العربيّ المسلم إرهابيّ
الكاتب: محمود عبد المالك عيد
تحدّثت أخبار هذا الأسبوع عن تخوّف إسرائيل ومن يدور في فلكها من نتائج الثورات العربيّة التي يسمّونها "الربيع العربيّ"، وممّا يثير الرعب في قلب إسرائيل وتابعيها الصحوة المرتقبة للشعوب العربيّة بعودتها إلى الدين، وذلك بعد أن نجح اليهود والغرب -إلى حدّ ما- في إبعاد كثير من المسلمين عن دينهم...
وهذا شيء ممّا نشرته وتناقلته الصحف ووكالات الأنباء:
قال مبعوث اللجنة الرباعيّة للوساطة في الشرق الأوسط (توني بلير): "إنّه لأمر عظيم أن يريد الناس الديمقراطيّة، لكن في المدى القصير ثمّة تراجع في الاستقرار في المنطقة، ولذا يمكن أن يسبب ذلك مشاكل لإسرائيل ولعملية السلام."
وكشفت مجلّة (إسرائيل اليوم) عن قلق إسرائيل وخشيتها من تكرار تجربة الانتخابات التونسيّة التي بلغت نسبة المشاركة فيها (90%)، وتشير نتائجها إلى تقدّم حزب النهضة الإسلاميّ التونسيّ. وذكرت الصحيفة أنّ الدول العربيّة التي وصلها قطار الربيع العربيّ تتّجه نحو تكرار النموذج التونسيّ من حيث فوز الإسلاميّين، وسيطرتهم على مقاليد الأمور، وهو الأمر الذي يدعو إلى قلق إسرائيل وتخوّفها من فرض الشريعة الإسلاميّة في المنطقة. ونقلت المجلّة عن محلّلين تحذيرهم من أن يؤدّي الربيع العربيّ إلى شتاء إسلاميّ، فتونس هي أوّل دولة عربيّة تطيح بالديكتاتور الذي ظلّ جاثما على صدرها طويلا، وتظهر النتائج تقدّم الإسلاميّين، واعتبرت المجلّة أنّ هذا الفوز يشير إلى أنّها سوف تقود العالم العربيّ لفرض الشريعة الإسلاميّة.
* * *
لقد انتشرت في العالم معادلة صهيونيّة وضعها اليهود وأذاعوها، وتبنّتها أمريكا ولوّحت بها، وما زالت دول الغرب والشرق تلوكها وتجعل حلّها أساسا لكلّ حلّ أو عقد، وانساق -أو انجرّ- بعض المنتسبين للإسلام فتنادوا بها وتعالت أصواتهم، وتسابقوا إلى اختراع طرق الحلّ، ومنهم من سبق أصحاب المعادلة والمتشدّقين بها في محاولة حلّها!
أمّا نحن فسنحاول تيسير هذه المعادلة و(تبريرها)، وتوضيح موقفنا منها، وإظهار مخادعة هؤلاء الناس وتلاعبهم بالألفاظ.
تقول المعادلة -وهي ليست صعبة- إنّه إذا كان المسلم عربيّا (وأضيف إليها عبارة "أو أفغانيّا"، والباب مفتوح لإضافة قوميّات أخرى!)، وكان العربيّ (أو الأفغانيّ) إرهابيّا بطبعه، فإنّ كلّ المسلمين إرهابيّون بتوجيه من طبيعتهم المنحرفة والبعيدة عن المدنيّة!!!
وتقول المعادلة نفسها -ولكن بترجمة أخرى للتيسير- إنّه إذا كان العربيّ مسلما، وكان المسلم إرهابيّا بدينه، فإنّ كلّ العرب إرهابيّون بتوجيه من دينهم!!!
ونتيجة المعادلة وترجمتها أنّه إذا كان الإسلام دينا إرهابيّا يحبّذ العنف، وإذا كان المجتمع الدوليّ بتمدّنه وتحضّره (وليس منه المسلمون) ينبذ الإرهاب، فإنّ على جميع دول العالم (وعلى رأسها الدول المسلمة!) أن تعدّ العدّة وتكثّف الجهود لنبذ الإرهاب ولمحاربة الإسلام بكلّ الطرق الممكنة؛ ليعيش العالم في طمأنينة وينعم بالرخاء والسلام!!!
وشرح هذه المعادلة أنّ كلّ من يحاول الوقوف في وجه إسرائيل أو انتقاد تصرّفاتها يكون إرهابيّا، وعليه فإنّ اجتثاثه واجب على كلّ من يحبّ -أو يخاف- إسرائيل.
هكذا افترض اليهود معادلتهم، وهكذا فرضوها على العالم بعد أن جنّدوا لعبتهم (أمريكا وجلّ رؤسائها، وهؤلاء جندّوا معظم دول العالم) لذلك، وأخذت أمريكا على عاتقها حماية المجتمع الدوليّ، وفرضت هذه الحماية فرضا على من شاء وعلى من أبى!
وقد تفنّنت أمريكا -التي جعلها اليهود (سيّدة العالم) لتنفيذ مآربهم وتحقيق أهدافهم الخبيثة دائما- في تقسيم دول العالم في قسمين اثنين فقط، وبمعادلة يهوديّة أخرى تقول: إنّ كلّ دولة تخدم إسرائيل هي دولة محبّة للسلام في العالم، فهي صديقة، وهي مع الدول المحبّة للخير، أي من دول (محور الخير)، وإنّ أيّ دولة يُظنّ أنّها قد تحاول -ولو في المستقبل البعيد- أن تهدّد أمن إسرائيل من قريب أو بعيد هي دولة معادية للأمن والاستقرار في العالم، فهي من الدول الشيطانيّة الشرّيرة أو الإرهابيّة، أي من دو (محور الشرّ)؛ وكانت العراق وكوريا الشماليّة وإيران ثلاثيّ (محور الشرّ) في أوّل عهدنا بتقسيم الرئيس بوش، ثمّ تكرّمت أمريكا وبوشها بإضافة سوريا وبعض الدول غير العربيّة إلى القائمة!
أمّا العراق، وما أدراك العراق! وهل أحد يجهل ما حلّ بالعراق عقابا على تهديد أمن إسرائيل؟ لقد ظنّ الرئيس الأمريكيّ ظنّا أنّ لدى العراق أسلحة قد تهدّد السلام العالميّ، أي: تهدّد أمن إسرائيل! ثمّ صنع من هذا الظنّ حقيقة ثابتة، ثمّ أنزل عقابه على العراق وأهل العراق ونفط العراق، عاقب العراق بناء على (حقيقة) أصلها الظنّ والوهم، وما بني عليه هذا الظنّ -كما اعترفت أمريكا بعد تدمير العراق- كان معلومات مغلوطة قدّمتها الاستخبارات الأمريكيّة للرئيس الأمريكيّ! فماذا فعل الرئيس للعراق والاستخبارات؟ لا شيء، فهو لم يصلح خطأه الذي ارتكبه بحصاره العراق ثمّ بما أحدثه من دمار وحرق وقتل علماء وسرقة تاريخ وتراث ونهب أموال، ولم يعاقب الاستخبارات التي حملت إليه المعلومات المغلوطة!
وأمّا كوريا فلم تدمّر ولم يقتّل أبناؤها مع اعترافها بالعمل على امتلاك الأسلحة المحظورة على غير إسرائيل وأمريكا وحلفائهما!!!
ومثل كوريا إيران التي صرّحت وتبجّحت بأنّها تطوّر أسلحتها، وبأنّها تعمل للحصول على الأسلحة المحظورة، وتجاهر بأنّها تريد أن تحارب إسرائيل -وليس هنا بعد الاعتراف من ظنّ- فلم نسمع من أمريكا غير التهديد وعرض حلول خجولة!!!
ومثل كوريا وإيران سوريا (النظام) التي صادقت إيران وسمحت لها بأن تتغلغل فيها، وأن تختمها بخاتم التشيّع الأسود، وقد جمع بين النظامين العمل على قتل المسلمين!!!
فلنعلم أنّ كوريا وإيران وكذلك سوريا الأسديّة لا تهدّد أمن إسرائيل، فهي لا تهدّد السلام العالميّ، يشفع للأولى كفرها ووثنيّتها البعيدة عن الإسلام، وللأخرى تشيّعها واثنا عشريّتها البغيضة المبغضة للإسلام، ويشفع للثالثة باطنيّة حكّامها ونصيريّتهم التي كفّرهم بها ابن تيميّة وأخرجهم بسببها من ملّة الإسلام، وهم خدم أذلّة لإسرائيل، وما يقوم به النظام اليوم في سوريا يدلّ على عمالته وعلى تمسّكه بها خدمة لإسرائيل، فهم يحمونه ما استطاعوا، ويعملون على إبقائه واقفا ولو على عكّازتين من ورق، لأنّ النظام القادم البديل قد يشكّل خطرا على أمن إسرائيل!
ونخلص من شرح المعادلة اليهوديّة الصهيونيّة ومن تطبيق أمريكا لهذه المعادلة إلى أنّ دولة الشرّ الإرهابيّة يجب أن تكون -بشعبها وحكّامها- مسلمة أو عربيّة!
ونخلص أيضا إلى أنّ العراق كان مقصودا بذاته؛ لأنّ تلمود اليهود يقول إن تهديدهم سيكون من أرض العراق! وقد جرّب اليهود ما فعله بُخْتَ نصّر (نبوخذ نصّر) بهم، وهم لا يحبّون إعادة التجربة مرّة أخرى، ولكنّ الله لهم بالمرصاد!
ولعلّنا لاحظنا أنّ لفظة (الإرهابيّ) تعني الإنسان العربيّ أو المسلم، وأنّ لفظة (الإرهاب) تعني دين الإسلام أو القوميّة العربيّة، وأنّ (مكافحة الإرهاب) تعني العمل على إبعاد المسلمين عن دينهم وإبادة من يتمسّك بدينه منهم والقضاء على الإسلام!
لقد اتّهم اليهود وابنتهم أمريكا ودول العالم المتحضّر دين الإسلام بأنّه دين إرهاب، واتّهموا العرب والمسلمين بأنّهم إرهابيّون، وقد انبرى المسلمون لنفي هذه التهمة القبيحة المنفّرة عن أنفسهم، يريدون أن يقنعوا العالم بالتخلّي عن هذا الاتّهام الخطير، ويريدون أن يعفو عنهم الناس ويقبلوهم في جملة البشر، خائفين من أن يتفرّدوا بمعاداتهم لليهود فيُنبذوا أو يُعاقبوا فيحاصرهم النظام الأمريكيّ أو يدمّر بلادهم كما فعل بالعراق وأهل العراق، وما أفغانستان عنّا ببعيدة، وكان هؤلاء ناسين أو متخاذلين متغاضين متناسين قول ربّنا سبحانه وتعالى مخاطبا الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعامّة المؤمنين بقوله عزّ من قائل: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال/60).
الله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نكون إرهابيّين، لنرهب أعداء الله وأعداء الدين الذين يهدّدوننا ويقتلون أطفالنا ونساءنا، لا لنرهب المسالمين الذين يصالحوننا ويتعاملون معنا بالحسنى من القول والعمل، فالله يأمرنا بإرهاب الأعداء، وهؤلاء المتخاذلون يتقرّبون منهم، إن الأمر واضح وصريح: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ...﴾، والهدف واضح وصريح: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ...﴾، ولكنّ التخاذل وطأطأة الرؤوس صفة ضعيفي الإيمان هداهم الله، ومطلوب من المسلم المؤمن بالله أن يكون قويّا رافع الرأس دائما حتّى فيما يراه أحلك الظروف، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين﴾(آلعمران/139)، والله المستعان.