العلاقات المصرية الإسرائيلية
1996-2007
أدت استقالة حكومة شمعون بيريز بعد خسارته فى الانتخابات وتشكيل حكومة بنيامين نتانياهو فى شهر مايو 1996 إلى نهاية فصل من العلاقات بين مصر وإسرائيل. فقد انتهى فصل استمر أربع سنوات تميزت بعلاقات كان بها قدر كبير من الثقة بين قيادات الدولتين. فقد حظيت العلاقات بين الدولتين فى هذه الحقبة بتقدم فى عدة مجالات على الرغم من الصعوبات التى ظهرت من حين إلى آخر. قوبل بنيامين نتانياهو الذى وصل إلى الحكم وشكل حكومة لها أجندة مختلفة عن الحكومة السابقة، فى مصر ببعض المخاوف. قررت مصر منذ البداية التعامل مع الحكومة الجديدة برئاسة نتانياهو ليس وفقاً لمخاوفها لكن وفقاً لأفعال الحكومة خاصة فى كل ما يتعلق باستمرار عملية السلام. قوبل نتانياهو بترحيب فى زيارته الأولى لمصر فى صيف 1996 وكذلك عندما شارك فى القمة الاقتصادية فى القاهرة فى أكتوبر من نفس العام. لكن بدأت بعد ذلك حقبة كانت إحدى سماتها غياب علاقات الثقة بين قيادة الدولتين. خاصة من جانب الرئيس مبارك الذى شعر بأن رئيس الوزراء نتانياهو لم يف بأقواله التى قالها حول استمرار تقدم عملية السلام. كما شعرت مصر أن حكومة نتانياهو قد غيرت طريقة التعامل معها والتى كانت موجودة أيام رابين وبيريز فازدادت الشكوك تجاه مصر ولم يعودوا يعتبرونها عنصراً مهماً يساعد فى تقدم عملية السلام. وركزت الحكومة الجديدة فى المقابل على علاقاتها مع حسين ملك الأردن. كما زادت الخطوات التى اتخذتها الحكومة من الإستياء العام فى مصر ومن الإحساس بأن عملية السلام لن تتقدم فى ظل الظروف الجديدة. وفى 23 سبتمبر 1996 أفتتح نفق حائط البراق فى القدس مما أدى إلى كثير من الاضطرابات الدامية واعتبره العالم العربى إستفزازاً مقصوداً سيؤدى إلى طرح القدس على الأجندة اليومية كقضية عاجلة. كما اتخذت الحكومة الإسرائيلية فى 13 ديسمبر قرارً يلغى قرار حكومة رابين منذ حوالى أربع سنوات ونصف ويمنح الاستيطان فى الضفة الغربية وقطاع غزة أولوية قومية أولى. وعلى الرغم من أن القرار لم يدع إلى إقامة مستوطنات جديدة إلا أنه كان من الواضح أن هدفه توسيع المستوطنات فى الضفة والقطاع. تلقت مصر وعناصر عربية أخرى القرار باستياء شديد لأنها اعتبرته، مثل افتتاح نفق البراق، عودة إلى سياسة وضع العراقيل فى طريق البحث عن حل للقضية الفلسطينية ووضع الحقائق على الأرض فى قضايا كان يجب مناقشتها فى المرحلة الأخيرة من المفاوضات حول التسوية النهائية. واتخذت حكومة إسرائيل بعد فترة قصيرة من ذلك الوقت وفى 26 فبراير 1997 قراراً ببناء آلاف الوحدات السكنية لليهود فى جبل أبو غنيم جنوب شرق القدس. ورغم أن القرار تحدث كذلك عن بناء وحدات سكنية للسكان العرب إلا أنه قوبل بـ"قلق" من الاتحاد الأوربى وبـ"خيبة أمل" من الولايات المتحدة. كانت إدانة مصر للقرار شديدة جداً. وحاول رئيس الحكومة نتانياهو في محاولة لتهدئة الأجواء فى مصر الاتصال هاتفياً بالرئيس مبارك وشرَح له أن النية كانت، إلى جانب بناء ألفى وحدة سكنية لليهود، بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية للعرب فى خلال السنوات القادمة. لكن ذلك لم يضعف الانتقاد المصرى للسياسة العامة لحكومة نتانياهو فيما يتعلق بقضية بناء المستوطنات فى شرق القدس .
وجاء الرد العربى الجماعى بعد حوالى شهر من القرار الإسرائيلى بالبناء في جبل غنيم فى 31 مارس وذلك فى القرار الذى اتخذه وزراء الخارجية العرب فى اجتماع القمة العربية بتجميد العلاقات بين الدول العربية واسرائيل. لم تنفذ مصر القرار لكن توقف أى تقدم فى العلاقات بين الدولتين، على مدى أربع سنوات وحتى اندلاع الانتفاضة الثانية فى سبتمبر 2000، على الرغم من عدم وجود تدهور حقيقى فى العلاقات حتى ذلك الوقت. شعر نفس المصريين الذين عارضوا أو كانت لديهم مخاوف ولم يكونوا راضين عن بعض الأشياء مثل التعاون الاقتصادى الاقليمى بتخفيف بعد وصول نتانياهو إلى الحكم بأجندة مختلفة عن حكومتى رابين وبيريز بعدما حذف من أجندته الآن دفع التعاون الاقليمى. وكانت القمة الاقتصادية الأخيرة التى عقدت فى القاهرة فى أكتوبر 1996 هى الأخيرة. ثم جاء القبض على المواطن الإسرائيلى عزام عزام فى نهاية 1996 كإشارة من الجانب المصرى إلى حدوث تغيير فى التعامل مع قضية العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل.
أدى تغير حكومة بنيامين نتانياهو بحكومة إيهود باراك فى أعقاب انتخابات مايو 1999 إلى بث الآمال فى مصر. فباراك مثل رابين أجرى فى حينه أولى زياراته الخارجية كرئيس للوزراء إلى مصر. وكان التوقع فى مصر أن تتنصل حكومة باراك من الخطوات التى اتخذتها حكومة نتانياهو التى اعتبرتها مصر عقبة فى دفع التسوية مع الفلسطينيين. لكن اتضح مع الوقت أنه لم يحدث أى تغيير حقيقى فى ما يخص سياسته تجاه بناء المستوطنات. وعلى الرغم من صدق النوايا والجهود والاقتراحات بعيدة المدى من جانب حكومة إسرائيل، إلا أن التقدم فى عملية السلام على المسار الفلسطينى والذى منحته مصر أهمية كبيرة لم يحدث وكان نتيجة ذلك عدم حدوث تقدم فى العلاقات بين مصر وإسرائيل بل حدث تراجع فى بعض المجالات. ومن بين المجالات التى تضررت فى السنوات 1996-2000 نشير إلى العلاقات الاقتصادية فقد توقف عمل اللجنة الاقتصادية المشتركة وتوقفت المشاركة الإسرائيلية فى المعرض الصناعى التجارى الدولى السنوى فى القاهرة. كما حدث انخفاض معين فى التعاون الزراعى خاصة فى عدد المشاركين المصريين فى الدراسات التكميلية فى إسرائيل. كما توقفت المباحثات الخاصة ببـيع الغاز المصرى لإسرائيل بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد فى يولية 2000.
أما القضية التى تثير التساؤلات وإن لم يكن الدهشة فهى الدور الذى لعبته مصر فى الجهود المبذولة فى فترة حكم باراك من أجل تسوية الصراع الإسرائيلى الفلسطينى. فمصر التى تحاول بشكل عام المساعدة فى الجهود المبذولة لإيجاد تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين لم تحاول المساعدة عندما اجتمع كل من رئيس الوزراء باراك ورئيس السلطة الفلسطينية عرفات بمشاركة فعالة من الرئيس الأمريكى بيل كلينتون فى يولية 2000 فى كامب ديفيد. وكانت إسرائيل على استعداد فى هذا اللقاء- فى محاولة لايجاد حل شامل للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين- لتسوية تاريخية بعيدة المدى فى موضوعات مثل أراضى الضفة الغربية وكذلك القدس. وامتنعت مصر فى ذلك الوقت عن بذل أى مجهود لإقناع عرفات وتشجيعه على المضى نحو تسوية بالأفكار المطروحة. ولا توجد إجابة شافية حول سبب قيام مصر بذلك. لكن أحد التفسيرات هو أن مصر لم تكن راضية عن تسوية فلسطينية فيما يتعلق بالسيادة الكاملة على منطقة الأقصى وشرق مدينة القدس.
لم يمنع فشل المفاوصات فى كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية فى أكتوبر 2000 استمرار جهود التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. وصاغ الرئيس كلينتون فىالمراحل الأخيرة لفترة ولايته وثيقة للتسوية كانت محاولة منه للتقريب بين مواقف الطرفين. وفى الوقت الذى قبلت فيه إسرائيل هذه الوثيقة أبدى الفلسطينيون تحفظهم على بعض عناصرها. وهنا أيضاً لم تبذل مصر أى جهد لاقناع عرفات بقبول الوثيقة كأساس للتسوية وحتى عندما أُستؤنفت المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين فى يناير 2001 فى مدينة طابا المصرية اكتفت مصر بالمساعدة اللوجيستية فى المفاوضات التى أجريت على أراضيها ولم تبذل أى جهد مع الفلسطينيين. ولقد وصف شلومو بن عامى الذى رأس وفد إسرائيل فى مفاوضات طابا الموقف المصرى الذى ساند الرفض الفلسطينى لاقتراحات التسوية بنوع من خيبة الأمل(85). فهل ينبع موقف مصر من أن التسوية المقترحة فى قضية القدس لم تكن كافية أو انها اعتقدت أن الفلسطينيين يمكن أن يحصلوا على تسوية أفضل من وثيقة الرئيس كلينتون عندما تبدأ إدارة جديدة فى واشنطن أو أن رؤية وزير الخارجية عمرو موسى التى تفضل الحل القريب للموقف العربى أكثر من التسوية مع إسرائيل قد تغلبت على الموقف؟. على أية حال فإن النتيجة النهائية لجهود التسوية كانت إضاعة الفلسطينيين فرصة ربما كانت تاريخية لتحقيق جزء حقيقى وإن لم يكن كبيراً من طموحاتهم وأن كل أصدقائهم بما فيهم مصر لم يساعدونهم فى اتخاذ القرار الإستراتيجى لإنهاء الصراع.
على مسار العلاقات الثنائية نذكر أنه مع اندلاع الانتفاضة الثانية بدأ الضرر الحقيقى فى العلاقات بين الدولتين. فقد اعتقدت مصر فى البداية أو بالأصح كانت تأمل فى أن تتعقل إسرائيل وتضع حداً للعنف خلال فترة قصيرة. ولذلك عملت على تهدئة قرارات القمة العربية الطارئة التى انعقدت فى 21 أكتوبر 2000 فى القاهرة بهدف مساندة رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات. وقررت مصر بضغط من الرأى العام لديها فى 21 نوفمبر 2000 أى بعد شهرين من اندلاع الانتفاضة ومع تزايد أعمال العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين إستدعاء سفيرها فى إسرائيل، محمد بسيونى، للتشاور ولم يعد من بعده. واستمرت السفارة المصرية فى إسرائيل فى العمل بمستوى تمثيل دبلوماسى أقل مع قائم مؤقت بالأعمال. وخفضت فى نفس الوقت من تعاونها الاقتصادى مع إسرائيل رغم حرصها على المجال الزراعى للأسباب التى ذكرناها فيما يتعلق بالمجال الزراعى على عقد اللقاءات الدورية النصف سنوية للجنة الزراعية المشتركة. وأعلنت الحكومة المصرية فى 3 أبريل 2002 وبعد عملية الجدار الواقى التى قام بها الجيش الإسرائيلى وقف كل الاتصالات الحكومية مع إسرائيل باستثناء الاتصالات عبر القنوات الدبلوماسية التى تخدم القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن الرئيس مبارك أوضح أن مصر لا تقطع العلاقات مع إسرائيل إلا أنه مع مثل هذا القرار توقف كل تعاون على المستوى الحكومى بما فى ذلك المجال الزراعى. كما فرضت مرة أخرى القيود على سفر المواطنين المصريين إلى إسرائيل والتجارة معها. وكان القرار بمثابة إشارة للمواطنين المصريين الذين أدركوا أن الوقت غير مناسب لإجراء علاقات مع إسرائيل أو إسرائيليين. وبذلك ضاع هباءً كل ما تم تحقيقه تقريباً وبجهد شاق فى مجال تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل فى فترة حكومتى رابين وبيريز.
بدأ جو العلاقات يتحسن بين مصر وإسرائيل بعد حوالى عامين بعد ما تبنت حكومة أريئيل شارون فى مارس 2001 قرار فك الارتباط مع قطاع غزة. ولقد لوحظ هذا التحسن بشكل كبير بعد تنفيذ فك الإرتباط فعلياً فى سبتمبر 2005. وأدى اللقاء بين رئيس الحكومة شارون وبين الرئيس مبارك إلى عودة علاقات الثقة بين الزعيمين بقدر ما مثلما كانت فى عصر حكومتى رابين وبيريز. تم هذا اللقاء فى القمة الرباعية التى ضمت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وعبد الله ملك الأردن والرئيس مبارك. وخرج هذا اللقاء بتفاهمات شرم الشيخ الخاصة بتهيئة الجو المناسب لإستئناف عملية السلام على المسار الفلسطينى. ولقد انعكست هذه التفاهمات والآمال التى انعقدت من جديد بشكل إيجابى على العلاقات بين مصر وإسرائيل. كما يذكر حدوث تقدم فى التنسيق العسكرى بين مصر وإسرائيل على خلفية تنفيذ فك الارتباط مما تمثل فى التوقيع على بروتوكول نشر قوات من حرس الحدود المصرية بطول محور صلاح الدين وترتيبات عبور الفلسطينيين من منفذ رفح. ولقد زاد مثل هذا التعاون كلما زاد الإحساس بتهديدات إرهابية من جانب الجماعات الإسلامية فى المنطقة. وقررت مصر فى إطار الحوار الثنائى فى شهر مارس 2005 تعيين سفير جديد لها فى إسرائيل بدلاً من الذى أُعيد إلى القاهرة قبل أكثر من أربع سنوات. وقبل فترة قصيرة من ذلك وكتعبير عن حسن النوايا، أطلقت مصر سراح المواطن الإسرائيلى عزام عزام وذلك قبل إكمال مدة عقوبته. كما انعكس تحسن جو العلاقات فى مضمون عدة مجالات وكان التحول الرئيسى فى مجال العلاقات الاقتصادية التى تلبى المصالح المصرية. ففى 14 ديسمبر 2004 تم التوقيع على إتفاقية ثلاثية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة بتحديد مناطق صناعية مؤهلة فى مصر(qualifying industrial zones) تتمتع بتسهيلات جمركية بالنسبة للصادرات للولايات المتحدة طبقاً لإتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والولايات المتحدة. ومن أجل الاستفادة بهذه التسهيلات يجب أن يشمل المننتج المصدر إلى الولايات المتحدة مكونات إسرائيلية بنسبة 11%. أدى هذا الاتفاق إلى زيادة الصادرات الإسرائيلية إلى مصر والتى انخفضت فى سنوات الانتفاضة إلى حوالى 25 مليون دولار لتصبح أكثر من 90 مليون دولار عام 2005. لكن الفائدة الأكبر لمصر كانت فى زيادة صادراتها من منطقة الصناعات المؤهلة إلى الولايات المتحدة بمئات الملايين من الدولارات بفضل الاتفاقية. وعلاوة على هذا الاتفاق أستؤنفت الاتصالات لدفع عملية بيع الغاز المصرى إلى إسرائيل قٌدماً وفى 8 أغسطس 2005 تم التوقيع على الاتفاقية. ويذكر كذلك استئناف سفر شباب مصريين إلى إسرائيل فى دورات فى المجال الزراعى. كان هذا التقدم بمبادرة مصر التى طلبت فى يولية 2005 استئناف إجتماعات اللجنة الزراعية المشتركة والدورات الزراعية فى إسرائيل. سافر فى أعقاب ذلك إلى إسرائيل حتى نهاية 2005 عدد 46 شاباً مصرياً فى دورات زراعية مختلفة وارتفع العدد عام 2006 إلى 96 مشاركاً فى سبع دورات أقيمت فى إسرائيل. وكانت النية هى التوسع فى هذا النشاط الإرشادى فى عام 2007(86). وتجدر الإشارة إلى أن التحسن فى العلاقات لم يخرج كثيراً عن المجال الاقتصادى والزراعى والعسكرى.
لم يتغير هذا الوضع كثيراً فى عام 2006 حتى تولى إيهود أولمرت مكان أريئيل شارون وتشكيله حكومة برئاسته. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى وجود ظاهرة فى أثناء عام 2006 تحمل فى طياتها استعداداً للتأثير السلبى على علاقات مصر بإسرائيل. والمقصود هو الفجوة بين تعامل النظام وتعامل الشعب والرأى العام مع رئيس الوزراء إيهود أولمرت. ففى الوقت الذى تعامل فيه النظام بإيجابية مع أولمرت على اعتبار أنه يحاول السير على درب شارون المؤيد للتعاون مع مصر إلا أن الرأى العام كما عكسته صحف المعارضة بل والصحافة القومية كان انتقادياً جداً لأولمرت. فتم التأكيد على إبراز سمات مثل قلة الخبرة والمنطقية ونواياه السلبية تجاه الفلسطينيين والعرب بشكل عام. كما كان هناك رسوم كاريكاتيرية سلبية، ولقد زادت الفجوة بين تعامل السلطة وبين تعامل الرأى العام المصرى أثناء حرب لبنان الثانية التى اندلعت فى صيف 2006. فلقد ألقت مصر الرسمية مسئولية إشعال الحرب على حزب الله ولم يكن هناك خلاف بين مصر الرسمية وإسرائيل حول هوية المنظمة التى تمثل التدخل الإيرانى المتزايد فى المنطقة. وصحيح أنه كلما تزايد عدد القتلى من المدنيين وكلما ازداد تدمير البنية التحتية فى لبنان كانت هناك انتقادات من مصر الرسمية لاستمرار القتال لكن مصر الرسمية استمرت ترى فى حزب الله المسئول عن هذا التدهور فى الأوضاع. وفى المقابل انتقد الرأى العام منذ بداية القتال إسرائيل وتحول إلى انتقاد شديد ولاذع. كما وُجهت الانتقادات أيضاً للنظام الذى يعطى غطاءً للدفاع عن إسرائيل فى وقت حربها مع طرف عربى. وتم التعبير عن التعاطف مع حزب الله الصامد أمام إسرائيل. وأدت كل هذه الظروف إلى فتح الجراح القديمة من جديد وظهرت على السطح مشاعر العداء ضد إسرائيل والرغبة فى الانتقام من هزيمة 1967. وهذا تطور غير مفيد بالمرة لدفع العلاقات المصرية الإسرائيلية. ويُذكر أن السلطات المصرية لم توقف فى أثناء الفترات الصعبة من عام 2006 الحوار الثنائى الهادئ والمستمر مع إسرائيل فى موضوع الأمن والقضايا المرتبطة بالعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. ومن الواضح أن حالة من الهدوء فى الرأى العام تسهِّل على السلطات إجراء حوار ثنائى مع إسرائيل. وهذا الحوار الثنائى له مغزى استراتيجى ويعطى العلاقات المصرية الإسرائيلية بُعداً من الاستقرار.
أبرز التحولات والأحداث فى العلاقات بين مصر وإسرائيل فى السنوات 1996-2000: جمود العلاقات منذ عام 1996 مع تغيير حكومة بيريز بحكومة نتانياهو والتدهور الذى حدث عام 2000 مع اندلاع الانتفاضة الثانية والتقدم الذى طرأ على العلاقات عام 2004 مع عملية فك الإرتباط مع قطاع غزة.
يجسد كل هذا إلى أى مدى ترتبط العلاقات المصرية الإسرائيلية بما يحدث بين إسرائيل وجاراتها العرب خاصة الفلسطينيين وهذه سمة بارزة فى العلاقات منذ إحلال السلام بين الدولتين سمة ستستمر فى المستقبل.
بدأ عام 2007 بأحداث على المسار الإسرائيلى المصرى لم تتماش مع التطلع لدفع العلاقات بين الدولتين. فقد التقى الرئيس مبارك مع رئيس الوزراء أولمرت فى شرم الشيخ فى القمة الرباعية وذلك فى شهر يناير أثناء عمل الجنود الإسرائيليين فى جنين. ونقلت محطات التلفزيون بالتفصيل صور العمليات ضد الفلسطينيين لهذا السبب كان جو اللقاء محرجاً للرئيس المضيف ولرئيس الحكومة الضيف. ولقد انعكس ذلك فى المؤتمر الصحفى الذى انتقد فيه الرئيس مبارك إسرائيل علانية. بذلك أُهدرت فرصة لخلق جو ينعكس إيجابياً على العلاقات بين الدولتين.
وفى 25 فبراير أذاعت القناة الأولى فى التلفزيون الإسرائيلى برنامجاً وثائقياً أنتجه الصحفى ران أدليسط عن دورية شاقيد. كشف البرنامج عن أحداث وقعت أثناء حرب 1967 عندما كُلف جنود دورية شاقيد بعد انتهاء المعارك بمطاردة وقتل كتيبة قوات كوماندوز مصرية فى المضايق. أدت إذاعة هذا البرنامج إلى فتح الجروح القديمة فى مصر. ووبعد يومين من إذاعة البرنامج بدأت الصحف المصرية القومية أولاً ثم المعارضة، فى نشر ردود فعل قاسية. وكما يحدث فى كثير من الأحيان بالنسبة لإسرائيل، ما أن تفتح الجراح القديمة تتوه الحقائق الدقيقة فى ردود الفعل. وأضيف إلى الإتهامات التى وجهت إلى إسرائيل لمقتل الأسرى إتهامات أخرى وهمية عن القيام بجرائم حرب. وكتب قاسم المصرى، وهو سفير مصرى متقاعد، فى إحدى الصحف إن إذاعة هذا التقرير كان أمراً مخططاً له من جانب الحكومة الإسرائيلية من منطلق الرغبة فى إرباك وإضعاف النظام المصرى أمام صراعه مع الإسلاميين(87). وأضيفت إلى الكلمات التى تهاجم إسرائيل بشكل قاس رسوم كاريكاتيرية تُذكِّر بالرسوم الكاريكاتيرية التى نشرت قبل عصر السلام. ورغم كون ردود الفعل الرسمية معتدلة إلا أنها شملت مطالبة إسرائيل بالتحقيق فى القضية. وأدت الأجواء الشعبية التى نشأت إلى تعليق كل الأنشطة المخطط لها بين الدولتين. على سبيل المثال لا الحصر مباحثات وزير البنية التحتية الإسرائيلى فى القاهرة.
من الزاوية المصرية نذكر أن الحدثين المذكورين سابقاً وخاصة التقرير عن دورية شاقيد ساهما فى توسيع الفجوة بين مصر الرسمية وبين الرأى العام والشعب المصرى بالنسبة للقضية الإسرائيلية. فالنظام لاعتباراته الخاصة به مهتم بعلاقات ملموسة مع إسرائيل وإقامة سلام معها. وفى المقابل فإن العداء لدى الشعب المصرى تجاه إسرائيل يتزايد وتتصاعد الأصوات المهاجمة للسلام معها. ومن الزاوية الإسرائيلية فإن الحدثين يمثلان نموذجاً آخر لعدم الوعى أو قلة الاهتمام الإسرائيلى بالمشاعر الموجودة فى مصر حول كل ما يخص العلاقات مع إسرائيل.
فهل فكر شخص ما ماذا سيكون تأثير عرض برنامج وثائقى حول حروب إسرائيل مع مصر؟. تعلمنا التجربة فى الماضى أن فتح الجراح القديمة يؤدى فى مصر إلى ردود فعل شعبية عدائية ضد إسرائل وعودة صورتها فى الماضى إلى الحياة من جديد. وتؤدى هذه الردود إلى خلق ضغط على النظام المصرى يصعب عليه تجاهله مما ينتج عنه تراجعاً فى العلاقات بين الدولتين. وهذا ما حدث عام 1995 عندما تسربت نتائج بحث قام به قسم التاريخ فى الجيش الإسرائيلى يقول أن جنود إسرائيليين قتلوا أسرى مصريين فى حرب عام 1956. لذلك لم يكن رد الفعل المصرى على إذاعة برنامج 2007 والأضرار الناتجة عنه على العلاقات بين إسرائيل ومصر مفاجئاً وكان يمكن توقع ذلك منذ البداية.
من كتاب أسرار التطبيع بين مصر وإسرائيل
تأليف: دافيد سلطان
ترجمة: عمرو زكريا
إصدار 2010
__________________