته التي كان ينشرها في تلك المطبوعات. وكان أشد حرصاً على أن تتطابق مواضيع إنتاجه الإبداعي مع الشروط التي يجب على الكاتب والأديب مراعاتها عند الكتابة وفق المواصفات التي يحددها هذا المذهب النقدي. وكان يراعي دائماً، بل ويؤمن أيضاً ولا يتنكر لمبدأ النشوء والارتقاء في اللغة والأدب معاً.
كما «خاض النشاشيبي حروباً أدبية ومعارك نقدية مع خصومه ومخالفيه في أسلوبي الكتابة والنقد الأدبي، في وقت حرص فيه على أن يتصالح مع مواقف خصومه التي تتوافق مع موقفه. وقد كانت اللقاءات والأماسي والاحتفالات ميادين تلك الحروب، فيما كانت صفحات الجرائد والمجلات منابر لتلك المعارك. ولعل كتاب النشاشيبي الذي وضعه بعنوان «كلمة في اللغة العربية» هو المصدر المناسب الذي يمكن العودة إليه للإمساك بأهداب مفهوم المذهب القديم في النقد الأدبي، وكذلك رأى النشاشيبي في أساليب الكتابة وموقفه من المذهب الحداثي».
وفي سياق رده على آراء ومواقف أتباع «مذهب الحداثة» يقول:
«ماذا يرى اليوم المتسمون بالمتجددين أو المجددين، وفي أي سبيل يهوون المسير؟.
أيرون أن ننقلب إلى القديم فيجود القول ويستقيم، وتُوقى الوحدة العربية ونصون الأساليب العربية، وتترجل الأمة وتتفحل من بعد خنثها وتأنثها باستظهار الكلام الفحل الجزل، ويتهذب ذوقها بمؤالفة الأقوال المهذبة المنتقاة، وتكون هذه الأمم العربية في الوجود شيئاً مذكوراً. أيرون هذا أم يضاروننا فيذهبون إلى غير هذا المذهب الهدوي، وينبري لنا مدارهم قائلين: إن الزمان ليضيق على الإحاطة بالعربية والتوغل في آدابها. وإن عام ارتقاء اللغات تخالف شريعة المتمسكين بالقديم، وإن المعول عليه هو المعنى ليس اللفظ، وما أمر اللفظ عند العلماء بذي بال».
ومن المواقف الشهيرة التي تروى عن النشاشيبي أنه حينما قلَّدَهُ رئيسُ جمهورية لبنان وسامَ الاستحقاق المذهّب، قام النشاشيبي فألقى خطبة بليغة، جاء فيها: «.. وإنَّا ـ أممَ اللسانِ الضادِيّ ِـ لَعُرْبٌ، وإن لغتَنا هي العربيةُ، وهي الإرْثُ الذي ورِثْنَاهُ. وإنَّا لَحَقِيقُونَ - والآباءُ هُمُ الآباءُ واللغةُ هي تلك اللغةُ - بِأَنْ نَقِيَ عربيةَ الجنسِ وعربيةَ اللغةِ، نَقِيَ العَرَبِيَّتَيْنِ مما يَضيرُهُمَا أو يُوهِنُهُمَا..».
لقبه أترابه بـ «أديب العربية»:------------------
لم يكن غريباً أن يُنعت النشاشيبي بين أترابه من الأدباء والمثقفين بـ «أديب العربية»، بعد أن ظهر في مؤلَّفاته نُضجٌ كبير وعمقٌ في الرؤية والفهم، كانا سبيله لدعوة أمته إلى المجاهدة التي لن تنجح بالإيمان والشجاعة وحدهما، بل لا بدّ معهما من الإحاطة بالعلوم الحديثة، وقد أشار إلى أنَّ انتماءَه للعربية لا يَعني إغفالَه لما تَحْوِيهِ الحضارةُ الأوروبيةُ من جوانبَ مهمةٍ يَنْبَغِي استيعابُها.. ولم يدْعُه إيمانُه العظيمُ بحضارة المسلمين إلى نَبْذِ الحضاراتِ الأخرى والنَّأْيِ عن التزوُّدِ منها بما يتفق وروحَ الإسلام، ويُعيّن على الجهاد. فمن أقوالِه في كتاب «قلب عربي وعقل أوروبي»: «تِلْكُمْ مَدَنِيَّةُ الغرب، فالخيرُ كلُّ الخيرِ في أنْ نَعرفَها، والشرُّ كلُّ الشرِّ في أنْ نَجهلَها، وإنّا إذا عَادَيْنَاهَا - وهي السائدةُ السَّاطِيَةُ - اسْتَعْلَتْنَا، وإنَّا إذا نابذْناها ونَبَذْنا عليها حَقرتْنا، وهي مدنِيّةٌ قد غَمَرَت الكرةَ الأرضيةَ، فليس ثَمَّةَ عاصمٌ وإنْ أَوَيْتَ إلى المِرِّيخِ».
ويرى الباحث الفلسطيني محمد سليمان أن النشاشيبي: «كان نسيج وحده، وكان ظاهرة رائعة من ظواهر هذا المتجه الخطر، متجه (الخاصة)، ولكنه ظل محافظاً على الرونق. وكان تأنقه ملكة مستقرة في قلبه. وكان هذا دليلاً على علو نفسه اللغوي، وسلامة ذوقه الأدبي.
وربما لا يختلف معنا أناس كثر عندما نقول بأن إسعاف النشاشيبي يعتبر رأس مدرسة في النثر الفني في فلسطين، ولكن هذه المدرسة كانت قليلة الأتباع وذلك "لقلة من كان يحذق الأصالة التعبيرية من أدباء فلسطين حينئذ على النحو الذي سار عليه النشاشيبي
وقال عنه المرحوم الدكتور إسحق موسى الحسيني (عميد الأدب الفلسطيني):«كان النشاشيبي أديباً فذاً لا نظير له بين أدباء عصره، وفي رأيي أنه جاهد ليبدع في النثر إبداع صاحبه أبي تمام في الشعر، فغاص في كثير من أقواله غوصه، وتأنق تأنقه، وحلّى تحليته، ورمى بتلك القرون الطوال وراء ظهره، ليظهره في ثوب القرن الثاني الهجري»
ولقد شارك النشاشيبي في المجالس والندوات الأدبية والفكرية المقدسية، وأبرزها تلك التي عرفت بـ«حلقة الأربعاء»، والتي كانت تعقد في مقهى «المختار» - نسبة إلى مختار طائفة الروم الارثوذوكس عيسى بن ميشيل الطبة – وهو المقهى الذي اشتهر فيما بعد بـ«مقهى الصعاليك»، وكان من أشهر رواده الشاعر والأديب والمربي خليل السكاكيني، وإسحق موسى الحسيني، والصحفي يوسف العيسى أحد مؤسسي جريدة «فلسطين» في يافا وجريدة «ألف باء» في دمشق عام 1920م، ويعقوب فراج ، والشاعر الصحفي عيسى داود العيسى مؤسس جريدة «فلسطين»، والصحفي عادل جبر صاحب جريدة «الحياة» المقدسية، والشاعر اللبناني رشيد نخلة المنفي إلى القدس منذ عام 1913م من قبل جمال باشا السفاح قائد الجيش العثماني الرابع في سورية بسبب ما كان يخشاه من شعوره القومي، والمعلم اللبناني نخلة زريق.
وابتداء من عام 1919م بدأ المقهى يتكرس كملتقى للمثقفين، ومنذ عام 1920م تقريباً أصبح زبائن المقهى يقتصرون على الأدباء والشعراء والمثقفين والسياسيين إضافة إلى أفراد الرعية الأرثوذكسية.وتشير المراجع التاريخية ذات العلاقة إلى أن المقهى كان يعج طيلة سنوات الاحتلال البريطاني بمثقفي مدينة القدس وجوارها وكذلك المثقفين الوافدين من حيفا ويافا وعكا وغزة وغيرها، من أمثال: «أحمد الشقيري وأكرم زعيتر ونيقولا حنا، وشريف القبج، وعبد الحميد ياسين، وتوفيق عبد الرازق، ورفعت الشهابي، وصالح عبد اللطيف الحسيني، والمحامي حسن صدقي الدجاني، وأحمد سامح الخالدي، وأحمد عزت الأعظمي، ومحمد البديري، ومنيف الحسيني، وطاهر الفتياني، وخالد الدزدار، وداود الكردي، وإميل الغوري، وعلي محيي الدين الحسيني، وأديب الخوري، ويوسف مرنيس، وداود ترزي، وعبد الله البندك، وجميل مسلم، وصبحي الطاهر، وجبرائيل شكري ذيب، وعيسى الناعوري، واسكندر الخوري البيتجالي، وجميل البحري، ومتري حلاج، وكمال عباس، ورشيد الحاج إبراهيم، وهاني بشير، وصبحي فؤاد الريس، وهاني أبو مصلح، وعزت القاسم، وقيصر أبيض، وجان سويدان، ومنير إبراهيم حداد، وعزمي النشاشيبي، وحنا فضولة، وفهمي الحسيني، وخليل الدجاني، وعارف العزوني، وسعيد الخليل، وجورج صالح الخوري، وسليم الحلو، ويوسف سلوم، وطانيوس نصر، وجورج عازر، وجودت حبيب، وشوكت حماد، وصليبا عريضة، وزهدي السقا، ومحمود سيف الدين الإيراني، والدكتور اسكندر حلبي، وادمون روك، وميشيل عازر، وعمر العزوني، ويوسف حنا
كما كان يشارك في الندوات الأدبية عدد من الضيوف من الشعراء والأدباء العرب الذين يفدون على القدس عرف منهم: «الشاعر خليل مطران وأحمد زكي باشا». ومن رواد الندوات والمجالس الأدبية التي كانت تعقد في ذلك المقهى عدد من رجالات السياسة العرب المنفيين إلى فلسطين من قبل السلطات الفرنسية أو اللاجئين إليها بعد انهيار الحكومة العربية التي أنشأها الملك فيصل بن الحسين خلال عامي (1918-1920م). كان منهم المفكر والمناضل الوطني اللبناني علي ناصر الدين، وفي فترة لاحقة انضم إليهم رفيق الحسيني وانطاس حنانيا وايجور فراج بالإضافة إلى عدد من المحامين والأطباء والتجار المهتمين بالأدب والثقافة.
وكانت تلك المجموعة هي النواة التي أطلق عليها خليل السكاكيني لقب «شلة الصعاليك»، وفي عام 1919م أسسوا معاً حزباً خاصاً بهم أطلقوا عليه «حزب الصعاليك» وقد ظهر على الملأ عام 1921م
شّعره فّخمٌ جزّلٌ .. طافّحٌ بالعاطفّة:----------------
عاش إسعاف النشاشيبي مجاهداً بلسانه وقلمه، عَلَماً للأدب وواحداً من رجالات عصره الذين أمدهم الله بموهبة فَذَّةٍ بلَّغتْهم كمالَ القول وجمالَ التعبير، وبقدر ما كان ذلك العلامة المقدسي الجليل ضئيلَ الجسم نحيلَه كان يأخذ بزمام الأمور في المجالس إذا تحدّث، ويوجّه دفة الحديث إذا أَطلق لسانَه مُتناوِلاً قضيةً من القضايا، في حضور كرام العلماء والأدباء والشعراء، ورجال السياسة والسفراء.
وقد تمسك النشاشيبي «بقيم وأساليب وصياغات الشعر القديم وعراقته وتوليفها مع طرائق الحداثة التي اكتسبها الشعراء من المعارف التي اكتسبت من التعرف على الآداب الأجنبية بواسطة الاتصال المباشر أو من خلال ما أنجز من تراجم لتلك الآداب واللغات الفرنسية والإنجليزية والروسية وغيرها إلى اللغة العربية»
وجاء في معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين: « كان شعره متوسط الجودة، نظمه في شبابه ثم أمسك عنه، وما كتبه من الشعر يطفح بالعاطفة التي حررته من قيدين: وحدة القافية، ووحدة البيت. بعض قصائده تدل على طول النفس وقدرة التوليد للمعاني. تناول في شعره الموضوعات الدينية، وموضوعات الحياة »-. وقال عنه الناقد والشاعر المرحوم راضي صدوق: «شعره فّخمٌ جزل عربيّ الدّيباجة والجَرْس» -
وكتب عنه الكاتب الروسي ثيودوروف، بعد أن استمع إلى بعض قصائده بلسانه في لقاء بالقدس يقول: « .. كان هذا الشاعر يقرأ قصيدته وفي كل نبرة من نبراته معان عظيمة، وقد ظهر لي وهو يقرأ نشيطاً عنيداً متحمساً. هذا الشاعر عربي قبل كل شيء، ومسلم، ولكنه ممتزج مع إخوانه المسيحيين امتزاج الراح والماء»-
وقد نشر النشاشيبي الكثير من قصائده في صحف عصره، وبخاصة «النفائس العصرية» ومجلة «الأصمعي»، وليس له ديوان مطبوع، وله قصائد لا تزال مخطوطة. والمؤسف أنه لم ينهض أحدٌ من الباحثين أو الدارسين أو من أقربائه لجمع قصائده ونشرها في ديوان.
بالقدس أهلي والهوى مصر:----------------------
كان النشاشيبي شغوفًا بالقاهرة، يكثر من زيارتها، حببها إليه أصدقاء له فيها، منهم شاعرِها الأكبرِ صديقِه الحميمِ؛ أمير الشعراء أحمد شوقي. يَفِدُ إليها كلَّ عامٍ مُتَطَبِّبًا، وربما طَبَعَ بعضًا من كُتُبِهِ.
وفي عام 1927م ساهم إسعاف في مهرجان أحمد شوقي ومبايعته على إمارة الشعر العربي، واشترك في تأبينه، وكان موضع تقدير وإعجاب زعيم مصر سعد زغلول. كما شارك في قاهرة المعز في عدة مناسبات منها: احتفالية إحياء ذكرى معركة حطين، وفي تأبين الحسين بن علي، وفي العيد الألفي لأبي الطيب المتنبي.
وكانت مجلة «الرسالة» القاهرية تَعقد ندواتٍ أدبيةً ثريةً تدعو إليها خيرةَ رجال الأدب والعلم، ومن هنا توطّدت العلاقةُ بين الأستاذ النشاشيبي وبين الأديب الكبير أحمد حسن الزيّات، صاحب مجلة الرسالة، التي نشر فيها إسعاف منذ عام 1937م وحتى 1947م فصولاً مسلسلة نفيسة تحت عنوان «نقل الأديب»، وهي «منتخبات من قراءاته في أوابد كتب التراث».
وفي عام 1947م هاجر (أبا الفضل) إلى القاهرة، وأقام في أحد الفنادق حتى آخر أيامه، حيث قَضَى نحبَه، في الثاني والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير 1948م، عن عمر يناهز الـ(63 عاماً)، بأحد مستشفيات القاهرةِ بعد حياةٍ حافلةٍ بالعطاء زاخرةٍ بالجهاد والكدّ والمصابرة، أي قبل سقوط المدن الفلسطينية تباعاً في أيدي العصابات الصهيونية، والإعلان الرسمي عن ولادة المسماة (دولة إسرائيل).
وكان (رحمه الله) في هجرته هذه قد حمل من بيت المقدس مخطوطة كتابه «الأمة العربية» للإشراف على طباعته، ولكن مرضه حال دون إخراج هذا الكتاب النفيس، وفقدت أصوله بعد وفاته في القاهرة.
من آثاره القلمية:---------------------
عشق إسعاف عثمان النشاشيبي اللغة العربية فأثْرى المكتبةَ العربيةَ بعدة مؤلفات شعرية وأدبية ولغوية ونقدية ومقالات، كرَّسَهَا لتخدم العربية ولتتناول عظماء العرب بما هم أهلُه من إبراز المحاسن والمنجزات، وله أيضاً عدة كتب من مختارات ومحفوظات مدرسية تعد عنوان الذوق السليم في حسن الاختيار.
منها: «أمثال أبي تمام»، شرحها ونشرها تباعاً في مجلة النفائس،1912م. و«كلمة موجزة في سير العلم وسيرتنا معه»، القدس - 1916م. و«مجموعة النشاشيبي»، القاهرة - 1923م، وهي تضم:
-العربية وشاعرها الأكبر أحمد شوقي.
-اللغة العربية والأستاذ الريحاني.
- العربية في المدرسة (طبعت المجموعة في مصر - عام 1928م).
وله أيضاً كتاب بعنوان «قلب عربي وعقل أوروبي»، القدس - 1924م. و«البستان»، (أقوال عربية من شعر ونثر) مصر - ط1 1924م، و ط2 1927م.
و«كلمة في اللغة العربية»، القدس - ط1 1925م. وط2، الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، بيروت - (بدون تاريخ).
و«العربية وشاعرها الأكبر أحمد شوقي»، القاهرة 1928م.
و«اللغة العربية والأستاذ الريحاني»، 1932م.
و«العربية في المدرسة، 1932م»،
و«البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي
والشاعر الخالد أحمد شوقي»، مطبعة بيت المقدس، ط1 القدس - 1932م. ط2، الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، بيروت -(بدون تاريخ).
و«الإسلام الصحيح»، القدس، 1936م.
و«مقام إبراهيم» (عن الزعيم السوري إبراهيم هنانو) 1938م.
و«نقل الأديب»، بيروت، 1956م.
و«التفاؤل والأثرية في كلام أبو العلاء المعري»، مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق -(بدون تاريخ).
و«المجموعة الكاملة لمؤلفات إسعاف النشاشيبي»، تحرير الدكتور كامل السوافيري.
=وله مخطوطات نذكر منها:
- «الأمة العربية»،
-«آمال النشاشيبي»،
-«حماسة النشاشيبي»،
-«جنة عدن»،
-«المبهج».
ومن المؤلفات والدراسات النقدية التي صدرت حولـه، نذكر:
=«أديب العربية: محمد اسعاف النشاشيبي»، اسحق الحسيني، دار الطفل العربي، القدس، 1987م.
=«إسعاف النشاشيبي: عصره، حياته، أدبه وفكره»، ياسر أبو عليان وآخرون، دار الطفل العربي، القدس، 1987م.
=«إسعاف النشاشيبي»، محمد جمعة الوحش، منشورات وزارة الثقافة، عمان- 1988م. و«إسعاف النشاشيبي»، أحمد عمر شاهين، دار المبتدا، بيروت- 1992م.
=«أديب العربية، إسعاف النشاشيبي، بأقلام أدباء العرب، بعد 50 عاماً على وفاته»، ناصر الدين النشاشيبي، دار الشروق، عمان.
=مكتبة إسعاف النشاشيبي:------------------
تشير المصادر التاريخية إلى أن مدينة القدس عرفت مكتبات مسيحية قديمة جداً، مثل مكتبة الأسقف (إسكندر) قبل عام 212م ومكتبة (أوريجين بامفليوس) أسسّها 209م.
وأنه ابتداءً من أواخر القرن السادس هجري بدأت تتضح ملامح جديدة لحركة الكتب والمكتبات في فلسطين بشكل عام. وفي مدينة القدس بشكل خاص، لأن العصر الأيوبي والعصر المملوكي، وبدايات العصر العثماني كانت عصور نهضة علمية، وبالتالي وَجِدتُ نهضة مكتبية تمثلت في مظاهر حضارية متعددة، منها إنشاء المكتبات الخاصة والعامة.
ولقد ضرب رجالات الثقافة والعلوم في فلسطين بسهم وافر في إنشاء مكتباتهم، وبذل الكثير منهم كل غال ونفيس في إنشائها وتعميرها، «لكن القدر المحتوم - الذي لا مردّ له – يقدّر لبعضها عدم البقاء لتصبح ضحية جديدة من ضحايا الاغتيالات الصهيونية المتتالية على الميراث الفلسطيني، إذ لا تزال الحملات الصهيونية منذ مطلع القرن المنصرم تصب غضبها على مكتبات فلسطين وخزائن مخطوطاتها محاولة القضاء عليه بشتى الصور لعلمها بأهمية هذه المكتبات في حياة الشعوب ونهضتها..»
ولقد كان النشاشيبي واحداً من أولئك الأدباء، حيث امتلك مكتبة لا تشبهها مكتبة،
وقد وصفها الأستاذ أنور الجندي قائلاً: « لقد كان قصر النشاشيبي في القدس ملاذاً للأدباء ومجمعاً للأدب وبه مكتبة من أنفس الكتب وأبرزها».
وعن مصير المكتبة يوجد قولان:
الأول: قول الأديب اللبناني والمجاهد عجاج نويهض (رحمه الله) في كتابه «رجال من فلسطين» (ص17)، يقول: «في شهر أيار/مايو 1948م، نهب بيت إسعاف النشاشيبي ومكتبته، وبيعت كتبه الثمينة بالأرطال بيع غنائم باردة».
والثاني: قول الأديب الأردني اللامع المرحوم يعقوب العودات الشهير بـ (البدوي الملثم) في كتاب «من أعلام الفكر والأدب في فلسطين«(ص627)، يقول: «لكن هذه المكتبة القيمة أطبق عليها من لا أخلاق لهم في نكبة عام 1948م عندما اجتاح بعض المرتزقة أحياء القدس العربية زعماً منهم أنها «أحياء يهودية» فنهبوا مكتبة إسعاف وحملوها إلى المدينة الزرقاء بالأردن وباعوها على مشهد مني بالرطل لأصحاب الأفران فذهبت طعمة للنيران».
نموذج من أشعاره:-----
عشقوا الوظائف===========
عشقوا الوظائفَ ضلةً لهواهم ورأوا بها العلياء شامخة الذرى
خالوا السعادة عندها أو ما دروا أن الرزايا في الوظائف والشقا
لم يبغِها إلا الذي هو جاهلٌ بحقائق الأكوان مأفون الحِجا
نبذ الصناعة والتجارة والزِّرا عةَ مُؤْثراً يا ويله مُرَّ الجنى
كيف ارتجاها وهي جدُّ ذميمةٍ وأصابها وهْي التي تُزجي البَلا
تدعو العزيز إلى المهانة والمذلة شرّ ما كرث الفتى
أنا والإبا ومروءةٌ أمويةٌ لا أنتحي رَبْعاً لها طول المدى
أنَّى تروم وأنت تعلم شيمتي أن أهبِطَنْ يا صاحِ قاعًا مُجتوى
فيه الثعالبُ والذئاب وكل من تدريه ممن خاس قِدْماً أو درى
ممن شرى شرعَ الضمير بدرهمٍ وصبا إلى دين الجعائل والرُّشا
أنا لا أعايشهم وربك ما حَييـ ـتُ وما بدا نجمٌ بآفاق السما
فحذارِ أن تلحَى حذار فإنني يا من جهلت ضرائبي ذاك الفتى