أتشكو البيدُ مانعةَ الرخاءِ = أم الأرضُ اليبابُ بلا رجاءِ
تعرَّى الليلُ حينَ أتتهُ ريحٌ = فبرَّدَ سطوهُ ثلجُ الشتاءِ
سرابٌ في الظلامِ فهل علمتمْ = سراباً يستقيمُ بلا ضياءِ
جمعتُ بساحتي ذرات وهمٍ = فتاهتْ في المجاهلِ كالهباءِ
ويسمعُ بالنهايـةِ كل حيٍّ = وأذنُ الماكرينَ بلا وعاءِ
بها وقرٌ إذا ما حلَّ قلنا = نعوذُ بربنا من كل داءِ
كفتكَ الشاردات بعقلِ غرِّ = أبى إلا مخالطةَ الوباءِ
تجاوزت الغوايةُ كل حدٍّ = فباتَ الخلقُ في وهمِ البقاء
تفكرَ كل ذي عقلٍ لبيبٍ = فأبصرَ حينَ فكَّرَ في صفاءِ
بأن ملامةَ الجهلاءِ حمقٌ = وأن عتابهم فرطُ الغباءِ
وأن تقلُّبَ الأخلاقِ طبعٌ = تشرَّبهُ وريدُ الكبرياءِ
وأن الزورَ للأكبادِ سقمٌ = تلبَّسهُ العليلُ مع الرداءِ
وأكبر من بوارِ السُّقمِ داءٌ = يصيبُ القلبَ يُعطبُ بالرياءِ
يقابلك الوجيهُ فتصطفيهِ = وتسمعهُ فتهربُ بالحياءِ
فلا ثوبُ الوجاهةِ شفَّ روحاً = ولا ردَّ العُبوسَ جدا الكساءِ
إذا المأمولُ مقطوعٌ بأمرٍ = فإن الوصلَ حقُّ الأوصياءِ
يعجِّلُ بالمساوئ من يراها = محاسنَ نفعها كشف الغطاءِ
ويسجدُ للريالِ قليلُ حظً = يولّي وجههُ شطرَ النماءِ
هيَ الدنيا فلا تعتبْ عليها = تذيقكَ مرَّها بعدَ الهناءِ
تريكَ جمالَها في ثوبِ عُرسٍ = وتكشفُ سوءَها عند البلاءِ
فلا تلقى الصديقَ بيومِ ضيقٍ = ولا المحبوب يفرحُ باللقاءِ
وإن صاحبتَ بالمعروفِ خلاًّ = ترصَّدَ للمحبةِ بالجفاءِ
إذا ما الظلُّ غيَّبَ كل طيفٍ = أبانَ الخيرَ ينبوعُ الوفاءِ
تجلَّى كل من أهدى شعاعاً = لروحِ الليلِ من نبضِ الضياء
وأرسلَ للعيونِ بريقَ ثغرٍ = وهلَّل وجههُ مثلُ السناءِ
نصافحُ كل من يُلقى سلاماً = أجابَ بفضلهِ صوتَ النداءِ
مكارمُ ديننا تأبى علينا = بأن نلقى الأحبةَ بالجفاءِ
ويرفعُ قدرنا في الناس تاجٌ = من الحسنى ونبلِ الأتقياء
كذاكَ جميعُ من صلَّوا وصاموا = لهم أخلاقُ مبعوثِ السماءِ
عليهِ صلاةُ ربي كل حينٍ = عظيمُ القدرِ محمودُ الثناءِ
----------
عبد الملك الخديدي